الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد المولود بقرية بني قريش بمحافظة الشرقية عام 1944 بدأ رحلته الإبداعية في ستينات وسبعينات القرن الماضي ببعض المسلسلات الإذاعية الشهيرة والتي ما يزال صداها باقيا في الذاكرة المصرية في وقت خلت فيه الكثير من القرى والنجوع المصرية من الكهرباء وكان الراديو هو الوسيلة الثقافية والفنية والترفيهية الوحيدة لإمتاع الجماهير ومعرفتهم بأخبار العباد والبلاد وأهلة الشهور العربية والأعياد الدينية والمناسبات الوطنية, ولهذا فقد كانوا يتجمعون أمام الحوانيت والمقاهي الساعة الخامسة والربع مساءا لسماع مسلسلاته التي تحولت إلى أعمال سينمائية فيما بعد ومنها الفتى الذي عاد ، طائر الليل الحزين ،كل هذا الحب ، الإنسان يعيش مرة واحدة وغيرها من الأعمال التي حققت نجاحا كبيرا وكانت لصيقة بالواقع الاجتماعي المصري ومعبرة عن العادات والتقاليد والقيم الأصيلة التي تأثر بها الكاتب بالريف المصري حتى مست القلوب وحركت العقول وبعدها امتدت أعماله الناجحة إلى الدراما التليفزيونية والسينمائية والمسرحية ومن أهمها الغول والراقصة والسياسي ثم أنا وأنت وساعة السفر وأحلام الفتى الطائر ومسرحيا في آه يا بلد وجحا يحكم المدينة، ومن أهم ما يميز الكاتب في مشواره الفني أنه بدأ يميل في كثير من الأعمال إلى دراما الإسقاط السياسي والديني عندما تعرض بوعي نقدي وحث أدبي واجتماعي كبير لقضايا هامة في وطنه ومنها التعرض بالنقد اللاذع والكوميدي أحيانا لأنظمة الحكم وأيضا إلى مواجهة تيارات الإسلام السياسي وخطورتها على مصر عبر تاريخها الطويل فجاء عالما ومنبها من خلال أعماله الإبداعية السابقة لعصرها لخطورة تلك الجماعات على مستقبل مصر من الناحية السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية بل وعلى الهوية المصرية كافة ، فتعرض مبكرا لظاهرة تنامي ظاهرة الإرهاب وفي غيبة من الدولة والنظام وتجاهل معظم أبناء الشعب ومدى إحساسهم بخطورة وانتشار تلك الظاهرة وبخاصة في الريف المصري وتنامي ظاهرة العشوائيات بسبب الفقر والعوز والإهمال الذي كان يعاني منه أبناء تلك المناطق وإهمال الدولة لهم طوال السنوات الأخيرة فأصبحوا صيدا ثمينا وسهلا للانتماء للجماعات الدينية التي كانت تتلاعب وتتسلل إلى قلوب وعقول هؤلاء من خلال الدين والوطن والتقرب إلى المواطنين عن طريق المؤسسات الاجتماعية والمشاريع الخيرية ، سعيا من تلك الجماعات للسيطرة على نظام الحكم يوما وعلى كل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الأزهر الشريف . وقد تعرضنا في موضوع سابق بالعرض والتحليل لكتاب سياسي هام للكاتب حول ظاهرة تنامي الإرهاب وخطورته على المجتمع بعنوان " استيقظوا أو موتوا " وأشرنا ضمنا بأننا سنتعرض في مقال لاحق للتنويه عن تجربته الإبداعية الطويلة وبخاصة أعماله التي تتعرض لقضية الإرهاب والجماعات الدينية فنراه وقد بدأ مبكرا في تقديمه لتلك الأعمال ومنها مسلسل العائلة في أواخر تسعينات القرن الماضي ثم فيلم طيور الظلام عام 1995 ثم فيلم الإرهاب والكباب ومسجل خطر و فيلم دم الغزال ومؤخرا الجزء الأول من مسلسل الجماعة الشهير . لقد تأخرت كثيرا السينما المصرية في التعرض لظاهرة الإرهاب ولم تنتبه لها إلا مؤخرا وتم إغفالها في عهد الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات عندما اتجهت لموضوعات اجتماعية وعاطفية وقضايا الفساد ومراكز القوى في عهد عبد الناصر ، ثم إظهار قيادات الجماعات الدينية في بعض الأفلام باعتبارهم مستضعفين ومعذبون في السجون في حقبة مبارك الأولى قبل تنامي التطرف وظاهرة الإرهاب الأسود الذي ضرب مصر في تسعينات القرن الماضي ، وكان الكاتب وحيد حامد مع قلة قليلة من الكتاب والمخرجين أول من تعرضوا وكشفوا النقاب عن خطورة وتنامي الخلايا الإرهابية وأفكارهم المتشددة في الدين تجاه تكفير الدولة وعن حلالهم وحرامهم وعن تخويفهم للناس من عذاب القبر ونعيمه وعظة الموت وغيرها من المواضيع والقضايا التي تشكل خطورة على الدين والدولة بل وعلى الأمن القومي المصري وقبل أن تظهر نبوءاته وتتحقق مخاوفه كما تحققت الآن من خطورة تلك التنظيمات ففي فيلم كشف المستور للكاتب من أخراج عاطف الطيب تعرض فيه لخطورة ظهور الجماعات الإسلامية وأسلوبها في جمع التبرعات ثم قيامها بشراء السلاح من عصابات دولية تتعامل مع تلك الجماعات، وبعدها تعاقبت أعماله الإبداعية ومنها مسلسل العائلة بالتليفزيون المصري لينفذ إلى قلوب المصريين عندما كشف الكاتب عن خطورة الجماعات المتطرفة وحذر الشباب من خلال هذا العمل من خطورة الإرهاب وجهل أفكاره المبنية على الباطل والحاقدة على قيم المجتمع ومؤسساته ، فجسد الوعي والثقافة والاعتدال الديني والمعرفة في شخصية بطل المسلسل شخصية الناظر الذي أداها الممثل القدير محمود مرسي وهو يدير حواراته الثاقبة والعارفة بأمور الدين والحياة مع شباب الحي مما كان له بالغ الأثر في التأثير على عقول الكثير من شباب مصر في تلك الفترة وأدى إلى عزوفهم عن الانضمام والاقتناع بتلك الجماعة بالواقع المصري في حينه ، وفي فيلمه طيور الظلام الذي أنتجه عام 1995 تعرض فيه للصراع الدائر بين الدولة والجماعات المتطرفة من خلال ثلاثة أصدقاء يجسد كل منهم واقع معين في ذاته بالفيلم ، وفي فيلم دم الغزال سلط الضوء على مظاهر الدماء الناتجة عن التطرف منطلقا من حي إمبابة الشهير فترة التسعينات الذي اختاره الكاتب لتدور فيه أحداث الفيلم ليكون نموذجا يعمم و ينطبق على ما يقع من أحداث مشابهة في الكثير من الأحياء الفقيرة والعشوائيات ، فتمكن من خلال بطل الفيلم ريشة الطبال الذي ينضم إلى الجماعة الإسلامية بعد شعوره كأحد فقراء الحي بالإذلال والانكسار والتهميش حتى يتحول إلى شخصية حاقدة وناقمة ومنتقمة من المجتمع الذي يعيش فيه فيصبح ذئبا شرسا لا تستطيع السلطة مجابهته فيفرض سطوته على أبناء الحي بعد أن اختارته الجماعة أميرا لها فيقيم الحدود ويحلل ويحرم ويقطع الأيادي كما حدث في أصعب لحظات الفيلم عندما يقتص من صديقه الذي كان قد سبق وأهان كرامته، وفي مسلسل الجماعة الشهير الذي عرضه التليفزيون في رمضان عام 2010 وقبل ثورة يناير كان الكاتب سباقا بوعيه الفكري والفني وفهمه الكبير للواقع وإحساسه بخطورة اقتراب لحظة انتصار الجماعات الدينية وانقضاضها على السلطة فتعرض بوعي كبير عن طريق الفلاش باك لتتبع الظاهرة التاريخية للجماعة وقياداتها وتمكن من كشف زيف ومستور تلك الجماعة وأنزلها من عليائها وأبعد القداسة والبطولة الهلامية لقيادتها عندما طرحها وطرح أفكارها أمام الرأي العام وكشف أبعادها أمام الطبقات الشعبية وتورطها في الكثير من الأحداث التاريخية والمأساوية في المجتمع ومفاهيمهم التكفيرية للإسلام حتى أدخل العمل في جدل داخل أوساط الرأي العام بل وجدل بين الجماعة نفسها وبينها وبين الجماعات التي تنتمي إليها وزرع الشك في شباب تلك الجماعة عندما دعاهم من خلال وقائع عمله لمراجعة أنفسهم وموقفهم من تلك الجماعة وهو ما لم يحدث في أي عمل من قبل وهو ما رآه الإخوان هجوما لم يسبق أن تعرضت له طوال تاريخها ولهذا فقد شككوا في عمله وأباحوا دمه واتهموه بالعمل لصالح النظام في حينه ورغم ذلك يواصل الكاتب التمسك بتوصيل رؤيته التي أثبتت الأيام والأحداث صدقها ولهذا نراه يستعد هذه الأيام لاستكمال عرضه للجزء الثاني من مسلسل الجماعة الذي يبدو أنه سيقوم بربطه بالأحداث الدموية والعنف والتكفير النابع من أفعال تلك الجماعة مؤخرا بداية من أحداث ثورة 25 يناير حتى الآن ومدى خطورة العنف الصادر من تلك الجماعة على الوطن وأبنائه ، ولهذا فقد ظل هذا الكاتب طوال مشواره وعطاؤه الفني محل تقدير وإعجاب من الجماهير داخل مصر وخارجها ونال الكثير من الجوائز الكبير والمشرفة تقديرا لأعماله ورؤاه المتقدمة ومدى إخلاصه وحبه لهذا الوطن وحب واحترام القارئ المصري العربي لتلك الشخصية الروائية والإبداعية العظيمة .