أحمد أبو زيد: أحلم بكتابة مصحف للأطفال رضا الأنور: مصحف الرقعة إضافة جديدة لفنون الخط العربي أحمد البشلى: خط الرقعة لا يصلح للمصحف لمشكلاته التقنية خضير البورسعيدى: مصحف الرقعة سابقة لم تحدث منذ أيام الرسول مصطفى العمرى: مصحف النسخ أصبح جزءًا من ثقافة المجتمع.. ويصعب تغييره د. عبدالكريم عوض: المصحف لا يكتب بالرقعة.. والقانون يخول لنا ضبط المخالفين مصحف بخط الرقغة للخطاط احمد ابوزيد تصوير ايمن موسى (1) تجربة جديدة أم مغامرة؟!، تساؤل تطرحه الفكرة التى أقدم عليها فنان الخط العربى أحمد محمد أبو زيد، مدرس الخط العربى بمدرسة تحسين الخطوط العربية بمدرسة السعيدية الثانوية العسكرية بالجيزة؛ والذى يكتب مصحفًا بخط الرقعة وليس بالخطوط المتعارف عليها لكتابته، ومن المعروف أن المصحف الذى نتداوله مكتوب بخط النسخ وهو الخط الذى يكتب به منذ عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضى الله عنه، وقد أنجز «أبو زيد» من المصحف الذى غير خط كتابته سبعة أجزاء حتى الآن.. فما قصة هذا المصحف؟ وهل ثمة تجارب سابقة كُتب فيها المصحف بغير خطيْ الكوفى أو النسخ؟ وما رأى الخطاطين فى هذا المشروع من حيث الحفاظ على قواعد خط الرقعة؟ وكيف يمكن التغلب على مشكلة )التشكيل( لا سيما أن خط الرقعة من الوجهة الفنية لا يُشكّل؟ وما السمات التى يتسم بها خط النسخ ليكون الأليق بكتابة المصحف؟ والأهم: هل يوافق الأزهر الشريف على مصحف تمت كتابته بخط الرقعة؟ عن تجربته، يقول الفنان أحمد أبو زيد: وجدتُ أن كل المصاحف على مستوى العالم مكتوبة بخط النسخ بالذات، باستثناء بلاد فارس )إيران( التى كتبت المصحف بالخط الفارسى، وبلاد المغرب التى كُتب فيها المصحف بالخط الكوفى المغربى؛ فقلت: ولماذا لا أنفرد أنا بكتابة مصحف جديد يكون مناسبا للمصريين بالذات، مصحف مصرى خالص؛ لأن غالبية المصريين يكتبون بخط الرقعة، وهو خط سهل وبسيط. وأما عن مشكلة ملاءمة خط الرقعة للرسم العثمانى ومشكلة عدم قابليته للتشكيل فقد قال أبوزيد: التزمت بكتابة المصحف بالرسم العثمانى، وتغلبت على عقبة التشكيل بأننى استثنيت القاعدة أو تجاوزت بعض قواعد الرقعة فى كتابة الحروف وحاولت التغيير فى شكلها دون المساس بالشكل العام لخط الرقعة وقواعده المستقرة المعروفة؛ حتى يتسنى لى وضع التشكيل عليها. وماذا فى مصحفكم غير أنه مكتوب بالرقعة؟ سألنا الفنان أبو زيد فأجاب بأنه كتب لفظ الجلالة )الله( أينما وُجد باللون الأخضر؛ لأنه مريح لعين القارئ وأعصابه، هذا من ناحية الشكل. وأما فلسفة الأخضر من حيث المعنى فلأنه لون ثياب أهل الجنة، حيث يقول الله تعالى عنهم: «ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق» )الكهف: 31( والجنة نفسها خضراء ففى سورة «الرحمن» يصف الله الجنتين بأنهما «مدهامّتان» أى سوداوان من شدة الخضرة. وشكّلت المصحف باللون الأحمر وجعلت صفحات المصحف محاطة بإطار زخرفى بسيط جدا حتى لا يطغى على الخط. وأخيرا سألت الفنان عن الجديد الذى يريد أن يقدمه غير هذا المصحف فقال: أحلم بكتابة مصحف للأطفال، وأريد أن أكتبه بالخط «المودرن» وهو خط غير ملتزم بقاعدة، كما فى مجلات الأطفال «ميكى» و«سمير»؛ لكى أجذب الأطفال إلى قراءته، وأسميه «مصحف الطفل» ولا أرى فى هذا مساسا بقدسية النص القرآنيّ. الخطاطون الآخرون لهم رأيهم فى التجربة المثيرة للجدل، فى البداية يقول الفنان مسعد خضير البورسعيدى، نقيب الخطاطين: لا يجوز نهائيا وغير مقبول من الناحية الفنية والأكاديمية كتابة المصحف بخط الرقعة، فلم يحدث ذلك منذ عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم – ولكنه كُتب بالخط الكوفى، وكانت توضع رموز مكان النقط تسمى «تأشيرة»، وكُتب أيضا بالخط «المحقق» ولكنه خط يضاعف صفحات المصحف ويحتاج إلى متخصص متمكن، أما خط النسخ فهو خط مرن وسهل القراءة ويقبل التشكيل بطبيعته الفنية. وعلى الرغم من ذلك فقد كتب الخطاط مسعد خضير البورسعيدى سورة كاملة بخط الرقعة هى سورة «الفاتحة»، وعندما واجهناه بشبهة التعارض بين رأيه هذا وكتابته هذه السورة بالرقعة؛ فمن يكتب سورة يكتب مصحفا؛ أجاب: صحيح هى سورة كاملة ولكنها مجرد لوحة فقط، ولم أشكلها احتراما لقواعد خط الرقعة. ويثنى الفنان أحمد البشلى على اجتهاد الفنان أحمد أبو زيد، ولكنه يعارض - أيضا - وبشدة كتابة المصحف بخط الرقعة ولا يرى فى ريادة الفنان أحمد أبو زيد فى هذه التجربة شيئا إيجابيا بل ربما يكون العكس هو الصحيح، وكون المصريين يكتبون بخط الرقعة – كما يقول أبو زيد – فالمصحف لا يُكتب للمصريين فقط ولكن للعالم الإسلامى كله. وعن الناحية الفنية يقول البشلى: إن خط الرقعة به العديد من المشكلات التقنية، فالنقطتان تكتبان مثل «الشَرطة» والسين ليس لها سنون والحروف تدمج فى بعضها البعض ويتراكب بعضها فوق بعض، وليس به كشايد )جمع كشيدة وهى المَدّة(، ولا يقبل التشكيل؛ إضافة إلى أن الرقعة خط قصير ولا يحتاج إلى مساحات؛ ولذا فهو أصلح للكتابة العادية الدارجة ولا يصلح للمصحف. وفى العصر الحديث - كما يرى الفنان أحمد البشلى – كتب بعض الخطاطين المصحف بخطوط غير النسخ مثل الفنان محمد محمود إبراهيم سلامة الذى كتب المصحف بخط الثلث، والفنان عثمان التونى الذى كتب المصحف بالخط الديوانى ولكن الأزهر الشريف لم يوافق على أىٍّ منهما. الفنان رضا الأنور، من المؤيدين لتجربة كتابة المصحف الشريف بالخط الرقعة ويقول: بداية أنا لست ضد أى تجربة، أهلا وسهلا بكل من يحاول وكل من يبدع وكل من يحافظ على تراث الخط العربى والتراث الإسلامى من ناحية الزخرفة والتطوير والإضافة مع الالتزام بالحرف والتشكيل والرسم العثمانى والرجوع إلى أئمة الأزهر الشريف. وعلى العكس من المعارضين يعتبر «الأنور» أن التجربة إضافة جديدة وإبداع فى فنون الخط العربى، ويؤكد أن الفنان أحمد أبو زيد التزم بخط الرقعة لتسهيله على القراء والكاتبين من وجهة نظره، ونحن نحترم وجهة نظره كفنان قديم وابن فنان كبير هو الأستاذ محمد أبوزيد؛ وتتلمذ على أيدى أساتذة كبار، وخاض تجارب كثيرة مع النسخ والثلث والديوانى. ولكن الإبداع لا ينبغى أن يكون - أبدا - على حساب القرآن؛ الإبداع هنا مشروط بصحة النص القرآنى وجماله. وأما الفنان مصطفى العمرى فيقول: بداية لا أقلل من جهد الفنان أحمد أبو زيد فى مصحفه وأتمنى له التوفيق.. ولكننى لا أرى خط الرقعة أو الفارسى أو الديوانى مناسبا للمصحف الشريف.. ولا يزال خط النسخ هو الأنسب للمصحف؛ لأن الكشايد الموجودة به تساعد على وضع التشكيل فى مكانه المناسب، فمثلا آية «الحج أشهر معلومات» وخاصة كلمة «الحج» لو كتبت بالرقعة فستأتى حروفها بشكل رأسيّ فأين نضع تشكيل الحاء وأين نضع تشكيل الجيم؟ فخط النسخ يناسب جميع الطبقات وكافة المستويات التعليمية. وعلى سبيل المثال فمصحف عثمان طه المكتوب بالنسخ غير جيد من الناحية الفنية – مقارنة بغيره من الخطاطين الكبار مثل سعد حداد أو الشمرلى أو عبد المتعال – ومع ذلك أصبح مقروءا شعبيا لسهولته ووضوحه. وهناك مشكلة أخرى - حسبما يرى العمرى – وهى أن الفنان أحمد أبوزيد سوف يُضطر، لا محالة، إلى كسر قواعد الرقعة؛ فحروفه قصيرة ولا يتجاوز أطولها ثلاث نقاط، كما أن المسافات بين الحروف قصيرة، وسيلجأ إلى التطويل بما لا تسمح به القاعدة، بعكس خط النسخ الذى يسمح ب«الكشايد»؛ بالإضافة إلى ما فيه من المرونة. وهناك مسألة مهمة هنا وهى أن خط النسخ أصبح معتمدا فى كتابة المصحف منذ زمن بعيد، ويصعب تغييره؛ لأنه رسخ فى وجدان المجتمع، وأصبح جزءًا من ثقافته، ولو كان الرقعة مناسبا لرأينا المصحف مكتوبا به منذ زمن. وكذلك - ولايزال الكلام للعمرى - الخط الديوانى لا أراه مناسبا لكتابة مصحف نظرا لصعوبة قراءته من غير المتعلمين وحتى بعض المتعلمين؛ لأنه كان خاصا بالدواوين الحكومية؛ ولهذا سمى ب«الديوانى». وإذا كان البعض يحتج – كما يرى العمرى – بأن المصحف كتب قديما بالكوفى فالزمن أصبح اليوم مختلفا، وقد كتب المصحف بالكوفى دون نقط أو تشكيل، وهذا لا يلائم زماننا الحاضر؛ وكتب المصحف - كذلك - بالثلث الريحانى والمحقق واستمالة فى العصر المملوكى؛ ولكن كان ذلك فى عصر معين أيضا ولا يصلح لوقتنا هذا. والفيصل فى النهاية - كما يقول العمرى- للجنة المصحف إما تجيزه وإما لا تجيزه؛ وإذا لم تجزه فبإمكان الفنان أحمد أبو زيد أن يحتفظ بمصحفه بوصفه عملا فنيا ويورثه لأسرته من بعده كتراث لا ينبغى التفريط فيه فقد بذل فيه الفنان جهدا كبيرا على مدى سنوات طوال. وهنا كان لا بد من الرجوع إلى مؤسسة الأزهر الشريف باعتباره المسئول عن كل ما يخص شئون المصحف الشريف. ويقول الدكتور عبد الكريم عوض صالح، وكيل كلية القرآن سابقا، ورئيس لجنة المصحف بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف: مؤسسة الأزهر الشريف ممثلة فى مجمع البحوث الإسلامية هى الجهة الوحيدة فى البلاد المنوط بها كل ما يخص المصحف الشريف بحسب القانون 102، سواء فيما يخص القراءات والأداء أو الرسم والخط؛ وبالتالى فلا يصح أن يُترك ذلك للأفراد،وهذا القانون السالف الذكر يخول للأزهر حق الضبطية القانونية لمن يخالف السائد فى كتابة المصحف دون الرجوع إلى الأزهر ولجانه المختصة. أما فيما يتعلق بكتابة المصحف بخط الرقعة فمبدئيا المصحف لا يُكتب بخط الرقعة، وإنما بالنسخ أو بالكوفى؛ وهذا يرجع إلى قواعد هذا الخط مما يعد مخالفا، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالإعجام )أى النقط( فحرف الثاء ثلاث نقاط فى العربية، ولكنها تُكتب فيما يشبه الرقم 8، وهذا فى رأى اللجنة لا يتماشى وقدسية المصحف الشريف. ذلك ولا تنكر اللجنة أن هناك بعض الخطاطين قد كتبوا المصحف بخطوط غير النسخ مثل المصحف بالخط الديوانى الذى كتبه أحد الخطاطين وأهداه إلى أحد الملوك خاصة وليس للتداول العام وهذا شأنهم. أما خط الرقعة فلا يتماشى مع لجان المصحف ولا تقره.. الفنان احمد ابوزيد يتحدث للدكتور صلاح عباده