استمعت إلى اللواء أ.ح مهندس باقي يوسف زكي مواليد 23 يوليو 1931 صاحب فكرة هدم خط بارليف بالمياه التي نفذها الجيش المصري في عبوره بحرب 1973 والتي كانت أحد أهم أسباب النصر، وقد لفت انتباهي في حديثي معه أمورهامة: بدايةً : قال أنه كان يعمل في بناء السد العالي منذ عام 1964الى 1967 وتعلم هناك المقدم مهندس باقي وقتها كيفية التخلص من الرمال لحفر السد العالي عن طريق طلمبات المياه المضغوطة بالكهرباء لتجريف جبال الرمال و سحبها و شفطها فى أنابيب مخصوصه وإستغلال مخلوط الماء والرمال بعد ذلك فى عمليات بناء جسم السد العالى. ، وكانوا يعتمدون في عملية الحفر على استخدام مدافع مائية لتنزيل الرمال في حوض يتم سحبها منه عبر «طلمبات» ثم دفعها في البناء، وأوضح اللواء باقي أنه حينما كان قائداً للفرقة 19 مركبات، واستمع إلى قاداته بأن كل الاقتراحات لتحطيم خط بارليف صعبة جدا حيث يبلغ ارتفاع الخط 20 متراً وعمقه من 8 الى 12 متراً، ووراءه 19 موقعاً عسكرياً و30 نقطة حصينة، ومصاطب دبابات، ومحمي بشبكة من الوحدات المعاونة، علاوة على تحصينه أمامياً بالنابالم، وأن القادة تحدثوا عن حلول فكانت أقل البدائل المطروحة تبدأ بخسائر بشرية لا تقل عن 20%، وساعات لا تقل عن 15 ساعة، لإحداث ثغرات محدودة في الجدار، وصعوبة شديدة لاقتحامه حتى فكرة القنابل الذرية عجزت عن إقتحامه ، هنا استرجع لواء باقي بذاكرته وقت حفر السد العالي وكيف تم ذلك بالمياه وجاءته الفكرة بأنه بالماء يمكن أن تتحرك الرمال من مكانها فى الساتر الترابي ومع استمرار تدفق المياه عليه يتم اقتحام الساتر الترابي لخط بارليف 60 ثغرة ، 90000 متر مكعب رمال ،فطلب الكلمة وإذ بقائده يعجب بالفكرة التى ليس بها أي خسائر وتسمح بتدمير الخط بصورة شبه نهائية، وفوراً اتصل قائده بقائد الجيش وهو بدوره قدم الفكرة الى الرئيس عبدالناصر ليقرّها ويتم العمل بها مباشرة.، ونجحت الفكرة بالفعل في الحرب حيث تم إحداث 65 ثغرة خلال ست ساعات، وتم ازالة 90 ألف متر ترابي تقريباً خلال وقت محدود، ولم يسقط في مجمل العملية أكثر من 90 شهيداً». وفي عام1969 صدق الرئيس جمال عبدالناصر رئيس الجمهورية القائد الأعلي للقوات المسلحة وقتها علي خطة استخدام مضخات المياه في التعامل مع خط بارليف، كما أمر بسفر وفودا هندسية مصرية الي اوروبا تحديدا المانيا وبريطانيا لشراء مضخات بقوة دفع معينة وخراطيم بقطر معين.. وكانت الحجة هي استخدامها في رفع المياه من الآبار لزراعة اراضي الوادي الجديد ، وبعد وصولها.. جرت تجارب نهائية.. حتي جاءت ساعة الصفر في 73 ونجح اختراق خط بارليف واستطاع الجيش المصري أن يعبر ويقتحم الدفاعات الإسرائيلية ونجح العبور العظيم قبل أن يفكر العدو بالهجمة المضادة، وبذلك كانت فكرة المياه مفتاح النصر.. هنا أتوقف أمام 3 أمور: أولاً : أن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر هو من وافق على الفكرة ووقع بقرار الموافقة عليها عام 1969، وأمر باجراء تجارب عدة عليها حوالي 300 تجربة في حلوان بنفس العام.. فضلاً عن أن حرب الاستنزاف منذ عام 1968 كانت هي أساس حرب أكتوبر ، بمعنى آخر حرب أكتوبر هي إمتداد لحرب الاستنزاف والتي بدأت في عهد الزعيم عبد الناصر، وأقول زعيم لأنه كان رئيساً لكل العرب ويعمل على مصالح الوطن العربي كله متزعماً الأمة بأكملها بمواجهة العدو الصهيوني ، أما الذي يعمل لمصلحه دولته فقط فهو رئيس. الزعيم ناصر أنار الله بصيرته وأدرك أهمية العروبة في وجه الكيان الصهيوني، وظل معادياً طيلة حياته للأمريكان والصهاينة. قال عنه حاييم بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي وقتها ( بوفاة عبد الناصر أصبح المستقبل مشرقاً أمام إسرائيل ، وعاد العرب فرقاء كما كانوا وسيظلون باختفاء شخصيته الكاريزماتية). إذن كانت حرب الاستنزاف التي قادها عبد الناصر من بعد 67 إلى أن توفاه الله في عام 1970هي الخطوة الأولي والأساس للعبور وتحقيق نصر73، وعليه فمن العدل أن نعتبره البطل الأول وأهم أبطال نصر 73 باعتباره وضع أساس النصر خطة العبور كاملة وكل التسليح في الفترة من (67-70) ، فقد وافته المنية قبل أن يرى فرحة النصر وثمار جهود سنوات للجيش ، فلولا الهزيمة والظلم وتحمل الغدر من العدو عام 67 مقابل الصبر والإيمان والتحدي من جنودنا لولا ذلك ماكان النصر ، فالأمل يولد من رحم الألم ، والفرج لا يأتي إلا بعد الصبر ، وإن بعد العسر يسراً ، ماحدث لنا في 67 زلزلة كما يقول الله تعالى ( مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) فكان نصر 73 من الأمثلة القوية للنصر القريب من الله بعد الظلم والضرر وكذلك يكون نصر الله في حروب كثيرة للمجاهدين الصابرين أصحاب الحق لأنهم صبروا والله مع الصابرين. الأمر الآخر : رفض عبد الناصر عروض السلام المنفردة مع مصر وهو مهزوم حرصاً على السلام مع كل العرب ..فلماذا نقبلها ونحن منتصرون.. كان لابد من الإصرار على إسترداد الجولان والضفة الغربية والقدس أيضاً فالجيش السوري حارب معنا. ثالثاً : لفت انتباهي أن اللواء باقي زكي مسيحي الديانة .. ومع ذلك اختاره الله ضمن جنوده ومع إخوانه المسامين لهذه المهمة المكتوبة له منذ عمل بالسد العالي .. وهذا يجعلنا نؤكد أن الله يحفظ كنانته بجنوده المخلصين سواء المسلمون الذين جندهم الله وحاربوا وهم صائمون في أيام مباركة من رمضان وعلى أرض مباركة في سيناء أو المسيحيون ، فقد قاتل المسيحيون العرب الصليبيين في عهد صلاح الدين لحماية أوطانهم وانتصروا بفضل الله، فالله الحكم بيننا يوم القيامة وليس نحن. ومن هنا أتمنى أن يدرك بعض حكام العرب أننا في صراع عربي صهيوني ولسنا في صراع طائفي ، وحتى من الناحية الدينية اليهود قتلة الأنبياء ، وأعداء محمد وعيسى عليهما السلام بل أنهم أرهقوا سيدنا موسى نفسه فعبدوا العجل بعد كل ما رأوه من معجزات ، ثم حرفوا الكتاب من بعده ، وها هم الصهاينة يتخذون الشيطان ولياً هم وأتباعهم ، ويفعلون كل أنواع الإجرام والظلم من أجل الوصول لغاياتهم، لن يغفر الله لمن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله . إذن الحروب ليست دينية ، بل الحروب بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، ولابد أن ينتصر في النهاية الخير والحق ، ولن يفلح الظالمون. السلام على محمد وعلى عيسى وعلى موسى وعلى كل الأنبياء والمرسلين .. السلام عليهم جميعاً ..والسلام ما نريد، فمصر تحارب من أجل السلام، ولا تعتدي إلا لمن اعتدى عليها. وفي هذه الذكرى العظيمة نجدد الحمد والشكر لله الذي أكرمنا وأعزنا بالنصر من عنده ، وتحية لكل بطل شارك في هذه الحرب ضد العدو الصهيوني وتحية لكل الجنود المجهولين ولكل أرواح الشهداء الأبرار . وتبقى مصر محروسة بأمر الله ، ويظل حراس الكنانة جند الله خير أجناد الأرض يباركهم الله.