قرأت كتاب أوروبا تاريخ وجيز تأليف المؤرخ الإسترالي (جون هيرست ) الصادر في العام 2012 وقام بترجمته الدكتور محمود محي الدين استاذ الاقتصاد ونائب رئيس البنك الدولي الآن. الكتاب في 180 صفحة من الحجم الكبير صادر عن دار الشروق طبعة 2017 وهو كتاب ممتع يعرض رؤية شخصية للمؤرخ الأسترالي عن تاريخ اوروبا يلفت النظر في بداية الكتاب أن المؤرخ جون هيرست يقول أن الملوك الاوربيين لم يمتلكوا ابدآ تلك السلطة المطلقة التي إمتلكها ملوك الشرق (سواء الشرق العربي أو الشرق الإقصي ) وخاضوا حروبآ كي لا يكونوا تحت رحمة النبلاء والإقطاعيين يقول المؤرخ (جون هيرست ) أن الحضارة الأوربية تكونت من ثلاث عناصر وهي ثقافة الإغريق والرومان ثم المسيحية وهي فرع لليهودية ثم ثقافة المحاربين الجرمان الذين أغاروا علي الإمبراطورية الرومانية وهكذا فالمؤرخ يري أن الحضارة الأوروبية فرضت نفسها علي العالم كله بالغزو والإستيطان والإمكانيات الإقتصادية وقوة الأفكار لذلك فهي متفردة ومتميزة يقسم المؤرخ تاريخ اوروبا الي أربع اقسام القسم الأول هو القسم الكلاسيكي حتي العام 313 ميلادية حيث إعتنق قسطنطين المسيحية ثم القسم الثاني استمر حتي العام 476ميلادية حيث سقطت روما ثم العصور الوسطي ثم العصر الحديث ويري المؤرخ التحول في تاريخ أوروبا بإختصار أن المحاربين الجرمان يساندون الكنيسة المسيحية الرومانية تلك التي تحافظ علي المعارف اليونانية الرومانية ولم يشر ولو بشكل عابر كيف أن الكنيسة جرًمت المعارف اليونانية والرومانية ولست أدري كيف لم يشر ولو بكلمة الي محاكم التفتيش التي طالت المفكرين يرصد المؤرخ علي إستحياء طبيعة الصراعات في اوروبا بين القوميات المختلفة وكذلك بين البابا وبين الملوك ويقول ان الصراع انتهي حين نصًب نابليون بونابرت نفسه إمبراطورآ وحين حضر البابا التنصيب ولكن نابليون هو من وضع علي رأسه تاج الامبراطور كالذي كان يضعه الامبراطور الروماني علي رأسه بعد أن كان سائدآ أن البابا الذي وضع التاج فوق رأس شارلمان عام 800 ميلادية بمعني انه أعلي سلطة من الإمبراطور غيًر بونابرت هذه الرؤية ثم يرصد المؤرخ الغزوات التي تعرضت له آوروبا من الجرمان ثم الفايكنج ثم من النورمانيين ويمر المؤرخ مرور الكرام علي الحرب الدينية التي ضربت اوروبا بين الكاثوليكية والبروتستانتية واستمرت مائة عام وإنتهت بظهور الدولة القومية وصلح ويستفاليا 1648 المثير أن المؤرخ وهو يعرض في سطرين للحروب الصليبية يشير الي أن سببها هو معرفة المسيحيين بإن الأماكن المقدسة في أيدي الكفار (المسلمين ) نجد هنا هذا المؤرخ (جون هيرست ) لا يشير إلي أي بعد إقتصادي في نشوء الظواهر الإستعمارية حتي في الحروب الصليبية أو بين الغزوات التي مارسها الجرمان وبررها بإن الجرمان يجدون في الحرب متعة (هكذا ) يري المؤرخ أن الحضارة الصينية أقدم وأعرق من الحضارة الأوروبية وعن طريق الصين عرفت أوروبا الطباعة والورق والبوصلات والبارود ويري (جون هيرست ) أن الإمبراطور الصيني (مينج ) جرًم الإستكشافات البحرية في حين أن أوروبا إستغلتها لتعظيم ثرواتها لذلك تقدمت آوروبا بفضل هذه الإستكشافات الجغرافية للعالم الجديد فيما تخلفت الصين. كما يري أن الصين رغم أنها كانت تحت سيطرة قوة مركزية واحدة تسيطر عليها الأفكار الكونفوشيوسية وأن اوروبا كانت مقسمة الا أن جوهر الثقافة الاوربية مكًن أوروبا من التقدم في حين فشلت الصين. يشير الكاتب الي جوهر الحضارة الاوربية يكمن في الثقافة التي أنتجتها ولكنه لا يخصص فصلآ للماركسية بإعتبارها منتج ثقافي أوروبي أيضآ أثًر في العالم بل يشير الي الإشتراكية بشكل موجز ويذكر إسم ماركس وتشالز أنجلز في عجالة ويمر المؤرخ مرور الكرام علي الحرب الفرنسية الألمانية ثم الحرب العالمية الأولي والثانية ولا يذكر دوافعها الحقيقية والتي هي صراع إستعماري. تذكرت وأنا أقرأ الكتاب الشاعر الإنجليزي الشهير (كيبلينج ) في قصيدته عبء الرجل الأبيض 1899 والذي يدعو فيها الرجل الأبيض لإنتشال غير الأبيض من تخلفه. الكتاب يذكرني بكتابات الدكتور جلال أمين (سلسلة ماذا حدث للمصريين ) حيث تشعر أن الكتاب هو تفكير بصوت عال للمؤرخ يخلو من اللغة الإكاديمية الجافة ويعتبر إنطباعات شخصية للمؤرخ . ترجمة الكتاب في مجملها مكتوبة بلغة أدبية رفيعة ورشيقة والكتاب يستحق القراءة.