هيكل الأسطورة بين الصحافة والسياسة 28

كتب هيكل مقالاً بعنوان: (نحن وحدنا في المعركة)، ورد عليه شفيق الحوت، قبل انفصال مصر عن سوريا، في مجلة «الحوادث»، في بيروت بعنوان: (لا لستم وحدكم في المعركة)، حتى سأله الزعيم جمال عبد الناصر، هل تعرف هيكل؟، فأجابه الحوت: لا، فقال الرئيس: لماذا لا تتقابلان؟، وبالفعل قام الزعيم الخالد، بهذه المهمة، حتى أصبحا صديقين، ولا يتم لقاء بين عبد الناصر، وشفيق الحوت، إلا بمعرفة وتنسيق هيكل.
يقول هيكل: (أذكر أني عدت من رحلة في أوربا، عام 1964، وكتبت مقالا بعنوان (رحلة إلى شواطئ مجهولة)، وكتبت عن عدم الانحياز، فذهب سفير الهند، لمقابلة الرئيس عبد الناصر، وقال له: «هل هناك تغيير في مفهومكم لعدم الانحياز؟»، قال له: لماذا؟، فقال السفير الهندي: «هيكل كتب مقالة يلمح فيها إلى هذا التغيير، فرد عبدالناصر: لم أقرأها).
حكاية جديدة، يرويها (جون بادو)، سفير أمريكا بالقاهرة حينها، حيث كان محبا للزعيم عبد الناصر، بقدر حبه لمصر، فكان من السفراء المفتونين، المولعين بحب مصر، وشعبها، أحفاد الفراعنة، وآثارها، وحضارتها، وتاريخها، لتكون قصة جديدة، ودلالة جديدة، على أن عبد الناصر، لم يكن يوحي إلى هيكل بما يكتبه، وكان لكل واحد منهم، شخصيته المستقلة، ولكنهما يتقابلان في ثوابت، الدين، والوطن، والعروبة، وكذلك تبرز هذه الحكايات، والقصص، أكثر من دلالة على علاقة الرئيس، بهيكل.
السفير جون بادو، اختاره الرئيس الأمريكي، (جون كينيدي)، الذي أراد أن يغير من سياسات سفارات بلاده، ويعمل على تحسين أدائها، في عواصم كثيرة، من العالم، على أن يكون هؤلاء السفراء، الذين يتم تعيينهم، يفهمون البلاد التي يمثلون أمريكا فيها، وعلى هذا الأساس، قام (جون كندي)، باعتماد (جون بادو)، سفيراً في القاهرة، والذي كان يعمل عميداً سابقاً للجامعة الأمريكية بالقاهرة، الجامعة العريقة، التي ظل عميدها لفترة طويلة، وظل مقيما إقامة كاملة، بعاصمة المعز لدين الله الفاطمي، لمدة 35 عاما، حيث تتلمذ على يد السفير الأمريكي، بعض المسؤولين المصريين، فترة حكم الزعيم الراحل، عبد الناصر، أثناء دراستهم بالجامعة الأمريكية، من بينهم، (علي صبري)، وأخوه، (حسين صبري).
السفير الأمريكي، والعميد الأسبق، للجامعة الأمريكية، (جون بادو)، كان يجبد اللغة العربية، إجادة تامة، ويتحدثها بطلاقة، فأدت بدورها إلى توسيع علاقاته، وتنمية صداقاته، وتطوير تطلعاته، طوال 35 عاما، داخل القطر المصري، فتعرف أكثر، على أحوال، وظروف مصر، وخصوصا، بعد توليه منصب، سفير أمريكا في القاهرة، فاقترب (بادو)، من عبد الناصر، فأدت هذه العلاقة، إلى غضب السفير السوفيتي، والذي تحدث في هذا الخصوص، مع الزعيم المصري، فرد عليه عبد الناصر، أن السفير الأمريكي، يتقن العربية، في الوقت الذي لا يعرف السفير السوفيتي منها، سوى كلمات، مثل: (السلام عليكم)، (صباح الخير)، (مساء الخير)، ولا يعرف غير ذلك، وقال الرئيس المصري، للسفير السوفيتي: إن معظم المقابلات مع السفير الأمريكي، لا تتطرق إلى الجوانب السياسية، والدبلوماسية، بينما تتطرق إلى (دردشة مصرية باللغة العربية فقط)، على حد وصف الزعيم، وبالفعل، حصل السفير الأمريكي، للمرة الأولى، والأخيرة، على ما لم يحدث من قبل، ولا من بعد، ولم يحصل عليه، سفير أوروبي، أو سفير أمريكي، وهى الصداقة التاريخية، مع شخصية تاريخية، وطنية، مصرية، عروبية، مع الزعيم الخالد، جمال عبد الناصر.
وكان للعمل الصحفي، والإعلامي، دور كبير، في حياة السفير، والعميد الأمريكي، (جون بادو)، فقدم الكثير من الكتابات، والمقالات، والدراسات، وأخص هنا بالذكر، كتابه الشهير، (الشرق الأوسط يعود إلى الذاكرة)، ذكر فيه «جون» الأسطورة، محمد حسنين هيكل، في مواضع، ومواقع، وأماكن كثيرة، وهو يؤكد، ويشدد، على أن هيكل، كاتب مبدع، وصحفي بارع، وسياسي محنك، ودبلوماسي مهذب، ومؤرخ جهبز، له أسلوبه، وحيويته،وخصوصيته، واستقلاليته، وقال عميد الجامعة الأمريكية الأسبق، بالقاهرة، أن هناك نكهة خاصة، وقوة غير عادية، للكتابة باللغة العربية، ويقول (جون بادو): (عندما أتيت إلى القاهرة، كان هيكل، متعدد الجوانب، والقدرات، والطاقات، استمر قويا، ذكيا، فارسا، داهية، طوال فترتي بمصر، وكنت أنتظر مقاله كل يوم جمعة، في (الأهرام)، وكانت مقالاته، وموضوعاته، مثيرة للجدل، والاهتمام في السفارة الأمريكية بالقاهرة، حيث تقوم السفارة، بتحليله، بمساعدة باقي أعضاء البعثة الدبلوماسية، وعلى رأسهم سفيرهم، وترسل نتائج التحاليل لمقالات هيكل، إلى واشنطن.
المتحدث الرسمي باسم النادي الدبلوماسي الدولي
Diplomatic Counselor Sameh Almashad