مصارعة الديكة من الألعاب القديمة التي عرفتها الكثير من شعوب العالم وهي عبارة عن نزال بين ديكين ينتهي بقتل أحدهما للآخر, ولوحشيتها فهي لا تعرف غير إراقة الدماء وهو ما يرجوه أصحابها منها، فالسكاكين القاتلة تراها في أرجل ومناقير وأجنحة وأعين الديكة وتستخدمها من أجل الفتك بالخصم لإنهاء النزال وإعلان المنتصر, ولهذا يعتمد الديك في نزاله على قوته ووحشيته ودهائه وقدرته على المناورة والخداع والجرأة والصمود حتى الموت، ولأنه صراع وحشي بين طيور خرساء ولا تعرف ما يعرفه الإنسان من تعقل فقد حرمتها الأديان لأن أصحابها يستغلون عداءها ومقاتلتها لبعضها البعض عند التلاقي ويوظفون هذا العداء الفطري بإقامة النزالات والمراهنات، يشبهها في ذلك مصارعة المحترفين في أمريكا التي تقام بأشهر الحلبات التي يتجمهر من حولها المراهنون الذين جاءوا ليشاهدون قتالا بين مصارعين ينتهي بانتصار أحدهما الدموي على الآخر ويستخدم فيها المصارع الآلات الحادة والمعدنية بلا ضوابط مما يؤدى لوقوع العاهات، وبمقارنة تلك الألعاب والنزالات غير الأخلاقية فإننا نجدها لا تختلف كثيرا في مظهرها الدموي وغير الأخلاقي والإنساني عن نزال الانتخابات الرئاسية الأمريكية تلك الانتخابات التي تتربع على اهتمامات العالم بعد أن أصبحت أمريكا القوة الوحيدة المهيمنة عليه,ولأن رئيسها سواء كان جمهوريا أو ديمقراطيا فإنه يعتبر الرئيس الأقوى بالعالم ويعلق عليه الآمال في القدرة على حل الأزمات والنزاعات في أمريكا وسائر البلدان، ولهذا فقد ولدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عبر تاريخها الطويل أدبيات وثقافات خرجت عن نطاق القيم والأخلاق لتصبح كمصارعة الديكة أو مصارعة المحترفين أو أجواء السرك والبهلوانات والمزادات من خلال ما يصدر من المرشحين من تصرفات وتصريحات وانتقادات تتخطى كل التابوهات بداية من انطلاق السباق التمهيدي للرئاسيات وحتى الإعلان عن الرئيس الفائز, وها نحن الآن أمام اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في دورتها ال46 التي ستبدأ في شهر نوفمبر القادم لنجد أنفسنا أمام نزال غير مسبوق لأنه وعلى غير العادة سيجرى ولأول مرة بين رجل وامرأة أو لنقل أيضا بأنه بين مرشحين وخصمين عنيدين على النقيض تماما ولهذا فقد أخذ الصراع بينهما إلى ما هو أشرس من مصارعة الديكة وما هو أبعد من الأمن القومي الأمريكي، فرونالد ترامب رجل اقتصاد ويمثل الجمهوريين مقابل هيلاري كلينتون صاحبة الخبرة السياسية والتي تمثل الديمقراطيين، ومع اقتراب معركة الانتخابات الرئاسية فقد أخذ النزال بين المرشحين أشده من خلال ما يوجهه كلاهما للآخر من تصريحات وانتقادات واتهامات طالت العلاقات الشخصية وتضخمت لتصل لما هو أبعد من الأمن القومي الأمريكي بل وفى تشكيك كل منهما في قدراته وصلاحياته وأهليته لإدارة شئون أمريكا من خلال تصريحاتهم اليومية عبر القنوات الإعلامية التي تعجب الجماهير بل وتعجب أيضا كبار الساسة والقادة واللوبيات وأعضاء البرلمان من القدامى والمحدثين في أمريكا والذين يجدون في هذا النزال الذي يتكرر كل خمس سنوات فرصة لتصفية الحسابات ولهذا فهم يوظفون فيه كل طاقاتهم وإمكاناتهم , ولأجل انتصار مرشحهم في هذا النزال فإنهم يلجئون فيه لاستخدام كل أنواع الحيل للتأثير على المواطن ولهذا تصبح لعبة الدسائس والمؤامرات والمقامرات والكذب أهم ما يميز الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وسواء نجح الجمهوريون أو الديمقراطيون من خلال تاريخ انتخابات الرئاسة في أمريكا فإن المواطن الأمريكي يظل هو الضحية الأولى لهذا النزال غير الأخلاقي ويأتي معه أيضا ضحية لهذا الظلم الكثير من بلدان العالم ونقصد بها تلك الدول التي ظلت توكل حلول قضاياها ونزاعاتها وأزماتها على هذا الرئيس الأمريكي القادم, في حين أنها ظلت وعودا زائفة تكررت كثيرا وأضاعت الزمن على الكثيرين, وبرغم براعتها في الضحك والكذب دوما على الآخرين فإنها تظل حلما يراود المغفلين والضعفاء في هذا العالم بل وعند هؤلاء الذين ما زالوا لا يصدقون بأن أمريكا ورؤساءها المتعاقبين كانوا ومن خلال سياساتهم مصدرا رئيسيا للمشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بالكثير من البلدان, ولهذا فلا يتوقع منهم بعد كل نزال رئاسي غير الكذب والنفاق وابتزاز العالم من خلال ممارسة فن إشعال الحروب والصراعات في دوله ولنا في فلسطين والعراق وسوريا وليبيا أسوة ومن قبلهم الكثير من بلاد العالم الذين كانوا ضحايا لهذا النزال الأمريكي الذي سيظل يتكرر ما دمنا لم نتعظ من أفعال هؤلاء بنا ونقرر أن نعتمد على أنفسنا وسواعدنا .