تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع دستور جديد، أصبح هو القضية التي تشغل الرأي العام في الوقت الراهن، الأسئلة بشأن عضويتها وطريقة انتخابها، كثيرة جدًا، أما الإجابات فليست محددة، وتكاد تكون في بعض الأحيان معدومة، التخوفات لا حصر لها، بينما اليقين والحزم غائبان، وحسب المادة 60 من الإعلان الدستوري الذي يعتبر حاليًا بمثابة الدستور المؤقت، فإن الأعضاء غير المعينين بمجلس الشعب والشوري يقومون بانتخاب جمعية من مائة عضو تتولي إعداد الدستور، ولكنه لم ينص صراحة علي كيفية تشكيل هذه اللجنة.. وكيف سيتم اختيار الأعضاء.. وما إذا كان أعضاء البرلمان سيمثلون في لجنة الدستور.. وما المؤسسات التي ستمثل في اللجنة.. وما نسبة التصويت الواجب الحصول عليها للفوز بعضوية الجمعية. هذه الأسئلة وغيرها الكثير والكثير كانت ومازالت محور النقاش الدائر حاليًا بين القوي السياسية المختلفة، فهذه الجمعية التأسيسية ستتولي إعداد دستور ما بعد الثورة، ومن ثم يجب الانتباه جيدًا إلي ضرورة اختيار شخصيات مشهود لها بالكفاءة والخبرة لتتصدي لهذا العمل الذي ينتظره المجتمع بفارغ الصبر ليعيد للدولة هيبتها ومكانتها، وللمؤسسات قوانينها. إذا عدنا قليلا بالتاريخ وتحديدًا منذ تنحي الرئيس السابق عن الحكم في فبراير 2011، وتولي المجلس العسكري سلطات رئيس الجمهورية لإدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية، لوجدنا أن تشكيل الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور كان مرهونًا بالانتهاء من انتخابات البرلمان، الذي سيتولي أعضاؤه بدورهم انتخاب لجنة إعداد الدستور، الأمر الذي تم وفقًا للجدول الزمني المحدد في المادة 60 من الإعلان الدستوري، ولكن لأن التفاصيل كانت كثيرة فلم يتم الانتباه إلي وضع النقاط علي الحروف منذ البداية، وترك كثير من الأمور معلقة تحتاج لتفسير وهو ما جعلها عرضة للتأويل والخلافات، خاصة المتعلق منها بتشكيل لجنة الدستور التي يدور حولها الخلاف حاليًا، ولا يستطيع أحد التكهن بموعد انتهائه. ثغرات الثغرات القانونية الموجودة في المادة 60 من الاعلان الدستوري كثيرة ومنها أنها تجعل من أعضاء البرلمان مجمعًا انتخابيًا وفي الوقت نفسه منتخبين، الأمر الذي دعانا إلي مناقشة الأمر قانونيًا مع المختصين، ففي رأي الدكتور ثروت بدوي أستاذ القانون الدستوري أن الاعلان الدستوري أعطي مجلسي الشعب والشوري حق اختيار أو انتخاب أعضاء اللجنة التأسيسية، وهو إجراء غير منطقي لأنه لا يجوز أن يقوم 'المخلوق' وهو البرلمان بصناعة 'الخالق' والمقصود هنا الدستور، ذلك لأن الدستور هو الذي يحدد اختصاصات سلطات الدولة المختلفة، ومنها السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان بغرفتيه الشعب والشوري وطريقة تشكيله وعلاقاته بالسلطات الأخري، وهو الذي يحدد أيضًا نظام الحكم في الدولة. ويقول بدوي إن هناك مشكلة قانونية ودستورية ستنجم عن هذا الوضع غير المقبول والذي سيؤدي بدوره إلي عواقب وخيمة، لأنه ليس من المعقول أن يقوم مجلس الشعب بأي دور في صناعة الدستور سواء كان ذلك باختيار أو بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، أو بالمشاركة حتي في عضويتها، فالإعلان الدستوري يؤخذ عليه ليس فقط إعطاء البرلمان حق اختيار الجمعية التأسيسية، وإنما أيضًا لم يمنع أعضاءها من اختيار أنفسهم لعضوية الجمعية، ولم يبين أيضًا هل سيكون انتخاب أعضاء الجمعية من خارج أعضاء المجلسين أو من بينهم أو الجمع بينهم وبين أعضاء آخرين. ويضيف بدوي أن الاتفاق علي طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية أصبح مشكلة كبيرة وخطيرة، وكان يجب أن يحدد الإعلان الدستوري وبدقة عدة أمور مهمة منها طريقة اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية وشروط اختيارهم والمعايير التي سيتم علي أساسها قبول العضوية، وكلها أمور تركت بلا ضوابط، وهو ما يثير المخاوف من تفاقم المشكلات القانونية والدستورية المترتبة علي هذا الوضع، ومنها بطلان الجمعية التأسيسية نفسها. ويشير بدوي إلي أن الجمعية التأسيسية التي ستقوم بوضع دستور جديد للبلاد، يجب أن تكون من اختيار الشعب مباشرة وليس من اختيار أي جهة أخري، لأن الشعب هو الذي يجب أن يضع دستوره بنفسه، فالجمعية التأسيسية هي التي ستتولي إعداد الدستور، وستضع الأساس الذي يقوم عليه نظام الحكم في الدولة وسلطات البرلمان نفسه وعلاقات السلطة التشريعية بالسلطات الأخري، وهي أيضا التي تحدد ما للمواطنين من حقوق وما عليهم من واجبات، وما يتمتعون به من حريات وتحدد كذلك الضمانة القانونية والدستورية لتمتع المواطنين بحقوقهم كاملة، وترك هذه الأمور للاجتهادات والخلافات والتفسيرات المختلفة هو أمر ينذر بعواقب وخيمة. ويحذر بدوي من أن اشتراك مجلسي الشعب والشوري سواء في وضع الدستور أو في عضوية الجمعية التأسيسية سوف يجعل من الدستور الجديد ملبيًا لطلباتهم: من حصانة بلا حدود واختصاصات واسعة، وعلاقات غير محددة مع السلطات الأخري، وهو ما يتنافي مع أبسط قواعد المنطق، وكأن البرلمان هو من يقوم بتحديد مصير الدولة وموقع كل سلطة من السلطات الحاكمة، بمعني أنهم سيقومون بدور الخصم والحكم في آن، وهو ما يعني أيضًا أن جميع السلطات الحاكمة ستكون تحت رحمة ما يقرره أعضاء مجلسي الشعب والشوري، الأمر الذي يخلق حالة من الفوضي والغموض والقلق لدي جميع المصريين علي هيبة الوطن ومصيره. وحسب رأي المستشار محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، فإن المادة 60 من الإعلان الدستوري التي يدور الجدل حاليًا بشأنها، تضمنت النص علي اجتماع مجلسي الشعب والشوري بدعوة من المجلس العسكري خلال ستة أشهر من أول اجتماع للمجلسين، وذلك لانتخاب مائة عضو لتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وبهذه الصورة يكون أعضاء البرلمان هم الناخبين لأعضاء لجنة الدستور، وليس من الطبيعي أو المعترف به أن يكون الناخب في أي نظام انتخابي منتخبًا في الوقت نفسه، بل دوره أن ينتخب المرشحين الذين يلحقون بعضوية اللجنة التأسيسية لوضع الدستور. ويقول الجمل إن المادة 60 يشوبها الكثير من العوار القانوني، فهي لم تحدد هل سيقوم أعضاء البرلمان وحدهم بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية، أم سيتم انتخابهم من غير أعضاء البرلمان، أم سيتم الجمع بين الاثنين؟ وهو ما ترتب عليه تعدد الآراء حول تحديد نسبة من سيتم انتخابهم من خارج البرلمان، وهل سيتم تطبيق اقتراح حزب الحرية والعدالة بتشكيل الجمعية علي أساس 40% من البرلمان و 60% من المؤسسات الأخري؟ هذا بالإضافة إلي غياب المعايير الواضحة لاختيار الأعضاء من خارج البرلمان، والذي قد يؤدي في نهاية الأمر إلي سيطرة فصيل سياسي واحد علي الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، باعتبار أن هذا الفصيل يسيطر علي معظم النقابات المهنية والجامعات، فإذا ما تم اختيار رؤساء النقابات المهنية بصفتهم لعضوية لجنة الدستور، فإن ذلك سيكرس سيطرة تيار واحد، وهو أمر يجب تداركه علي الفور ووضع معايير لتشكيل الجمعية المنوط بها إعداد الدستور لتكون ممثلة لكل طوائف المجتمع المصري.