هل كانت لحظة مدهشة حقًا؟!! تلك اللحظة التى جعلت الرئيس «عبدالفتاح السيسى» يعلق عليها مبتسمًا، وربما خارج السياق الذى يتلو فيه القرارات الايجابية التى خرج بها مؤتمر الشباب الذى انعقد لأول مرة فى حكم السيسى.. على مدار ثلاثة أيام من 25: 28 أكتوبر 2016 بشرم الشيخ، فما إن أعلن الرئيس القرار الذى يطالب بإعادة النظر فى قانون التظاهر.. إلا وضجت القاعة عن ظهر أبيها بالتصفيق الحاد والتهليل والتكبير والتى احتشد فيها ثلاثة آلاف شاب.. ناهيك عن تحويشة العمر من كبار المسئولين ومعظم الوزراء يتقدمهم رئيس الوزراء ومن المؤكد أن تلك الحفاوة ما بين التصفيق الحاد والمتواصل والتكبير الذى ينبع من القلوب قبل الحناجر تعدى جدران القاعة وقد انتشر بامتداد ال 27 محافظة ليشمل خريطة مصر ما بين مدنها ونجوعها وقراها، نعم فقد طالت آلاف الأسر المصرية التى تنتظر عودة فلذات أكبادها من الشباب المحتجز خلف القضبان لا شىء سوى لأنه هتف أو تظاهر أو اعترض أو أبدى رأيًا مخالفًا. حقًا إن جميع القرارات التى أعلنت فى المؤتمر عبرت عن الضرورة المجتمعية وعن الأهمية السياسية وحتى يصبح شعار المؤتمر معبرًا وصادقًا عن «ابدع وانطلق» فلا يمكن أن أبدع وأنا مقيد الخطى ولا يمكن أن أنطلق وسوط التأثيم يطارد أصحاب الرأى المخالف فما أحوجنا إلى عودة الشباب، كل الشباب، إلى ساحة العمل العام تحت شمس المجتمع وضيائه على اختلاف فصائله وانتماءاته وأوضاعه الاجتماعية ولا فضل لشاب على شاب آخر إلا بالعمل والاجتهاد والإبداع. إذن كان لابد وأن نسمع عن تشكيل لجنة لمراجعة موقف الشباب المحبوس والذى لم تصدر ضده أحكام ولم يلوث يده بالدم وهو مطلب كافة الفصائل الوطنية وحقوق الإنسان فضلًا عن إعداد مؤتمر لمناقشة قضية تطوير التعليم التى أوكلت فيما سبق لمن يحنطونها ويدخلونها داخل التوابيت الصماء رغم أنها تكتسب الأهمية القصوى إذا أردنا حقًَا التطوير والتصحيح والتصويب.. قرارات عديدة نتمنى أن تنفذ وتفعّل وأن تتسلح الإدارة السياسية الواعية حتى يعود الشباب للتدفق فى شرايين المجتمع دون عوائق أو حواجز أو اقصاء أو حجج وهمية تبرر للبعض الانعزال والانطواء! لكن يظل ما أدهس الرئيس السيسى عالقًا بالأذهان وهو يتساءل مازحًا: هل كلكم تحبون التظاهر إلى هذا الحد؟! ولعل قضية التظاهر اكتسبت لدى الشباب بل لدى الرأى العام أهمية بالغة بعد ثورتى يناير ويونية فلولا التظاهر ما كانتا!! نعم لقد انتزع الشعب حقه وسانده الجيش وأيده فى الثورتين ولكن السؤال: ماذا حدث بعد ذلك؟! هل نتراجع إلى الخلف أم نتقدم إلى الأمام؟ ولقد اعترف الرئيس السيسى بأن هذا القانون، أى التظاهر، جاء تبعًا لظروف قاسية مر بها المجتمع المصرى فهل نأمل بعد أن انقشعت تلك الظروف أن يتعدل القانون ولا يعاد إنتاج صورة «شيماء الصباغ» فى ميادين ولا أزقتها! ولكى نجيب على السؤال الذى طرحه الرئيس السيسى ينبغى أن نعرف التظاهر بأنه إبداء حق الاختلاف بطرق سليمة ومشروعة فى ظل الأنظمة الديمقراطية.. ولقد رأينا عبر «الميديا» الواسعة مظاهرات كبرى عبر العالم احتشدت بعشرات الآلاف من المتظاهرين وكانت تسير بمحازاة رجال الأمن لا تجاوز ولا عنف ولا تحرش، إذن جاءت تلك «الحفاوة» من إيمان الناس أو معظمهم بحق الاختلاف وبحرصهم على إعطاء الفرصة للرأى والرأى الآخر فذلك أحد أسس الديمقراطية المنشودة ولا يمكن أن تستقيم الأمور طالما فرض على الناس الصوت الواحد وأقصيت الأصوات الأخرى. المهم أن نختلف فى الوطن لا نختلف على الوطن إن الطبيعة مبنية على التنوع والاختلاف ففى ظل السماوات المفتوحة والسوشيال ميديا لا يمكن أن تفرض رأيًا إلا إذا كان مقتنعًا .. ولا يمكن أن تشكل تجمعًا كبيرًا أو صغيرًا إلا بعد توافق الأفكار .. وتصالح المصالح. وإذا كان هناك رأى يقول: بأن المؤتمر الهدف منه تكوين نواة لمنظمة للشباب على النسق التاريخى الذى شهدناه فى العهد الناصرى والذى أنجب لنا كوادر سياسية لا تزال فاعلة فى الساحة السياسية الآن .. لكن هذه المنظمة الشابة بثوب جديد.. فأهلًا بها شريطة التنوع وعدم الإقصاء وأن تضم كافة فصائل الشباب المصرى من الفقير المعدم وحتى الثرى المرفه.. فلندع مائة زهرة تتفتح فى رحاب الوطن لا على أسواره المدببة!!