تحاصر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مشاكل داخلية وخارجية أثارتها عدة قرارات وعد باتخاذها أثناء حملته الانتخابية وقام بتنفيذها بعد مجيئه للبيت الأبيض كوعود انتخابية يهدد الكثير منها الريادة الأمريكية فى العالم، وكان آخرها إعلان ترامب انسحاب الولاياتالمتحدة من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ الموقعة عام 2015 لينفذ بذلك وعدًا رئيسًا قطعه على نفسه أثناء حملته الانتخابية، حيث وصف الاتفاقية أنها تضع أعباء مالية واقتصادية ضخمة على بلاده، مشيرًا إلى أن بلاده ستبدأ مفاوضات إما للعودة للاتفاقية أو الدخول فى اتفاق جديد بشروط عادلة للولايات المتحدة وشركائها دعمًا لها ولشعبها ولدافعى الضرائب. وبهذا القرار تخرج واشنطن من اتفاقية ضمت 195 دولة للتصدى لمشكلة واحدة من أهم مشكلات القرن الحادى والعشرين تهدد حياة الملايين من سكان العالم ألا وهى مشكلة التغير المناخى ويرى معظم المراقبين أن الولاياتالمتحدة تخلت بتلك الخطوة عن الريادة العالمية وسلمتها لدول الاتحاد الأوربى بعدما أخذت الولاياتالمتحدة زمام المبادرة للخروج بتلك الاتفاقية أثناء رئاسة باراك أوباما الذى كان له دور رئيسى فى إبرامها. وأغضبت تلك الخطوة الدول الأعضاء فى الاتفاقية، وندد رئيس المفوضية الأوربية جان كلود يونكر بقرار الرئيس الأمريكى الانسحاب من اتفاق باريس حول المناخ وكتب فى تغريدة له «قرار خاطئ إلى حد خطير». وعلق الرئيس الفرنسى مانويل ماكرون على قرار ترامب بأنه «خطأ فى حق شعبه وبحق كوكب الأرض». ووصفت الحكومة البلجيكية القرار الأمريكى بأنه «غير مسئول»، وقال رئيس الوزراء البلجيكى فى بيان إن «قرار الولاياتالمتحدة يجب ألا يكبح تعبئتنا من أجل مكافحة الاحتباس الحرارى وعلينا أن نضاعف الجهود لتجدد القوى الكبرى تأكيد التزاماتها». ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الخطوة الأمريكية ب«المؤسفة». وأصدر قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا بيانًا مشتركًا يرفض التفاوض على الاتفاقية من جديد، كما يطالب ترامب، حيث قال البيان «نرى أن الزخم الذى ولدته اتفاقية باريس فى ديسمبر 2015 لا يمكن التراجع عنه ونعتقد بثبات أنه لا يمكن اعادة التفاوض على اتفاقية باريس لأنها أداة حيوية لكوكبنا ومجتمعاتنا واقتصاداتنا». كما عبرت كندا عن خيبتها الشديدة لقرار الرئيس ترامب، كما أعربت رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماى عن «خيبة أملها» من هذا القرار. وتنص الاتفاقية على أن تلتزم جميع الدول تقريبا بمحاربة تغير المناخ عن طريق خطوات تستهدف الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحرارى مثل ثانى أكسيد الكربون الناتج من احتراق الوقود وتعتبر الولاياتالمتحدة ثانى أكبر مصدر لإنبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون بعد الصين. وفى الداخل الأمريكى كان هناك تحد واضح لقرار ترامب للانسحاب من اتفاقية تغير المناخ، حيث أعلن نواب المدن والولايات والشركات الأمريكية أنهم ملتزمون بخطة الأممالمتحدة وتعهدوا بتنفيذ ما نص عليه اتفاق باريس لخفض الإشعاعات الغازية. وتسعى تلك المجموعة التى لم تسم نفسها وتشتمل على 30 عمدة وثلاثة محافظين وأكثر من 80 رئيس جامعة و100 شركة أمريكية تسعى للتفاوض مع الأممالمتحدة لتقبل التعامل معها لتنفيذ ما نص عليه اتفاق باريس ومن أبرز عمداء المدن عمدة مدينة لوس أنجلوس ومحافظ ولاية أطلنطا وعمدة مدينة بحيرة الملح أو )سولت لاك( وحوالى 82 رئيس ومستشار جامعة أمريكية. وبتلك الخطوة أجج ترامب الرأى العام العالمى والمحلى ضده، حيث يعتبر قرار ترامب الانسحاب من اتفاقية تغير المناخ مشكلة أخرى أضيفت إلى مشكلات يواجهها بالداخل الأمريكى والتى كان آخرها الجدل المثار بعد إقالته لرئيس المباحث الفيدرالية ال«إف بى» جيمس كومى الذى كان يحقق فى التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالحه بشكل مفاجئ. وما أعقبه من جدل وسجال أثاره ترامب حينما غرد على حسابه بتويتر يشير إلى أن كومى ربما يكون لديه شرائط مسجلة له تدينه. لتنخفض شعبيته ليكون أقل رؤساء أمريكا شعبية بعد أول مائة يوم من رئاسته والتى وصلت إلى 24٪. وبرغم من استجابة حلف الناتو لطلب ترامب للانضمام إلى التحالف ضد داعش إلا أنه عاد وهاجم أعضاء الحلف ووبخهم مرة أخرى، ففى تصريحات مفاجئة مع اصطفاف زعماء الحلف بجواره قال ترامب «إن بعض الدول الاعضاء تدين بأموال طائلة للولايات المتحدة والحلف» مضيفًا إن «3 من الدول الاعضاء الثمانى والعشرين لا تدفع إلى الان ما ينبغى عليها دفعه مقابل دفاعها وهذا ليس انصافا لدافعى الضرائب الامريكيين والكثير من هذه الدول عليها مبالغ ضخمة من المال من السنوات الماضية» وهو أمر انعكس على تعبيرات وجوه الزعماء الذين كانوا بجواره إذ بدا أمين الحلف العام ينس ستولتنبرغ متضايقًا، ما انعكس بوضوح على وجهه. وبدا كذلك أن الرئيس الفرنسى ايمانويا ماكرون ورئيسى وزراء بلجيكا شارل ميشيل ولوكسمبورج كزافيه بيتل متأثرين بشكل خاص بسبب تصريحات ترامب وانخرطوا فى الحديث بينهم ليتبادلوا انطباعاتهم فيما واصل ترامب حديثه. ووصفت مصادر دبلوماسية تصريحات الرئيس الأمريكى بأنها جاءت فى وقت ومكان غير مناسبين، ووضعت الجميع فى موقف محرج ودفعت بالزعماء إلى المحاولة للحفاظ على ماء الوجه. وزادت حدة التوتر مع كوريا الشماليةوالصينوروسيا، بعد اعتلاء ترامب المكتب البيضاوى فعقب نشر الولاياتالمتحدة درعًا صاروخيًا بكوريا الجنوبية والتى تعتبره جارتها الشمالية تهديدًا لأمنها انطلقت بوينج يانج إلى تطوير أنظمتها الصاروخية الباليستية العابرة للقارات وبالتزامن مع ذلك يقوم الناتو بإيعاز من واشنطن بزيادة وجوده العسكرى فى بولندا ودول البلطيق و قامت الولاياتالمتحدة بالفعل بنشر أول نظام دفاعى صاروخى فى قاعدة أمريكية )ديفيسلو( برومانيا مع احتمال انضمام اليابان أيضًا إلى منظومة الدرع الصاروخى الأمريكى فى المستقبل القريب وذلك لمحاصرة روسياوكوريا الشمالية. وأدانت موسكو التحركات الأمريكية الاخيرة التى تراها تحديًا واضحًا لها وأنها لن تتركها دون رد، حيث صرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على هامش المنتدى الاقتصادى الاخير فى بطرسبرج «إن تلك القضية تعتبر مصدر قلق كبيرًا بالنسبة لنا فهذا يخل بالميزان الاستراتيجى فى العالم»، مضيفًا «لكن العالم صامت ولا أحد يتكلم»، مؤكدًا «أنهم لديهم عناصر من نظامهم إيه بى إم فى ألاسكا والان بكوريا الجنوبية.. فهل ننتظر إلى أن نصل لهذا اليأس فى شرق أوربا، بالطبع لا نحن بصدد الرد على هذا التحدى». كما انضمت الصين إلى روسيا لتعلن عن رفضها لفكرة انضمام كوريا الجنوبية واليابان إلى منظومة الدفاع الصاروخى الأمريكى. ويشير مراقبون عسكريون إلى أن موسكو سترد على التحركات الأمريكية الأخيرة بزيادة الإنفاق على تطوير الجيل الثانى من تكنولوجيا الأسلحة المتطورة قبل عام 2030. ويرى متابعون أن روسيا ربما ترد على واشنطن بزيادة تأثيرها فى منطقة الشرق الاوسط ووقوفها بجانب ايران وتوغلها أكثر فى سوريا. أو ربما ينتهى الأمر بتحالف روسى كورى شمالى وصينى ضد حلف الناتو وأمريكا إذا احتدم التوتر وبدأت احتكاكات عسكرية بين تلك الدول لينتهى بحرب عالمية ثالثة تكون فيها نهاية أمريكا على يد ترامب. إذا لم يثور الشعب الأمريكى ضد قراراته، أو تتخلص منه المخابرات الأمريكية التى يعانى من الصراع معها.