لم تهدف المعونة الأمريكية إلي تمويل بعض منظمات المجتمع المدني في مصر والمهتمة بحقوق الإنسان فقط بل سعت إلي الدخول والمشاركة في جميع القطاعات الحيوية في مصر وعلي رأس هذه القطاعات 'القطاع الصحي'. فمنذ عام 1102، وضعت هيئة المعونة الأمريكية بالتعاون مع البنك الدولي والاتحاد الأوربي 'مشروع الاصلاح الصحي'. ويقوم هذا المشروع الذي قام بالتصديق علي بنوده الدكتور إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق علي هدف واحد وهو تحويل الخدمات الطبية إلي 'سلعة' تخضع لمبدأ التكلفة وتعمل موردًا للربح وليس التعامل معها علي أنها خدمة وحق من حقوق المواطن والذي جاء تحت بند 'الحق في الصحة'. وهذا الهدف قامت باقتباسه من النظام الأمريكي الصحي التجاري ويهدف إلي فتح الباب أمام القطاع الخاص المصري والأجنبي للاستثمار في الصحة في مصر، والتقليل من دور القطاع الحكومي في تقديم الخدمة بحيث ينفرد كل من القطاع الخاص والأجنبي في تقديم الخدمة بعد فترة محددة. بحيث تصبح جميع المنشآت التي تملكها وزارة الصحة وهيئاتها جاهزة للبيع لكي تشكل مصدرًا إضافيًا لتحقيق الربح. ووضعت المعونة الأمريكية والاتحاد الأوربي مبلغ 072 مليون دولار لتمويل مشروع الإصلاح الصحي واشترط المشاركون في إعداد المشروع أن يقتصر دور الدولة علي رسم السياسات وتحديد معايير الجودة والقيام بالتطعيمات وعلاج الحوادث فقط. كما اشترطوا ان يتم تحويل الرعاية الصحية الأولية إلي صندوق مبني علي مبدأ التوازن المالي بمعني ان تصبح النفقات التي يتحملها المواطن بقدر الخدمة التي يحصل عليها دون دعم من الدولة، أما بالنسبة للرعاية الصحية الاكلينكية الثانوية 'الكارثية' فإنه يتم بموجبها تحويل المستشفيات لتدار علي أساس استعادة التكلفة دون إنفاق من الدولة عليها. وهذه الشروط وضعت لها المعونة عددًا من السنوات حتي يتم تنفيذها حيث كانت تنفذ علي مراحل وهذا بالفعل ما تم تطبيقه بدءًا من الشركة القابضة التي أصدر قرارها أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق والتي بموجبها يتم تحويل هيئة التأمين الصحي إلي شركة ولكن هذا القرار باء بالفشل بعد حكم قضائي من المحكمة الإدراية العليا. ولم تهدأ محاولات اهيئة لمعونة خصخصة القطاع الصحي في مصر بل ساعدها علي ذلك الدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة الأسبق حيث بذل كل الجهود لتنفيذ شروط مشروع الإصلاح الصحي وظهر ذلك في إعداد 'اللائحة الجديدة للمستشفيات' وهذه اللائحة مازالت تطبق في المستشفيات ويعانيها جميع المرضي. وتنص هذه اللائحة علي اقتصار تقديم العلاج المجاني بالمستشفيات علي فترة محددة من التاسعة صباحًا حتي الواحدة ظهرًا أما باقي الوقت فيقسم بين العلاج الاقتصادي الذي حددته في الفترة من الواحدة إلي الثالثة، أما بعد الثالثة فتفتح المستشفيات الحكومية وكأنها عيادات خاصة. ليس هذا فقط بل قام الجبلي بإعداد مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي ونصت بنود هذا المشروع الذي تمت إعادة صياغته مرة أخري بعد قيام الثورة علي ضرورة ان يقوم المرضي بالمساهمة في علاجهم فضلا عن الاشتراك الذي سيقومون بدفعه وتصل هذه المساهمة إلي نسبة الثلث في الأدوية والفحوصات ونسبة تصل إلي الربع للعمليات الجراحية ورسوم المستشفيات. كما نص المشروع علي إعطاء السلطة الإدارية الحق في تقليل الخدمات وزيادة الاشتراكات بقرارات إدارية دون تعديل قانوني أو الرجوع للمنتفعين. هذا القانون تمت إعادة صياغته مرة أخري عقب قيام الثورة وأصدر دكتور اشرف حاتم وزير الصحة الأسبق قرارًا بتشكيل لجنة يترأسها الدكتور عبدالحميد أباظة مساعد وزير الصحة وذلك لإعادة صياغة المشروع وتضم اللجنة خبراء في التأمين الصحي وأساتذة قانون ونقباء سابقين. وكما أشار أباظة فالعائق الوحيد الذي يقف أمام اللجنة هو مشكلة التمويل والتي أدت إلي قيام اللجنة بالتفكير في قيام المنتفعين بالمساهمة في جزء من العلاج بما يتناسب مع الدخل الذي يحصل عليه المنتفع. وفي النهاية وجدت هيئة المعونة ان مشروع الإصلاح الصحي لم يتم تنفيذه كاملاً لذلك قامت بعمل مشروع آخر يقوم علي 'تدريب أطباء وزارة الصحة علي إدارة المستشفيات'. هذا المشروع بدأ منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام وقام بتخريج دفعتين من الأطباء تبلغ أعداد الدفعة الواحدة 081 طبيبًا. ويهدف المشروع كما نصت مسودته إلي سد النقص في المهارات الإدارية والقيادية الموجودة حاليًا في مصر وتنميتها وذلك عن طريق تدريب الأطباء من قيادات وزارة الصحة علي طرق الإدارة والقيادة الصحية الحديثة. وتدريب قيادات وزارة الصحة والذي سيقومون بتطبيقه في المستشفيات يتم بجامعة هارفارد بأمريكا ويحتفل سنويا بتخرج كل دفعة ويحضر احتفال التخرج السفيرة الأمريكية في مصر. وفي آخر تخرج لدفعة الأطباء أكدت السفيرة الامريكية 'اَن باترسون' أن أهم العناصر التي تهتم بها الشراكة المصرية الأمريكية هو العنصر البشري القادر علي الإصلاح وبسبب الشراكة التي جمعت أمريكا ومصر منذ البداية فإن العديد من مظاهر التطوير التي نراها اليوم في مجال الصحة ستستمر علي أيدي المصريين الذين تقوم الولاياتالمتحدةالأمريكية بتدريبهم علي أسس الإدارة الصحية الصحيحة. من جانبه أكد الدكتور محمد حسن خليل المنسق العام لحركة الدفاع عن الحق في الصحة ان هناك العديد من المخططات التي تقودها هيئة المعونة الأمريكية لخصخصة النظام الصحي في مصر وبدأت هذه المخططات بمشروع الإصلاح الصحي ثم قرار رئيس الوزراء الأسبق رقم 637 لسنة 2007 الخاص بإنشاء الشركة القابضة للرعاية الصحية وحدث أيضًا في مشروع قانون التأمين الصحي وخاصة المسودة رقم 8 لسنة 2007 حيث إن هذه المسودة قامت بتحديد حزم علاجية معينة يقوم التأمين الصحي بعلاجها ومنها علاج الكوارث والذي حدده ب 5٪ فقط. وأشار خليل إلي أن ما يروجه البعض في من هيئة التأمين الصحي تواجه عجزًا يقدر بمليار جنيه كلام غير صحيح حيث إن الهيئة تحقق فائضًا من فارق الاشتراكات يصل إلي '831 مليون جنيه'. موضحًا ان ايرادات الهيئة لا تقتصر علي الاشتراكات فقط وإنما هناك مصادر أخري للتمويل لافتًا إلي أن الإيرادات التي تدخل خزانة هيئة التأمين الصحي مباشرة تشتمل علي الاشتراكات وتقدر ب2 مليار جنيه أي ما يمثل 57٪ من إيرادات الهيئة جميعها هذا بالاضافة إلي مساهمات المنتفعين التي وصلت إلي 91 مليون جنيه في السنة وكذلك إيرادات رسوم السجائر ب 824 مليون جنيه. في حين أن المريض يكلف هيئة التأمين الصحي ما يبلغ 143 جنيها فقط. وأوضح خليل أن هناك العديد من المشكلات التي تواجه النظام الصحي في مصر والتي عادة ما تستند إليها المعونة الأمريكية والجهات الأوربية لتنفيذ مخططها في الخصخصة وعلي رأس هذه المشكلات 'التمويل' حيث اقتصر الإنفاق الحكومي علي الصحة في مصر علي 6.4٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي، هذا بالإضافة إلي ضعف الخدمات المقدمة وانخفاض جودتها. واقترح خليل لعلاج النظام الصحي المصري ضرورة ان يضاعف الإنفاق علي الصحة ثلاث مرات لكي يصل إلي المعدل العالمي 51٪ من إجمالي الإنفاق الحكومي.