ما زال الاحتلال الإسرائيلي يتصرف بالغطرسة التي تعوَّد عليها، وكأن الأوضاع في مصر لم تتغير . ومازال الاحتلال الإسرائيلي يتصور أنه يمكن أن يجد في مصر حكومة مثل حكومة مبارك، وربما يحاول الاحتلال الإسرائيلي أن يتجاسر علي مصر، حتي يُخيف شعبها، ويجبرها علي البحث عن مبارك جديد . وربما وجد الاحتلال الإسرائيلي نفسه في موقف جديد، لم يعهده، فقد خرجت الدول العربية من القيود التي فرضتها الأنظمة المستبدة عليها، وقد تعَّود الاحتلال الإسرائيلي علي التعامل مع أنظمة مستبدة، ليس لديها سند شعبي، فقد كانت أنظمة تستمد السند الوحيد لها من الغرب المؤيد للاحتلال الإسرائيلي، مما جعل قوات الاحتلال الإسرائيلي تتصرف وكأنها القوة الوحيدة في المنطقة، والتي يمكن أن تفعل ما تريد دون محاسبة من أي طرف . ولكن التغير الذي حدث في الثورتين المصرية والتونسية، ثم الثورات التالية لهما، والتي تكافح من أجل الحرية في سوريا واليمن وليبيا، قد دشنت لحقبة تاريخية جديدة، وهي حقبة الإرادة الشعبية للشعوب العربية، وهي عودة للأمة العربية الحرة، والتي سوف تختار ما تريد، وتحدد أمنها القومي بما يعبِّر عن حقيقة توجهات الأمة العربية، وتتصرف بالصورة التي تتوافق مع تاريخ ومكانة الأمة العربية . فالوضع الجديد لا يمت بصلة لما كان قائماً، ولكن الاحتلال الإسرائيلي يرفض تصديق هذا الواقع الجديد، ويرفض القبول به، ويرفض أيضاً التعامل معه، ويحاول أن يستمر في نفس النهج القديم . وهكذا تصرف الاحتلال الإسرائيلي مع مصر، واخترق حدودها وقتل وجرح عدداً من أبناء قواتها في سيناء، وكأن حدود مصر ما زالت مستباحة، أو كأن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يرسل رسالة إلي الشعب المصري، بأنه لا يعترف بأن شيئاً تغيّر في مصر، وأنه قادر علي فرض سيطرته علي المنطقة . وهذا التصرف في حد ذاته، يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ في الاندفاع نحو نهايته الحتمية . فقوات الاحتلال الإسرائيلي، تبدو غير قادرة علي التكيف مع الوضع الجديد، أو وضع المتغيرات الحادثة في العالم العربي في اعتبارها، ويبدو أنها تريد فقط أن تؤكد أنها قوات فوق الجميع، مما يجعل الاحتلال الإسرائيلي مندفعًا في طريقه القديم، والذي جعله العدو رقم واحد للعالمين العربي والإسلامي . ولكن في الماضي لم تملك الشعوب العربية أو الإسلامية القدرة علي الرد والردع، لأنها وقعت تحت سيطرت سلطات مستبدة ومتحالفة مع الغرب، أو سلطات مستبدة حتي وإن لم تتحالف مع الغرب، ولكن مع تحرر الإرادة الشعبية الحرة، أصبح صاحب القرار في مواجهة العدوان الإسرائيلي هو إرادة الشعوب الحرة . واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في تجاهل إرادة الشعوب، يعني أنه سوف يندفع في العدوان، دون أي محاولة للتكيف مع الوضع الجديد . والاحتلال الإسرائيلي لن يستطيع في الواقع التكيف مع الوضع الجديد، فهو احتلال بني دولة علي احتلال أرض الغير، وسلب الشعب الفلسطيني حقوقه، وأصبح يمثل نموذجا للعدوان علي الحقوق، ويمِّثل دولة احتلال خارج إطار القانون الدولي، وكل هذا يجعل الاحتلال الإسرائيلي في وضع لا يِّمكنه من التعايش الطبيعي مع من حوله . ولأن الاحتلال الإسرائيلي بني علي العدوان، لذا أراد فرض هيمنته علي المنطقة العربية والإسلامية، لأنه أدرك أن وجوده يعتمد علي قوته، وقدرته علي فرض وجوده بالقوة علي كل الشعوب العربية، وقدرته علي منع الوحدة العربية أو الإسلامية . وكل هذا تحقق للاحتلال الإسرائيلي بدعم من الأنظمة الحاكمة المتحالفة مع الغرب . والأساس الذي قام عليه الاحتلال الإسرائيلي، هو أن يكون دولة احتلال تقوم بدور الشرطي الذي يحمي المصالح الغربية في المنطقة، مما جعله مشروعاً احتلالياً غربياً . وكل هذه الأوضاع، تجعل المتوقع أن يندفع الاحتلال الإسرائيلي أكثر في مواجهة الشعوب، لأنه لا يستطيع التراجع، لأن أي تراجع له، قد يكلفه الكثير . فمشكلة دولة الاحتلال الإسرائيلي أنها بُنيت علي جريمة، ولا يمكن التعايش معها، إلا إذا أزالت آثار الجريمة التي ارتكبتها، وهو أمر ينهي دولة الاحتلال الإسرائيلي، ويغِّير طبيعتها العدوانية الاحتلالية .