حالة من الجدل الشديد يشهدها المجتمع المصري خاصة الوسط القانوني حول تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع دستور مصر2012 وانعكست علي ساحات التقاضي, حيث تنظر اليوم محكمة القضاء الاداري أولي جلسات الطعن علي تشكيل هذه اللجنة والذي أقامه عدد من رجال القانون والفقهاء الدستوريين وبعض الشخصيات الأخري, رافضين قيام البرلمان بذلك مستندين في دعواهم إلي أنه سلطة من السلطات التي ينظمها الدستور وليس هو من يضعه وازدادت حدة تعارض الآراء سخونة عندما أكد بعض رجال القانون وأحد أعضاء حزب الحرية والعدالة أن عمل البرلمان ليس عملا إداريا لايجوز الطعن عليه. ويقول الدكتور محمود كبيش عميد حقوق القاهرة وأحد أبرز من شاركوا في إقامة طعن علي تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور أمام القضاء الاداري إن القرار الصادر من البرلمان بوضع ضوابط لتشكيل اللجنة التأسيسية تشتمل علي أن يكون من أعضائها أعضاء من مجلسي الشعب والشوري مخالف تماما لنص المادة60 من الاعلان الدستوري, فالمادة سالفة الذكر نصت علي أن يجتمع أعضاء المجلسين لانتخاب اللجنة التأسيسية لا أن يكونوا جزءا من هذه اللجنة, صحيح أن المادة لم تضع ضوابط لهذا الانتخاب لكن نص المادة كان صريحا في الاشارة إلي عدم جواز أن يكون من بين أعضاء اللجنة أو من يتقدم للترشح بها أي من أعضاء البرلمان, لأن هذا يتلاءم وفلسفة وضع الدستور ويبرر د. كبيش وجهة نظره قائلا: وضع الدستور يختلف عن مهمة البرلمان التي هي تشريعية ورقابية, وذلك للرد علي ما يثار من أن البرلمان هو اختيار الشعب, فالدستور لايعني الأغلبية, وإنما هو تعبير عن نظام دولة, وبالتالي فهو عمل دائم أما العمل البرلماني فهو مؤقت وهذا البرلمان ليس مطعونا عليه وما صدر عنه في هذا الشأن من قرار يعتبر عملا إداريا يخضع لرقابة مجلس الدولة, ولايمكن الادعاء بغير ذلك. بينما يري عاطف البنا استاذ القانون الدستوري ان القضاء الاداري ينظر في المنازعات الادارية, أما أعمال مجلس الشعب والشوري في اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور لا يستطيع أحد أن يقول انه قرار اداري وعدم اختصاص الولاء الوظيفي لمجلس الدولة بهذه المنازعات لأنها ليست منازعة, بل عملا برلمانيا ولا يجوز لأي سلطة أن تلغيها. أما الدكتور شوقي السيد الفقيه الدستوري فيؤكد اننا انتقلنا بالقضية المصيرية في شأن مشروع الدستور الجديد للبلاد من ساحة الكلام إلي ساحة العدالة لتبحث عن حل للجمعية التأسيسية لبطلان القرار الصادر بتشكيلها لأنه قرار يتضمن غصب السلطة لأن البرلمان لا يختص دستوريا بإعداد مشروع جديد للبلاد, وهذا القرار لا يعتبر عملا برلمانيا ولا عملا رقابيا ولا يتصل بالسياسة العامة للدولة. وبالتالي هو يخرج من اختصاص البرلمان دستوريا ويجوز الطعن عليه لرقابة مشروعية أمام القضاء. ويضيف السيد أن المادة605 من الاعلان الدستوري لا تملك أن يخول للبرلمان سلطة اختيار الجمعية التأسيسية ولا سلطة اعداد مشروع دستور للبلاد, وحتي إذا جاز وفقا للمادة60 فإنه لايجوز للبرلمان أن ينتخب نفسه أو أي نسبة منه ويصوت علي الأعضاء الباقين مع وجود تيارات سياسية غالبة أو أقلية تؤثر في صياغة مشروع الدستور, فضلا عن أن المجلس نفسه مطعون في شرعيته أمام المحكمة الدستورية العليا, بعدم دستورية قانون الانتخاب الذي أتي بالبرلمان, فضلا عن وجود643 طعنا في صحة العضوية, ومازالت منظورة أمام محكمة النقض, وبالتالي فالانهيار مقبل سواء بالنسبة لتشكيل الجمعية أو أعمالها أو اختيار أعضائها. وهذا الأمر برمته مطروح الآن أمام محكمة القضاء الاداري, خاصة أن كل علماء القانون والقانون الدستوري وفقهاءه علي اختلاف أعمارهم, بالاضافة لناشطين كثيرين وبعض أعضاء مجلس الشعب أنفسهم أقاموا دعاوي قضائية منظورة أمام القضاء. تعارض مصالح وبرفض قاطع لطريقة تشكيل اللجنة التأسيسية أكد ثروت بدوي الفقيه الدستوري أن مجلس الشعب ليس من صلاحياته أن يشترك بأي نسبة في وضع الدستور واستند في قوله إلي أن الدستور هو الذي ينشئ ويخلق السلطات, وبالتالي يستحيل عقلا قبول أن يقوم المخلوق بصناعة الخالق أو التابع بصناعة المتبوع, فضلا عن وجود تعارض في المصالح لأن البرلمان له سلطة تشريعية تقابل السلطة التنفيذية ويستحيل أن تنفرد واحدة من هذه السلطات بتحديد اختصاصات ومهام السلطات الأخري في الدولة وكيفية علاقتها به, لذلك لايجوز أن يشترك البرلمان في تحديد أحكام الدستور واللجنة التأسيسية والاعلان الدستوري صدر ممن لايملك واذا اعتبرنا المجلس الاعلي للقوات المسلحة له شرعية فلا تكون في اكثر من حدود انه سلطة من السلطات وليس جميع السلطات فالشعب هو الذي يملك الدستور ولايجوز لاحدي السلطات الحاكمة ان تشكل اللجنة التي تقوم بوضع الدستور وايا كانت الشخصيات والاسماء بهذه اللجنة فلا شرعية لهم وفقا لما اوضحته في هذا الجانب القانوني. ويقول المستشار اشرف مختار بهيئة قضايا الدولة ان نص المادة06 من الاعلان الدستوري جاء عاما وفي ضوء عمومية هذا النص يمكن اختيار اعضاء اللجنة التأسيسية للدستور من خارج البرلمان او داخله او يجمع بين الجانبين وبالتالي لايجوز الطعن عليه امام الدستورية او القضاء الاداري. وأضاف مختار موضحا ان المحكمة الدستورية تنظر في دستورية القوانين واللوائح او تحكم بمدي دستورية نص قانوني ما ومدي تطابقه مع الدستور لكنها لاتحكم بعدم دستورية الدساتير ولاتفسيرها ولما كان نص المادة60 من الاعلان الدستوري قد تم الاستفتاء عليه من الشعب فليس هناك طريقا لتعديل هذا النص الدستوري الا عن طريق استفتاء شعب آخر. ويري الدكتور نور الدين فرحات الفقيه الدستوري ان هذا الجدال الدائر حول جواز الطعن علي عمل الجمعية التأسيسية من عدمه في غير وقته او محله لأن الدعوي ستنظر اليوم امام القضاء الاداري وهو الفيصل في الموضوع. اما عن الاختلاف بين القانونيين في هذا الشأن فالقانون حمال وجوه ورجال القانون يختلفون في فهم قواعد القواعد وتعيدهم للنصوص القانونية والفيصل النهائي علي المحكمه التي ستقضي بين المتنازعين.