فى وداع الساحر.. الساخر.. الفنان الجميل.. والمبدع الفذ.. والفازع كرغيف الخبز الفلاحى الطازج.. محمود عبدالعزيز.. ذى الإشراقة المصرية المبهجة والخالصة.. والتى تخصه دون سواه.. نعمة القبول ممزوجة بالوجه الحسن.. والحس الفنى العالى.. وهى تمزج الجد بالهزل.. وكأننا إزاء فيلسوف شعبى يجوب الشوارع والأزقة!! أو مطرب أصيل يحمل ربابة على صدره.. ليروى لنا سيرة مجتمع وأجداد وصراع، وانتصارات وانكسارات.. ودومًا يقف بنا لنتأمل فيه ملامح المصرى الأصيل.. إنه الفنان الذى يدفعنا للتأمل من خلال السخرية.. والضحك من خلال الدموع.. وعلى رؤية جوهر الأشياء دون الركون إلى شكلها الخارجى البراق. ولهذا لا يسعنا سوى أن نردد حيال هذا الفنان المتوهج والشامل «محمود عبدالعزيز» أو «زوربا المصرى».. فى الليلة الظلماء يفتقد البدر.. نعم لقد كان بدرًا فى سماء الفن المصرى والعربى.. محملاً بعبق الأرض.. فى فيلم «إعدام ميت».. وعطر الوطنية وشموخها كما فى «الهجان» .. ورحيق الإنسانية وتساميها كما جسدها فى الشيخ حسنى فى فيلم «الكيت كات». هل نحن إزاء رثاء فقيد عزيز غادرنا سهوًا وسنفتقده كثيرًا؟! أم أننا إزاء إرث ثقافى كبير.. شريط زاخر بالعطاء الفنى الذى سيعبق حياتنا طويلاً.. وسيظل باقيًا.. ومؤثرًا.. وموحيًا لأجيال تلو الأجيال.. نعم إن الفنان «محمود عبدالعزيز» نموذج أعلى بل وفذ.. لرمز من رموز القوى الناعمة فى حياة المصريين بل والعرب.. بعد أن أستطاع أن يمزج الوطنى بالقومى.. والإنسانى بالعالمى. ماذا يقال عن هذا الفنان الكبير «السبعينى»؟! هل يقال إنه عبر مسيرة فنية طويلة قاربت النصف قرن.. إنه قدم أعمالاً تقترب من المائة أو تزيد فى صنوف الفن وفروعه وأجناسه المختلفة.. من سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة.. وهذا الرصيد فى حد ذاته.. يكفى لكى تضعه الجماهير فى موقع الصدارة.. ويتقدم الصفوف. ومن هنا يفرض السؤال نفسه.. هل نقف أمام الكم ونكتفى به؟.. أم أن هذا الفنان المبدع.. يجبرنا على تأمل ما تركه لنا من أعمال فنية كبيرة لا تزال مؤثرة.. تشعر حيالها الأجيال الجديدة.. وكأنها خارجة «بنار الفرن» كما يقول المصريون؟.. وليس أدل على ذلك من مسلسل «الهجان» الذى ما أن يذاع.. إلا وتتحولق حوله الأجيال الشابة.. وكأنها ترتشف من ماء زلال.. ونبع صاف للوطنية وللقومية ولا غرابة أن ينعى جهاز المخابرات العامة الفنان محمود عبدالعزيز.. وكأنه يسدى جميلًا للفقيد الغالى.. الذى رفع اسهمه ووضعها فى السماء السابعة.. بعد أن كان يتوارى إلى الخلف إذا ما قيس بجهاز إسرائيل «الموساد» الذى يحاولون إظهاره وكأنه الذى لا يقهر.. لكن «الهجان» سدد له الضربة القاضية!! أما عن درة العقد.. أو الشخصية العبقرية التى أداها «عبدالعزيز» فى فيلم الكيت كات «الشيخ حسنى» الكفيف الذى يرى ما لا يراه المبصرون.. ويسمع ما لا يسمعه عامة الناس.. وإن كانت هذه الشخصية تقترب من فكاهتها وعمقها وخفة ظلها من الملحن العظيم الشيخ «سيد مكاوى».. إلا أن «محمود عبدالعزيز» استطاع بعد معايشة منه للشيخ «سيد» أن يضعها فى مصاف الشخصيات الإنسانية العالمية.. والتى تضرب بها الأمثال فى الفلسفة الوجودية ومن حب الحياة.. وخبرة البشر! نعم إن محمود عبدالعزيز .. بأدواره المنحوتة مهارة وحذق.. يظل باقيًا ومؤثرًا ومشعًا.. وهو يذكرنى بالأديب الفلسطينى الراحل «إميل حبيبى» صاحب رواية المتشاءل وهو وصف ممكن أن يطلق على «محمود.. وحبيبى أوصى أن يكتب على شاهد قبره.. إميل جبيى باق فى حيفا.. والجماهير قالتها لمحمود عبدالعزيز إنه باق باتساع الوطن العربى وفى القلب منه القاهرة والإسكندرية موطنه.