أعلنت لجنة تقصي الحقائق المكلفة بملف التمويل الأجنبي أنها تحفظت علي حسابات '63' مؤسسة متهمة بتلقي أموالٍ أجنبية، وأنها ستتقدم بنتائج التحقيق إلي النيابة قريبًا، ولقد أدهشني أن الرقم هو '63' مؤسسة فقط، لأن الجميع يعرف أن المئات من ' شركات المجتمع المدني ' الموجودة حاليًا تتلقي تمويلاً عربيا وأجنبيًا لا يخضع لأي جهة رسمية، بل إن هناك '28' مؤسسة ثقافية وفنية تسمي نفسها ب'المستقلة ' تتلقي تمويلاً ضخمًا منذ سنوات طويلة لنشر ما يسمي بثقافة العولمة وثقافة السلام .. وزادت تمويلاتها بعد الثورة من مؤسسات أمريكية وأوربية ك'فورد فونديشن وأوبن سوسيتي وال'إف.إف.إيه . آي ' وأنا ليندا ' وغيرها من المؤسسات الداعية إلي ما يسمي بالفكر العالمي الجديد الذي يستهدف محو الهويات لصالح الشركات متعددة الجنسيات هذا فضلاً عن الأموال الضخمة ' مجهولة المصدر ' التي تمول نشاط الأحزاب السلفية والإخوان والتي ينفق منها علي الدعاية الانتخابية ' الرهيبة ' وافتتاح المقرات الضخمة في مدن مصر كافة، وفي أساطيل الأتوبيسات المكيفة التي تحشد أعضاءها لحضور ' المليونيات ' التي ' تروق ' لهم !!! فأين لجنة تقصي الحقائق من هذه المليارات الموزعة علي أنصار ثقافة العولمة وأنصار الثقافة السلفية؟ .. ومن الذي يدفع لاتجاهات التطرف المسيحية المناهضة لدور الكنيسة الوطنية المصرية الداعية لرأب الصدع ورفض الفتنة الطائفية؟ .. المجتمع يحتاج ياسادة إلي إجابات شافية شفافة من الأطراف كلها .. من الحكومة ' المرتعشة ' ومن المؤسسات والأحزاب الممولة التي عليها أن تعلن بشفافية عن مصادر أموالها .. فهل يعلنون؟ ! .. أتمني !! سألتني لماذا لم تكتب عن جريمة ' ستر ' تمثال الأشرعة المنطلقة بالإسكندرية من قبل بعض السلفيين بدعوي أنه تمثال ' إباحي'؟ ! ابتسمت وقلت لها ما حدث مجرد عمل ' طفولي ' ومجرد فقاعة أو هو استعراض عضلات بائس من تيار كان محبوسًا في قمقم النظام وخرج فجأة إلي ' النور ' ، وعلي المثقف الحقيقي ألا يلتفت إلي هذه الفقاعات التي سيبتلعها موج التغيير القادم، ليتفرغ إلي دوره في بناء ' ثقافة العقل ' التي حاربها النظام السابق وجند مثقفي حظيرته الرسمية لمحاربة خصومه من السلفيين متناسين دورهم الحقيقي في بناء ' المعرفة والعقل ' .. وللأسف مازال بعض رموز هذه الحظيرة يمارسون الدور نفسه مرتدين أقنعة الثورة !! المثقف يا سيدتي بعد الثورة عليه أن يقوم بدوره الحقيقي في تأسيس ثقافة العقل الوطنية لا أن يتحول إلي مجرد رد فعل لأي اتجاه، ولا ينبغي له أن يشارك في مصارعة الديوك الثقافية التي تدمر الحوارالعقلاني بين أطراف الثقافة المصرية بمختلف أطيافها سواء كانت تقليدية أو سلفية أو تقدمية فكلنا أبناء هذا الوطن الذي لا يقبل الإقصاء .. علي المثقف أن يفعل لا أن ينفعل أو يكون مجرد رد فعل !! لا أخشي الفوضي، ولا الانفلات الأمني، كما لا يزعجني انتشار الأفكار السلفية ' إسلاميًا أو مسيحيًا ' ولا أخاف علي المستقبل من الفلول، أيضًا لا يزعجني انتشار الفوضوية الفكرية عند بعض قطاعات التيارات التقدمية أو الليبرالية، ولا انتهازية الأحزاب التي خرجت من رحم النظام السابق ولست منزعجًا من بطء إيقاع الحكومة ' الوطنية ' المشلولة أو ركاكة أداء المجلس العسكري الذي أثق في وطنيته وحسن نواياه .. لا أخشي ذلك كله، لأن ما يحدث هو الأمر الطبيعي بعد الثورات .. ولأن النظام السابق كان قد صادر بغباء غاشم الحراك الاجتماعي لمدة 04 عامًا فكان من الطبيعي أن تنفجر المتناقضات كلها بعد 52 يناير وتتفاعل وتتناحر وتتضارب وهو الأمر الطبيعي كما أسلفت لأي مجتمع في مرحلة التحول الثوري حيث يتصادم القديم بالجديد لينتج مجتمعًا أكثر تماسكًا وأكثر إنسانية، فدائمًا ما يكون المخاض الجميل مؤلمًا وسيولد المجتمع الجديد عفيًا وجميلاً .. هذا ما يقوله تاريخ مصرالعريق .