هل اندهشت عزيزى القارىء من عنوان المقال ؟! هل تعتقد ان الكلمتان متضادتين ؟!! قد يبدو للوهلة الاولى ان هناك تعارض بينهما ، لكن الحقيقة انهما معا يشكلان دائرة مغلقة ، فوسائل التواصل الاجتماعى تؤدى الى الانعزال عن المجتمع ، والانعزالية تدفع الشخص للجوء اليها !! لا احد ينكر الجوانب الايجابية للسوشيال ميديا المتمثلة فى اتاحة التواصل بين من يتعذر عليهم اللقاء لظروف السفر أو بعد المسافات او المرض او الانشغال بالأمور الحياتية كالعمل والدراسة ...الخ ، وتداول الاخبار بسهولة وسرعة ، والتسلية ، وتبادل الخبرات الحياتية ، وربما اكتساب بعض المعلومات . فهل يعنى هذا انها تساعد على التقارب بين البشر ام العكس ؟! فلنتأمل قليلا .... ان الشخص الانعزالى او الانطوائى هو شخص لا يهتم بالعلاقات الاجتماعية ، لا يمكنه التواصل مع آخرين لذا يتوجه نحو نمط حياة انفرادية ، و يميل للعيش مع ذاته فى عالمه الخيالى الداخلى . باختصار هو شخص لا يرغب فى التواصل الحقيقى مع مجتمعه المحيط به . فى الماضى كان مثل هذا الشخص يلجأ للقراءة او الاستماع للموسيقى وغيرها من الانشطة الفردية التى لا تحتاج للمشاركة مع غيره ، لكن مع تطور التكنولوجيا تفتحت امامه آفاق جديدة للانعزال عما يحيط به من خلال الانترنت !! انه يبنى عالمه الافتراضى ، يقدم نفسه بالشكل الذى يتمناه ، قد يكون اسما مختلفا ، مهنة اخرى ، سمات شخصية لا تنتمى اليه فى الواقع !! بل احيانا يقدم نفسه كشخص غامض مجهول !! وهنا يبنى مجتمعه الخيالى الخاص ، يتعرف على آخرين ، ويسميهم اصدقاء ، يتبادل معهم الحديث وقد يعارضهم فى ارائهم ، ويشاركهم الصور والاخبار ... الخ لكن كل هذا من خلف الشاشة بلا تعارف او تواصل حقيقى !! وعلى الصعيد الاخر تجد النمط العادى من البشر ، الذى يعيش داخل مجتمعه المحيط ، و يتمتع بعلاقات اسرية واجتماعية طبيعية ، وهذا النمط قد تأثر بالطبع بالانفتاح التكنولوجى ، ورويدا رويدا انفصل عن واقعه الحقيقى ، وغرق فى عالم السوشيال ميديا !! كم من أسر اصبح كل فرد فيها يعيش فى جزيرة منعزلة عن باقى افراد الاسرة ؟! كم من اصدقاء لم يعد بينهم لقاء الا عبر الانترنت ؟! كم من علاقات تم اختصارها فى ( Block Like , share , Emotion's Pictures, ) ؟! كم من علاقات انتهت بسبب سوء تفسير كلمات مكتوبة افتقدت دفء المشاعر الإنسانية وصدق التعبير اللفظى الصوتى و نظرات العيون او ما يسمى Body language !! لقد اصبح المجتمع ينظر لمن لا يستخدم السوشيال ميديا وكأنه - بالتعبير الدارج - من أهل الكهف !! واصبحت الحياة هى ما يتم عرضه عبر وسائل التواصل الاجتماعى !! لم يعد الناس يستمتعون بحياتهم وانما يلتقطون الصور التى توحى بذلك حتى وان كانت تخالف الحقيقة !! أتذكر اثناء وجودى بمكان عام ، انفعال سيدة عجوز تجلس على المائدة المجاورة لانشغال اولادها واحفادها الجالسون معها بالموبايلات حيث ارتفع صوتها موبخة اياهم لعدم انتباههم لحديثها ، كانت تسألهم مستنكرة هل أتينا للجلوس سويا أم لينفرد كل منكم بنفسه ؟! لم تهتموا سوى وقت تقديم الطعام ليس لتناوله وانما للتصوير !! ان كلماتها هى تجسيد للواقع الذى وصل اليه المجتمع !! لقد اختفى التواصل الحقيقى ، لم تعد هناك تلك الجلسات الاسرية الدافئة حول الراديو او التليفزيون ، اصبحت المناقشات بين افراد الاسرة مجرد كلمات تلغرافية سريعة ، تحولت الاحاديث التليفونية بين الاقارب والاصدقاء الى دردشة مكتوبة ، و كادت الزيارات المنزلية ان تندثر بسبب الاكتفاء بالتواصل عبر الانترنت !! انه الانغماس فى ذلك العالم الافتراضى المتوهج خارجيا لكنه يحمل بباطنه ظلاما دامسا . انها حياة ظاهرها التواصل وباطنها العزلة !!