قليلون من يحظون بمحبة على هذا النحو، كلمات رثاء أسامة عفيفى التى ذرفتها الأقلام كانت ألما حقيقيًا لقلوب أحبت ومشاعر صادقة لمن رأوه معلمًا أو صديقًا أو علامة بارزة من علامات الصحافة الثقافية والشعر والنقد، لم يكن رثاؤهم لعفيفى تعبيرًا استثنائيًا عن حزن طارئ وليد الخبر الحزين، بقدر ماكان عن يقين بقيمة ما فقدنا، لم يتوقف الدعاء له فى محنة المرض الأخير، لم يمت الأمل فى أن يستعيد عافيته حتى دخل غيبوبته الأخيرة التى أسلم بعدها الروح، ذهب العروبى عاشق اللوحة المفتش عن تلك الأنامل الذهبية التى تعزف الفن على خيوط القطن بألوان شعبية، المفتون بجدارية الحرية فى ساحة التحرير بالعراق للفنان جواد سليم، وبحلقة ذكر محمود سعيد، وبطرقات جمال السجينى ومحمد رزق على النحاس، وبروعة أزميل محمود مختار الذى أبدع لنا تمثال نهضة مصر، هو فنان وباعث للفن، مفتش عن أسراره، الأمكنة والأزمنة جزء من تكوينه الروحى، ذلك النيل وهذا النخيل، وفرن الكنافة القديم، ورائحة زمن وفن جميل، حتى وداعه الأخير على صفحته على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، كان تمامًا كوجهه الصلب الذى قد يبدو للكثيرين عنيدًا يحمل ملامح قديمة محفور عليها تاريخ وطن، ففى قمة محنة المرض كتب ليطمئن الجميع أنه بخير، قاوم الألم بنشر أشعار من دفتر شذراته، ترك لنا ما أحب وكأنه يعلن عشقه للون والحياة والشعر فى توقيعه النهائى فى دفتر يومياته، صورة للوحة مفقودة لراهبة للفنان أحمد صبرى، كتب تحتها أحب هذه اللوحة، وصورة قديمة للنيل والهرم والنخيل وفلاحات يملأن الجرار، وجزء من قصيدة بعنوان حنين قال فيها: لأننا خلقنا من نفس قطعة الطين وافترقت بنا الدروب عبر آلاف السنين قالت كفك حين التقينا لم تحملنا كل هذا الحنين؟! كان الكاتب الكبير فد أصيب بأزمة صحية دخل على إثرها مستشفى التطبيقيين ثم دخل فى غيبوبة امتدت لثمانية أيام وهو ما دفع محبيه إلى طلب الدعاء له من الجميع ومنهم الدكتور أحمد مجاهد والقاصة والإعلامية سعاد سليمان والكاتب الصحفى سيد محمود وغيرهم من محبيه لكن المنية وافته حيث تمت مواراته الثرى أمس الأحد، بعد رحلة طويلة فى عالم الصحافة بدأها منذ عام 1979 وتمكن خلالها من التأكيد على موهبته ومهنيته وكان أحد الرافضين والمقاومين الأشداء للتطبيع الثقافى وهى قضيته الكبرى رافضًا كل شكل من أشكال الاتصال بالكيان الصهيونى. وكان محاربًا صلبًا لكل أوجه الفساد فى الحياة الثقافية وعمل أسامة عفيفى رئيسا للقسم الثقافى فى بدايات الأسبوع كما كان أحد كتاب المقال بها وبعد مشوار حافل فى عالم الصحافة رأس تحرير مجلة المجلة التى تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وكان شاعرًا موهوبًا شارك فى عدد من الأمسيات الشعرية ومنها امسيات مقرونة بمعارض للفن التشكيلى الذى كان من العاشقين لمبدعيه وقد ساهم عفيفى فى كتابة ابداعية فى «الكتالوج» الخاص بأحد معارض الفنان التشكيلى الدكتور احمد نوار عن حرب أكتوبر والذى قدم خلاله مجسمات فنية، فكان ماكتبه عفيفى فى تقديمه وشرحه لهذا المعرض بمثابة إبداع مواز ورؤية تكميلية خاصة، وقد اثر عفيفى فى جيل كامل من الصحفيين المتخصصين فى الثقافة حتى أن بعضهم ممن لم يعمل معه كان يعتبره قدوة ورمزًا للصحفى النزيه الذى يملك ذلك الشغف بمهنته ويخلص لها ويبدع من خلالها.. رحم الله الإنسان الكبير والشاعر المهموم والصحفى المحترف المخلص أسامة عفيفى.