الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تحقيق استقصائى يكتبه حافظ الشاعر عن : بين "الحصة" والبطالة.. تخبط وزارة التعليم المصرية في ملف تعيين المعلمين    14 شهيدا إثر قصف الاحتلال خيام النازحين في خان يونس    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام توتنهام.. موقف «مرموش»    موعد مباراة الأهلي وغزل المحلة في الدوري والقنوات الناقلة    اليوم.. اجتماع الجمعية العمومية العادية للإسماعيلي لمنافشة الميزانية والحساب الختامي    استئناف مباريات الجولة الأولى بدوري المحترفين    ارتفاع في درجات الحرارة في محافظة كفر الشيخ    بالأسماء.. إصابة 5 أشخاص في تصادم سيارتين بصحراوي قنا    طلاب الثانوية الأزهرية الدور الثانى يؤدون اليوم امتحان التاريخ والفيزياء    السجن المشدد 15 سنة لسباك قتل جاره في الجمالية    حبس سائق بتهمة الاستيلاء على سيارة محملة بحقائب وأموال بالسلام    شيرين عبد الوهاب تكشف حقيقة عودتها لحسام حبيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : إلى أين!?    حملة «100 يوم صحة» تقدّم 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يومًا    جامعة القاهرة تُطلق قافلة تنموية شاملة لمدينة الحوامدية بالجيزة    استشهاد 19 فلسطينيا إثر قصف إسرائيل خيام النازحين بخان يونس ومخيم المغازي    الأمم المتحدة: نصف مليون شخص بغزة محاصرون فى مجاعة    تفاصيل وأسباب تفتيش منزل مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق جون بولتون    وزارة الخارجية الروسية تكشف عدد المواطنين الروس المتبقين في غزة    أمريكا: مقتل خمسة ركاب جراء حادث تحطم حافلة سياحية في نيويورك    3 وفيات ومصاب في حادث تصادم مروّع على طريق أسيوط الزراعي    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    توجيه حكومي جديد لبيع السلع بأسعار مخفضة    «الإفتاء» تستطلع هلال شهر ربيع الأول اليوم    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    أسعار الفراخ اليوم السبت 23-8-2025 فى أسواق محافظة المنوفية    الطماطم ب7 جنيهات والليمون ب15.. أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    وزارة الصحة تقدم 3 نصائح هامة لشراء الألبان    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    القاهرة تسجل 40 مجددا والصعيد يعود إلى "الجحيم"، درجات الحرارة اليوم السبت في مصر    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 23 أغسطس 2025    هل يحق لمكتسبي الجنسية المصرية مباشرة الحقوق السياسية؟ القانون يجيب    سيف الإسلام القذافي يعلن دعمه لتشكيل حكومة جديدة في ليبيا    إنقاذ حياة مريض بعمل شق حنجري بمستشفى الجامعي بالمنوفية    نقيب الفلاحين: تكلفة كيلو اللحم البلدي على الجزار 270 جنيها.. «لو باع ب 300 كسبان»    الجرام يسجل أقل من 3900 جنيها.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    ملف يلا كورة.. خطة انتخابات الأهلي.. رسائل الزمالك.. واعتماد لجنة الحكام    شريف حافظ: الحب هو المعنى في حد ذاته ولا يقبل التفسير... والنجاح مسؤولية يجب أن أكون مستعدًا لها    نوال الزغبي: ضحيت بالفن من أجل حماية أولادي بعد الطلاق    تنسيق دبلوم التجارة 2025.. قائمة الكليات والمعاهد المتاحة لطلاب 3 سنوات «رابط وموعد التسجيل»    عميد تجارة القاهرة الأسبق: الجامعات الحكومية ما زالت الأفضل.. وهذه أسباب تفضيل البعض للخاصة    سهير جودة عن شيرين عبدالوهاب وحسام حبيب: «انفصال وعودة مزمنة.. متى تعود إلينا؟»    فيفي عبده تعلن وفاة الراقصة المعتزلة سهير مجدي    بعثة منتخب مصر للناشئين تؤدي مناسك العمرة عقب مواجهة السعودية    ويجز يغنى الأيام من ألبومه الجديد.. والجمهور يغنى معه بحماس    رسميا.. جامعة الأزهر 2025 تفتتح أول كلية للبنات في مطروح وتعلن عن تخصصات جديدة    التعليم تطلق دورات تدريبية لمعلمي الابتدائي على المناهج المطورة عبر منصة (CPD)    رسميا.. مدرسة صناعة الطائرات تعلن قوائم القبول للعام الدراسي الجديد 2025/ 2026    مدحت صالح يتألق بغناء حبيبى يا عاشق وزى المليونيرات بحفله فى مهرجان القلعة    3 أبراج على موعد مع التفاؤل اليوم: عالم جديد يفتح الباب أمامهم ويتلقون أخبارا مشجعة    مصدر ليلا كورة: كهربا وقع عقدا مع القادسية الكويتي    ارتفاع الكندوز 39 جنيها، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    صحة المنوفية تواصل حملاتها بسرس الليان لضمان خدمات طبية آمنة وذات جودة    هل يجوز شرعًا معاقبة تارك صلاة الجمعة بالسجن؟.. أحمد كريمة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى ذكرى وفاة الاقتصادي المصري الأول"طلعت حرب".. شركات وطنية ومشروعات تخدم المصريين

ولد طلعت حرب في 25 نوفمبر عام 1867 بمنطقة الجمالية بالقاهرة، أنهى دراسته الثانوية بمدرسة التوفيقية ، ثم حصل على شهادة الحقوق من مدرسة الحقوق عام 1889م ، أهتم بالإضافة لدراسة الحقوق بدراسة الأمور الاقتصادية ، وأيضاً الإطلاع على العديد من الكتب في مختلف مجالات المعرفة والعلوم ، وقام بدراسة اللغة الفرنسية حتى أجادها إجادة تامة .
بدأ طلعت حرب حياته العملية مترجماً بقلم القضايا بالدائرة السنية التي كانت تتولى الأراضي الزراعية المملوكة للدولة ، ثم تدرج في المناصب حتى عين مديراً لأقلام القضايا ، عمل بعد ذلك مديرا لشركة كوم امبو و التي كان مجال نشاطها في استصلاح وبيع الأراضي ، ثم مديراً للشركة العقارية المصرية وكانت تعمل في مجال تقسيم و بيع الأراضي و عمل على تمصيرها حتى أصبحت غالبية أسهمها للمصريين .
كان طلعت حرب يتطلع دائماً للعمل الحر فقام بإنشاء " شركة التعاون المالي"، و التي قامت بتقديم العديد من القروض المالية للشركات الصغيرة المتعسرة مادياً .
في عام 1911 قدم طلعت حرب رؤيته الفكرية واجتهاداته النظرية عن كيفية إحداث ثورته الثقافية وذلك من خلال كتابه "علاج مصر الاقتصادي وإنشاء بنك للمصريين" .
وفي عام 1912 قدم طلعت حرب كتابه "قناة السويس" وذلك لتفنيد دعاوي إنجلترا وفرنسا لتمديد عقد احتكار القناة لمدة 40 سنة أخرى بعد ال 99 سنة التي تنتهي في عام 1968 وقد نجحت حملة طلعت في القضاء على هذا المخطط الاستعماري في مهده .
وقد كان طلعت حرب ميالا ( بشكل واع ) للفلاحين والغلابة ويدافع عنهم فعند تصفية الدائرة السنية سعى إلى بيع الأراضي إلى الفلاحين الذين يزرعونها ونجح في ذلك مما يؤكد نزعته الاشتراكية التي لم يسع أبدا إلى قولبتها في قوالب سابقة التجهيز ولكنها كانت اشتراكية تنبع من الأرض المصرية .
بعد أن أعلن طلعت حرب عن فكرته في ضرورة إنشاء بنك للمصريين انعقد المؤتمر الوطني عام 1911 للنظر في مشكلات مصر الإجتماعية وقرر المجتمعون تنفيذ فكرة حرب في إنشاء بنك مصر وقد تعطلت عملية إنشاء البنك بسبب الحرب العالمية الأولى .
وعندما انتهت الحرب دون أن تحصل مصر على استقلالها السياسي انفجرت ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول وأثناء الثورة دعا طلعت حرب أبناء مصر إلى الكفاح ضد سيطرة الأجانب الإقتصادية على المقدرات المصرية ، وتعود فكرة إنشاء بنك مصر وينجح طلعت حرب في إنشاء البنك عام 1920 حيث تم الإحتفال بتأسيسه مساء الجمعة 7 مايو 1920 في دار الأوبراالسلطانية ، وذلك برأس مال 180 ألف جنيه وتم تحديد قيمة السهم بأربعة جنيهات مصرية ، وفي نهاية عامه الأول ارتفع رأس مال البنك إلى 175 ألف جنيه ثم إلى نصف مليون جنيه عام 1925 ، ثم إلى مليون جنيه عام 1932 ، وقد بدأ بنك مصر في ركن متواضع من أوطان شارع الشيخ أبي السباع .
ويعد انشاء بنك مصر في أوائل القرن العشرين بمثابة بداية الاستقلال الاقتصادي لمصر ، كما كانت ثورة 1919 م بداية الاستقلال السياسي .
و أجمل ما في قصة انشاء بنك مصر هي أنها كانت تعبير صادق و جلي عن مدي النضج الفكري الذي وصل إليه الشعب المصري في أوائل القرن العشرين ، فالشعب المصري الذي خرج في ثورة 1919 م لم يكن فقط يتمتع بوعي سياسي كبير ، و إنما كان لديه وعي و فهم لتحرير و تطوير المجالات الأخري الاقتصادية و الفنية و غيرها بدرجة لا تقل عن وعيه السياسي .
هذا الوعي الفكري الشامل للمجتمع المصري تفجر في انجازات كبيرة في كل مناحي الحياة في ذلك الوقت ، الاقتصادية منها مثل بنك مصر ، و الفنية متمثلاً في ظهور السنيما المصرية وانشاء معهد فن السينما ، و التعليمي منها بإقامة صرع التعليم الشامخ الجامعة الأهلية ( جامعة القاهرة ) التي تعد أول جامعة تدرس العلوم المدنية في المنطقة كلها .
وهو وعي لم يقتصر علي طبقة واحدة من الشعب دون غيرها ، مثل الاغنياء مثلاً أو المثقفين ، و إنما شمل كل طبقات الشعب الغني منها و الفقير ، الصغير منها و الكبير .
وقصة إنشاء بنك مصر هي معزوفة وطنية عزفها كل فئات الشعب ، فلانت معها إرادة الحكام ورضخت لها أعنة رؤوس الاحتلال ، ولقد جاء بنك مصر ليسد حاجة ملحة في الاقتصاد المصري باستثمار أموال المودعين داخل مصر وفي مشروعات تخدم الاقتصاد المصري ، بعد أن كانت كل أموال المدخرين المصريين في بنوك الأهلي وكريدي فونسيه وغيره تجد طريقها خارج البلاد لتستثمر في اقتصاديات الدول الأوروبية .
يذكر د. يونان لبيب رزق في كتابه " فؤاد الأول المعلوم و المجهول " عن قصة إنشاء بنك مصر أن فكرة انشاء بنك مصري برأس مال وطني طُرحت علي الرأي العام لأول مرة في جريدة الأهرام في مقال كتبه طالب حقوق مصري اسمه محمد بدوي البيلي في ابريل من عام 1919م ، أي بعد أقل من شهرين من قيام الثورة .
وكانت هذه المقالة هي شرارة بدء حملة صحفية كبيرة شارك فيها الطلبة والكتاب والصحفيين بمقالاتهم وأعمدتهم ، حتي أصبح قيام هذا البنك مطلب شعبي مهم ، ولم يمض علي الحملة شهرين حتي طارت الأخبار إلي الصحف أن بعض رجال الأعمال البشوات والأفندية قد بدأوا بالفعل في تأسيس بنك وطني مصري برأس مال مصري .
وفي 5 أبريل 1920 م ، صدر المرسوم السلطاني من سلطان مصر أحمد فؤاد ، بتأسيس شركة مساهمة تدعي بنك مصر من خمس مساهمين مصريين هم : أحمد مدحت يكن باشا ، يوسف أصلان قطاوي باشا وهو من كبار الأعيان اليهود المصريين ، ومحمد طلعت حرب بك ، وعبد العظيم المصري بك ، وعبد الحميد السيوفي بك ، والطبيب فؤاد سلطان بك ، واسكندر مسيحة افندي ، وعباس بيسوني الخطيب افندي .
و الحقيقة أن سلطة الاحتلال البريطاني لم تحاول منع قيام هذا البنك المصري أو وضع العقبات في طريق انشائه ، علي الرغم أنه قام لينافس البنك الأهلي الذي كان يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادي الانجليزي لمصر .
ويرجع د. يونان لبيب رزق ذلك إلي أن الشارع المصري كان في ذلك الوقت في حالة غليان في اعقاب ثورة 1919م ، فلم تشأ سلطة الاحتلال أن تفجر الوضع مرة أخري مثل ما حدث باعتقال سعد زغلول من قبل ، كما أن الانجليز ربما رأوا أن بنك مصر برأس ماله الصغير وقلة خبرة المصريين في أعمال البنوك لن يستطيع الصمود في المنافسة ، و لن يلبث أن يقع و يغلق أبوابه ، فلا داعي لدخول معركة ضد الرأي العام لا حاجة لها .
وفي 10 مايو 1920م ألقي طلعت حرب خطبة عصماء في دار الأوبرا المصرية بمناسبة بدء أعمال بنك مصر ، و كان أول مقر له في شارع الشيخ أبو السباع ، وبدأت رحلة بنك مصر في تمصير الاقتصاد المصري والقيام بمشروعات اقتصادية تعود بالنفع علي مصر ، أهمها انشاء شركات مصر للسياحة والأقطان و الغزل و النسيج والتمثيل و السينما ، و غيرها .
وقد كان طلعت حرب شخصية شديدة الحيوية والديناميكية ينهض مبكراً ويبدأ العمل في السادسة صباحا ويصدر التعليمات إلى رجاله وظل يعمل لمدة خمس سنوات لمدة 15 ساعة يوميا وبدون مقابل ، وقد استفاد طلعت حرب كثيراً عندما ارتبط في بداية حياته بعلاقة وثيقة مع عمر باشا سلطان مما أكسبه الكثير من الخبرات الإقتصادية والإدارية وفي اتصاله بالحركة الوطنية أيام الخديوي عباس حلمي الثاني ، ولذلك فقد كان ينظر إلى المال كخدمة عامة يساعد في الحفاظ على الثروة الوطنية وتصنيع البلاد ، وقد أكد ذلك في خطبة افتتاح بنك مصر حيث ذهب إلى أنه ليس بنكا تجاريا حيث إن مهمته الأساسية هي إدخال التصنيع إلى مصر وتشجيع التجارة ، وقبل أن ينشئ بنك مصر أنشأ مع صديقه فؤاد الحجازي محلا للبقالة حتى يشجع المصريين على التجارة ورغم انتقادات المحيطين به إلا أن التجربة نجحت وشجعت الكثيرين على خوض مجال التجارة وقد تنازل بعد ذلك عن المحل لبعض المصريين .
وقد كان شعاره الوحيد ( من حسب كسب ) وقد كتب عنه جاك بيرك ( إن ميزته الأولى كانت في إدراكه للقوة الكامنة والإمكانات الهائلة التي لم تستغل بعد عند مواطنيه ) وهذا كلام صادق تماما حيث دأب الإحتلال الإنجليزي على ترويج أن الشعب المصري لايعرف إلا الزراعة وأنه لايجيد الأعمال الإقتصادية أو الصناعية وقد أثبت طلعت حرب فساد وخطأ هذه المقولات ، حيث ساهم بنك مصر في تجميع أموال المصريين التي ادخروها خلال الحرب العالمية الأولى والتي كانت حائرة عاطلة بعد ارتفاع أسعار العقارات .
وقد قام بنك مصر برسالته الوطنية في تنمية الودائع علاوة على أرباحه التي استثمرها في إنشاء أكثر من عشرين شركة مصرية ، ومع تأسيس البنك رفض طلعت حرب رئاسة بنك مصر وترك المنصب لأحمد مدحت باشا يكن ، واكتفى هو بمنصب نائب الرئيس والعضو المنتدب ، وقد استدعى الخبير الألماني فون أنار لوضع النظم الداخلية للبنك ، وفي نفس الوقت أرسل بعثات من شباب مصر إلى إنجلترا وسويسرا وألمانيا للتدريب العملي على العمل المصرفي ، وقد عاد جميع المصريين ليعملوا في بنك مصر ، وسريعا ماانتقل بنك مصر من مقره المتواضع إلى مقره الحالي في شارع محمد فريد ، وسريعا ماانتشرت فروع البنك لتصل إلى 37 وحدة مصرفية في عام 1938، وقد اهتم طلعت حرب بالمظهر الخارجي لمنشآت بنك مصر فجعل جميع مباني البنك ذات نمط معماري واحد . وقد استطاع بنك مصر وشركاته امتصاص جزء كبير من البطالة حيث زادت ودائع البنك مقارنة بكل البنوك الأجنبية العاملة في مصر ، مماأنهى مقولة الإستعمار والتي كانت تردد في ذلك الوقت "المصري لايعرف إلا الإستدانة" حيث استطاع بنك مصر تحفيز الإدخار لدي كل المصريين حتى الأطفال بعد أن وزع البنك حصالات على تلاميذ المدارس الابتدائية ثم يأخذ مافيها ويفتح للأطفال دفاتر توفير بالبنك .
كما كان طلعت حرب يراعي دائما البعد الأخلاقي في معاملاته وتعاملاته ، حيث أصدر قراراً بعدم تمويل بنك مصر لأية مشروعات تسيء إلى الخلق العام ، وكرامة الإنسان ، كما حرص البنك على مساعدة صغار الصناع والحرفيين للصمود أمام سيطرة المنتجات الإنجليزية على السوق المصرية ومنافستها وكما شجع البنك قيام شركات المقاولات المصرية ودعمها ماليا بكسر احتكار الأجانب لهذه المشروعات حيث كان الأجانب يقرضون الفلاحين والجمعيات التعاونية بضمان الأرض فإن عجزوا عن السداد يتم الاستيلاء على الأرض المرهونة ، وقد استطاع طلعت حرب أن يتصدى لهذه السياسة الإستعمارية ليتم الحفاظ على ثروة مصر من الأرض الزراعية ، وقد طلب البنك من الحكومة المصرية إنشاء البنك العقاري المصري ليتولى عمليات الدعم للنشاط الزراعي في جميع أنحاء مصر .
اسهاماته الاقتصادية :

بعد عامين فقط من إنشاء بنك مصر قام طلعت حرب بإنشاء أول مطبعة مصرية برأس مال قدره خمسة آلاف جنيه ، وذلك ليدعم الفكر والأدب ويقوي المقاومة الوطنية حيث كان يؤكد على أهمية أن تكون القراءة في أيدينا وليس في يد الأجنبي ، وبعد إنشاء المطبعة توالت الشركات المصرية التي ينشئها البنك مثل شركة مصر للنقل البري التي قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب والتي ظهرت في فيلم "الوردة البيضاء" للموسيقار محمد عبدالوهاب ، كما قامت الشركة بشراء الشاحنات الكبيرة لنقل البضائع من الموانئ كما أنشأ البنك شركة مصر للنقل النهري ثم شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى واستقدم طلعت حرب خبراء هذه الصناعة من بلجيكا وأرسل بعثات العمال والفنيين للتدريب في الخارج ، كما أقام مصنعا لحلج القطن في بني سويف ، وأنشأ البنك مخازن ( شون ) لجمع القطن في كل محافظات مصر .
وتواصلت عطاءات طلعت حرب فأنشأ شركات مصر للملاحة البحرية ، ومصر لأعمال الإسمنت المسلح ، ومصر للصباغة ، ومصر للمناجم والمحاجر ، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت ، ومصر للمستحضرات الطبية، ومصر للألبان والتغذية ، ومصر للكيمياويات ، ومصر للفنادق ، ومصر للتأمين ، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعات المصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون ، صيدناوي وغيرهم .
وقد سعى طلعت حرب لإنشاء شركة مصرية للطيران إلى أن صدر في 27 مايو 32 مرسوم ملكي بإنشاء شركة مصر للطيران كأول شركة طيران في الشرق الأوسط برأس مال 20 ألف جنيه ، وبعد عشرة أشهر زاد رأس المال إلى 75 ألف جنيه ، وقد بدأت الشركة بطائرتين من طراز دراجون موت ذات المحركين تسع كل منها لثمانية ركاب ، وكان أول خط من القاهرة إلى الاسكندرية ثم مرسى مطروح ، وكان الخط الثاني من القاهرة إلى أسوان ، وفي عام 1934 بدأ أول خط خارجي للشركة من القاهرة إلى القدس .
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه طلعت حرب من خلال بنك مصر والإنجازات الاقتصادية الهائلة التي تم تحقيقها ، إلا أن البنك تعرض لأزمة مالية كبيرة ، كان الاحتلال البريطاني ورائها ، حيث تسارع آلاف المودعين بسحب أموالهم من البنك ومما زاد الأزمة سحب صندوق توفير البريد لكل ودائعه من بنك مصر ، ورفض البنك الأهلي أن يقرضه بضمان محفظة الأوراق المالية ، و عندما ذهب طلعت حرب إلى وزير المالية حينذاك حسين سري باشا لحل هذه المشكلة ، كان الشرط الوحيد الذي قدمه الوزير لحل أزمة البنك هو تقديم طلعت حرب لاستقالته .
وبالفعل قدم طلعت حرب استقالته للمحافظة على البنك هذا الإنجاز العظيم الذي قام بتقديمه للمصريين ، والذي أستمر إلى يومنا هذا يقدم خدماته إلى المواطن المصري ورمزاً وتخليداً لذكرى واحد من أبرز الاقتصاديين الذين عرفتهم مصر ، ومن أقواله الشهيرة في هذا الموقف هو " فليذهب طلعت حرب و ليبق بنك مصر" .
كان طلعت حرب يؤمن بأن تجديد الإقتصاد في مصر في بلد زراعي متخلف لن يتم إلا إذا ازدهرت الثقافة واستنارت العقول بالأفكار الجديدة والثقافة الرفيعة ، وكان يؤمن أيضا بأن الثقافة استثمار كبير ، وإيمانا منه بضرورة تدعيم الثقافة والفنون ونشر الوعي قام بتأسيس شركة مصر للتمثيل والسينما "أستديو مصر" لإنتاج أفلام مصرية لفنانين مصريين مثل أم كلثوم ، عبدالوهاب وغيرهما ، وقد أنتج أستوديو مصر فيلما قصيرا لمدة عشر دقائق للإعلان عن المنتجات المصرية ، كما أنتج نشرة أخبار أسبوعية عن الأحداث في مصر يتم عرضها في دور العرض قبل بداية أي فيلم ، وقام أستوديو مصر بإرسال البعثات الفنية من المصريين إلى أوروبا لتعلم فنون التصوير والإخراج والديكور والمكياج فسافر أحمد بدرخان - موريس كساب (إخراج) ، حسن مراد - محمد عبد العظيم (تصوير) - مصطفى والى (صوت) ، ولي الدين سامح (ديكور) ، نيازي مصطفى (مونتاج) ، وتم تعيين الفنان أحمد سالم مديراً لاستوديو مصر .
وقد أكد طلعت حرب على أهمية السينما وخطورة دورها عندما قال "إننا نعمل بقوة اعتقادية وهي أن السينما صرح عصري للتعليم لاغنى لمصر عن استخدامه في إرشاد سواد الناس" .
و قد أنشىء على يده ستوديو مصر للانتاج السينمائي فتعتبر نشأة السينما المصرية على يده .
توفى طلعت حرب في 21 أغسطس عام 1941م ، بعد أن حقق للشعب المصري نهضة اقتصادية ، وأثبت للعالم أجمع قدرة الإنسان المصري والعربي على إدارة أعماله بمفرده دون الحاجة للوصاية الأجنبية عليه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.