يأتى يوم الخامس عشر من يناير من كل عام حاملاً لمصر وللعالم ذكرى ميلاد زعيم الأمة العربية الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر». وفى ذكرى ميلاده يتبارى أًصحاب الأقلام والمحدّثون فى الادلاء بأحاديث عنه تتفق فى أغلبها على التذكير بمولده ونشأته ودراسته ومواقفه الثورية والوطنية فى طفولته وصباه وشبابه مرورًا بمرحلة تشكيل حركة الضباط الأحرار وقيامه بثورة 23 يوليو 1952 ثم فترة حكمه إلى أن وافته المنية ولقى ربه فى 28 سبتمبر 1970. ولما كانت تلك الأمور قد تناولها غيرى وبمشاركة متواضعة منى عبر سنوات سابقة رأيت أن ألقى الضوء على فترة ربما هى الأهم فى حياة الزعيم. وهى فترة ميلاد فكرة الثورة ومن ثم تشكيل تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش. عددهم ليس معلوما بالتحديد وبعض الأسماء مازالت غير معروفة، عدة روايات تم تناولها عن بداية التشكيل، منها رواية «منقباد» 1938 حيث التقى مجموعة من صغار الضباط ربط علاقتهم الخيط الوطنى الرافض لأوضاع الملك والاحتلال. ورواية ثانية تقول ان التفكير فى الثورة كان فى 1941 عندما سافر الضابط «جمال عبد الناصر» إلى السودان وعاش فى «جبل الأولياء» يفكر فى مصر وأحوال مصر وفساد الملك ونقل فكره إلى مجموعة الضباط الذين نالوا ثقته. ورواية أخرى عن فكرة قيام الثورة تقول إنه بعد حادث 4 فبراير 1942 الذى وجه فيه السير «مايلز لامبسون» سفير بريطانيا إنذاره إلى الملك «فاروق» بأنه «إذا لم يكلّف النحاس باشا بتأليف الوزارة قبل الساعة السادسة من مساء نفس اليوم فسوف يتحمل (فاروق) نتائج رفضه». وعندما رفض الملك كان رد السفير البريطانى أن أبلغ رئيس الديوان الملكى بأنه سيقوم بزيارة للملك، وفى التاسعة من مساء يوم 4 فبراير اقتحمت الدبابات البريطانية قصر عابدين وحطّمت سوره الرئيسى ولم يعترض أحد طريقها ووقع الملك مرسوم بتكليف «مصطفى النحاس» بتأليف الوزارة. أثار هذا الحادث المخزى غضب الشعب والجيش لما يحمله من إهانة ومساس بالكرامة الوطنية وفى تلك الأثناء كان «جمال» فى العلمين ومنها أرسل إلى أحد أصدقائه رسالة جاء فيها: «إننى أشعر بخزى وعار شديدين لأن جيشنا سكت عن هذا الاعتداء وارتضاه، لكنى مسرور على كل حال لأن ضباطنا كانوا يشغلون فراغهم بالحديث عن المتع والملذات لكنهم الآن بدأوا يتحدثون عن الانتقام والثأر». ولكن تبقى أكثر الروايات هى الأقرب إلى حسم ملابسات قيام الثورة. وهى تداعيات حرب فلسطين وما أظهرته من فساد القصر. إذ كانت الحرب بأوامر ملكية وبأسلحة فاسدة تطلق بارودها إلى الخلف وليس إلى العدو. فكانت حرب فلسطين فرصة لكى يعرف الضباط أن عدوهم ليس الإنجليز وحدهم وإنما الملك والنظام كله وأن المعركة الحقيقية تبدأ من مصر. وتحت نيران المدافع ورائحة الموت كان يتم تجنيد الضباط الأحرار وكان ميلاد ثورة الكرامة للوطن.