جدل حاد في الشارع المصري وتحت قبة البرلمان حول إمكانية مناقشة ميزانية الجيش والمخابرات العامة، خلاف كبير تفجر في الآونة الأخيرة ما بين مؤيد لمناقشة الميزانية يري أن المؤسسة العسكرية جزء من ممتلكات الشعب يجب أن توضع ميزانيته تحت الرقابة الشعبية 'البرلمان' وأن يتم الإعلان عن مصادر دخلها وإنفاقها خاصة أن المؤسسة العسكرية يتراوح حجم التقديرات لشركاتها واستثماراتها بين من 35 إلي 40 في المائة من اقتصاد الدولة، أما الطرف المعارض لمناقشة الميزانية فيري في ذلك خطورة علي الأمن القومي للبلاد، خاصةً اذا تعلق الأمر بقطاع المخابرات.. حول هذا الجدل العنيف نستعرض عددًا من الآراء التي تختلف في هذا الشأن. الجيش والاقتصاد تشير تقديرات عدد من الخبراء إلي أن الجيش يسيطر علي ثلث الاقتصاد المصري تقريباً، وأن هذا الإنتاج المملوك للجيش يحقق 750 مليون دولار في السنة، وقد طالب المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية محمد بلال بأن تناقش ميزانية الجيش كما كانت تناقش في السابق ولكنه طالب أيضاً بضرورة عرضها بشكل عام دون التطرق لتفاصيلها وأضاف أن موضوع تفاصيل ميزانية القوات المسلحة يخص الجهاز المركزي للمحاسبات بصفته جهة رقابة علي المجلس العسكري.. إلا أن هناك من يري أن التقارير التي كانت ترد من الجهاز المركزي للمحاسبات فيما مضي حول ميزانية الجيش لم يذكر فيها معلومات عن مراقبة حقيقية لميزانية الجيش.. أما مرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع فقد عارض بشدة مناقشة ميزانية الجيش بشكل عام، موضحاً أن مؤسسات مصر هي ملك لأبنائها وأن ميزانية الجيش ستخضع لرقابة لجنة محدودة من مجلس الشعب نظراً لاعتبارات الأمن القومي، وهو الرأي نفسه الذي وافقه عليه حمدين صباحي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية ومؤسس حزب الكرامة، والذي رفض بشدة مناقشة ميزانية الجيش خارج البرلمان شكلاً وموضوعاً، مؤكداً أن مناقشتها يجب أن تكون عن طريق لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب.. وطالب صباحي بضرورة أن يجد البرلمان طريقة يحفظ بها سرية هذه الميزانية لأن الجيش له علي الشعب المصري أن يحميه ويحافظ علي أسراره. وثائق ويكيليكس وكان موقع 'ويكيليكس' قد نشر برقيتين تعودان إلي عام 2008 ورد فيهما أن المشير حسين طنطاوي والمؤسسة العسكرية في مصر من أشد المناوئين لسياسة تحرير الاقتصاد والخصخصة لأنها تضعف من سيطرة الدولة وتقلص من دورها، وقالت مارجريت سكوبي السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة: 'يعتبر الجيش المصري أن مساعي الخصخصة التي تقوم بها الحكومة المصرية تشكل تهديداً لمكانته ولذلك يعارض الإصلاحات الإقتصادية'. كان للحديث عن المؤسسة العسكرية في الماضي وضع خاص لما لها من هيبة وتجنبها لوسائل الإعلام بشكل عام إلا في المناسبات مثل الاحتفالات بنصر أكتوبر أو تحرير سيناء، خاصةً أجهزة المخابرات العامة التي لطالما أبهرتنا بقصص عن حكايات وبطولات سجلتها عبر تاريخ إنشائها منذ عام 1952 بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر وحتي الآن، تلك الحكايات التي كانت تدور في إطار من السرية والكتمان التام ولم يتوقع أحد ذات يوم أن الحديث عن الجيش وميزانيته أو المخابرات العامة وما تنفقه سيكون بشكل أو بآخر محل نقاش علي صفحات الجرائد أو علي شاشات الفضائيات، أو حتي تحت قبة البرلمان، وهو الجدل الذي أثارته المطالبات بمناقشة ميزانية المؤسسة العسكرية تحت قبة البرلمان. وبما أن الكثير من المصريين يتعاملون مع جهاز المخابرات العامة المصرية علي أنه جهاز ذو طبيعة خاصة غامضة ليس لدينا أي معلومات عنه سوي أنه جهاز وطني بالدرجة الأولي، فالحديث عنه هنا أمر شديد الصعوبة والخصوصية.. وحول مناقشة ميزانية الجيش في مجلس الشعب وبالتالي ميزانية المخابرات باعتبارها جزءًا من المؤسسة العسكرية يقول اللواء سامح سيف اليزل الخبير العسكري - إن مناقشة ميزانية الجيش يجب أن تكون في الإطار العام فقط كأرقام رئيسية لكن تفصيلاتها ليس هناك ضرورة لمعرفتها ولا يجب النزول إلي شرح تفصيلاتها كاملة بل النزول إليها يكون بدرجة وحدود معينة وأن تناقش مع لجنة منبثقة من لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان وليس اللجنة بكامل أعضائها تكون هي المكلفة ببعض تفصيلات الميزانية كلها.. مشيرًا إلي أن دولاً أخري مثل إسرائيل ومنذ إنشائها قبل 62 عاماً لم يحدث أن نوقشت ميزانية الجيش في الكنيست ولا حتي في مجلس الوزراء ككل ولكن تناقش في مجلس الوزراء المصغر، وبالتالي يري اللواء سيف اليزل أنه لا داعي لأن نتطوع نحن بإعطاء معلومات تفصيلية للدول الأخري تتمني الوصول إليها حول ميزانية الجيش وإنفاقه.. المسألة هنا - كما يراها سامح سيف اليزل هي تفضيل الصالح العام والأمن القومي المصري وحمايته عن أمور أخري لإشباع فضول الرأي العام. كما طالب سيف اليزل بالحفاظ علي جهاز المخابرات العامة حيث إن هناك هجمات مستمرة علي الجهاز واتهامه ب 'اللهو الخفي'، موضحاً أنه جهاز صغير وأعداده بسيطة ويعمل بتجرد شديد وفي ظروف صعبة للغاية ولا يعمل إلا لصالح البلد ومن طبيعته أن يكون غامضاً وأعماله تتسم بالسرية والكتمان والمعرفة علي قدر الحاجة.. وأكد اليزل أنه لا يجوز إخضاع جهاز مخابرات حسني مبارك للمساءلة لأن قادة الجهاز تحاسب أعضاءه محاسبة عسيرة وإنه إذا جاز الخطأ في أي جهاز آخر فلا يجوز الخطأ في هذا الجهاز لأنه سيضر بالدولة.. وأشار اليزل إلي أن جهاز المخابرات العامة يقدم المعلومة للجهات التي تستفيد منها في اتخاذ القرار المناسب لصالح الدولة وعمله مستمر ليوم القيامة لأن الحاجة إلي المعلومة لا تتوقف وهو مهم للغاية في كل قرار سيادي كبير سياسي أو عسكري. المناقشة ليست مشكلة وعن الصراع الدائر الآن حول مناقشة ميزانية الجيش من عدمه يقول اللواء الدكتور زكريا حسين - المدير السابق لأكاديمية ناصر العسكرية وأستاذ العلوم الاستراتيجية بجامعة الإسكندرية - إن هذا الجدل الدائر ليس له معني، فالمسألة أبسط مما يحدث حيث توجد ثلاثة أنواع لميزانية الجيش، الأولي هي الميزانية العامة، فمن البديهي أن تدرج ميزانية الجيش ويعلن عنها ضمن الميزانية العامة للدولة وهو أمر بديهي وليس به ثمة مشكلة، وبطبيعة الحال فميزانيات القوات المسلحة يتم نشرها علي الصفحات الرسمية لتلك المؤسسات وليس فيها سرية. أما الميزانية الثانية - والكلام للدكتور زكريا حسين - المتعلقة بالتسليح فلها ظروف خاصة يعلمها الجميع حيث تعتمد علي الدعم الأمريكي السنوي والذي يقدر ب 1.3 مليار دولار وتتحكم به في نوعية السلاح، والميزانية الثالثة الخاصة بالجيش فهي التي تتعلق بالوسائل الاقتصادية والاستثمارات التي تمتلكها المؤسسة العسكرية داخل الدولة مثل المشروعات الغذائية أو الإسكان وهذه هي التي تثير كل هذا الجدل الدائر اليوم ولابد أن تدخل بالفعل في إطار المحاسبة وأن يشرف عليها الجهاز المركزي للمحاسبات، لكن المشكلة الحالية التي تجد جدالاً ما بين مؤيد لمناقشة الميزانية ومعارض لها فذلك لأنه لا يوجد تحديد حقيقي حول تلك الأشياء المحددة التي ستتم مناقشتها وهو هذا النوع الثالث من الميزانية.. والشيء البديهي المعروف للجميع هو أن ميزانية الجيش تنفق في أمور معروفة وهي أجور ورواتب القوات المسلحة وهي ليست سراً، والتدريبات العسكرية، وهي أيضاً ليست سراً، وقطع الغيار والصيانة وهي أمور جميعها ليست سرية وليس عليها أي قيود، ولا أحد يتصور أن الحديث عن تكلفة رصف طرق أو إنشاء كباري أمور تدخل في إطار السرية.. و عن الجزء الخاص بالمخابرات يقول اللواء دكتور زكريا حسين إن هناك ثلاثة أجهزة للمخابرات لا يجوز الإعلان عن سبل إنفاقها ولا كيفية الانفاق عليها وأن الرقابة عليها يجب أن تكون بمعرفة لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان بالدرجة الأولي فقط، فلا يجب أن يكون هناك إنفاق دون أن تكون هناك جهة رقابية نيابية عليه، والجميع يعلم أن جهاز المخابرات ليس تابعاً بكامله للقوات المسلحة، فالخاص بها فقط هو المخابرات العسكرية، أما جهاز المخابرات العامة وهو الخاص بجمع معلومات للدولة من الخارج وهو تابع لرئاسة الجمهورية مباشرة، وأخيراً جهاز مخابرات داخلية خاص بمباحث أمن الدولة ويتبع لوزارة الداخلية، وكل واحد من هذه الأجهزة له موازنة خاصة وتبعية خاصة به، والدول الكبري مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية تعلن عن الموازنة العامة للدولة ففي عام 2010 مثلاً تقدم أوباما بميزانية الدولة للكونجرس بقيمة 3.8 تريليون دولار، منها 680 مليار دولار من إجمالي هذه الموازنة، منها مثلاً تخصيص 23 مليار دولار لزيادة القوات في أفغانستان.