اثنان فقط في تركيا؛ لا يمكن المجازفة بانتقادهما؛ هما: أتاتورك المُؤَسِّس، والجيش المُسَيَّس! فمَنْ أراد اللعبَ مع الأسد؛ فليتحسَّس رأسه ألفَ مَرَّةٍ؛ قبل محاولته تلك الخاسرة! فلن تنسى الأجيال التركية؛ صورة ضُبّاط الجيش التركي؛ وهم يتعرَّضون للسحل والرَّكل والإهانة؛ مِنْ قِبَل مُتَطَرِّفي الإخوان؛ فستظل هذه الصورة الكريهة .. علامةً فارقةً في سِجل الخزي الطوراني؛ حتى يتم محوها والقضاء على المتسبِّبين فيها، وعلى رأسهم المُنْتَشِي الأكبر؛ الأردوغان ورفاقه! فبرغم وأد حركة الجيش التركي الأخيرة .. وبرغم ظهور الأردوغان على غرار تشرشل؛ عندما سحق بمعونة واشنطن .. ألمانيا النازية، وقضى على المد الهتلري؛ فما لبث كثيراً منتشياً؛ في زهوه وكبريائه الكاذب؛ إذْ ركله الإنجليز في أول اقتراعات برلمانية! ولعل هذا هو الذي سيودِي بالأردوغان وبحزبه القمعي؛ في أقرب انتخابات اشتراعية، يتكاتف فيها الشعب التركي؛ الذي تربّى على مبادئ أتاتورك، والميل نحو المؤسسة العسكرية؛ رمز الفخر والعِزَّة؛ تلك المؤسسة التي جرحها المتأسلمون جرحاً غائراً؛ ستندمل آثاره؛ بإزاحة الأردوغان، والعدالة والتنمية، وتقديم الأردوغان للمحاكمة العادلة؛ بتهمة إهانة الجيش، والقضاء، والتعدي على الدستور، ومخالفة مبادئ أتاتورك العلمانية! ويبدو حالياً؛ بمقاييس الصورة، والإعلام النمطي؛ أن الأردوغان هو أقوى رجلٍ في أنقرة حالياً؛ وهو زعمٌ صحيحٌ إلى حدٍّ ما؛ لكنه يتناسى؛ أنَّ الجيش التركي مؤسسةٌ منضبطةٌ، تمتلك كبرياءً؛ هو أعزُّ ما تفخر به؛ فإنْ أُهينتْ من بعض أبناء شعبها؛ كما حدث هذه الآونة؛ فلا ريب؛ فعلى الأردوغان ألا ينام مطمئناً؛ وبجواره هذا الأسد المكلوم؛ الذي فقد مناط اعتداده على مرأى من العالم! فكيف طوَّعت للأردوغان نفسه؛ أنْ يقترف هذه الإهانة القاتلة؛ وهو يعلم؛ أن الجيش التركي هو الدولة، وهو اللاعب الرئيس، وهو المتحكم في الحكم والسياسة، وهو المتدخل في أية لحظة لإنهاء أية حكومة؛ لا تتوافق مع مصالحه، وميزانه الحسّاس الذي يحكم به تركيا في العصر الحديث؟! ومن المتوقع؛ أن ترتدَّ خسارة الجيش التركي لصولجانه وكبريائه وسمعته ونفوذه، وتلاعُب المتأسلمين به إعلامياً وميلشياوياً .. ترتد في نحر هؤلاء الإخوان؛ إذْ كيف ينسى العسكريون المقاتلون خسارتهم المريرة؛ فما بالنا بالخسارة الكبرى التي نالها الجيش التركي طوال تاريخه الحديث! فقبل الانقلاب الفاشل الأخير؛ كانت هزائم الجيش التركي عسكرية في الميدان، وجهاً لوجهٍ، ومن السهل تعويضها في حروبٍ أخرى، وهو ما نجح فيه الأتراك بعد ذلك! لكنَّ الهزيمة المعنوية القاسية، والنفسية الأليمة؛ التي تجرَّعها الجيش التركي على يد الكتائب الإخوانية؛ بفصائلها، وعناصرها الدولية؛ مِن مرتزقة سورية وليبيا وتونس ومصر؛ تلك العناصر الخائنة لأوطانها .. تفوق كل هزائم الجيش التركي في القرن العشرين! إذن؛ كيف سيحكم الأردوغان تركيا؛ وإلى جواره هذا الأسد الجريح؛ الذي اعتاد قضم العظم، والتهام اللحم .. ولم يتعوَّد أكل البرسيم والعشب؟! فلا ريب؛ أنَّ مَن عاش؛ وهو يرسم خريطة اللعبة السياسية في بلاده؛ فلا يمكن أن يتخلّى عنها، ويصير تابعاً ذليلاً لمن كان يتلقّى منه الأوامر، ويعيش في كنفه ومعيته؛ خادماً ومرءوساً! فهل أُصيبَ الأردوغان بالفعل بجنون العظمة؛ لا سيما بعد أنْ منّى نفسه وأنصاره؛ بأنه صار يجمع بين قُوَّتَي: أتاتورك، والخلافة العثمانية الغابرة؛ فحاول- وما زال يحاول- تغيير الدستور لصالحه؛ جامعاً بين كل السلطات؟! أقرب القراءات المتعجِّلة، وأقوى المؤشرات المتأسلمة؛ تدل على أنه يعيش اليوم أزهى فترات حياته؛ فقد قضى على غريمه التقليدي(الجيش)! لا؛ بل لقد وصفت الكتابات الإخوانية هذا الانتصار؛ وكأنه إرجاعٌ لدولة الخلافة؛ بتنحية الجيش؛ رمز أتاتورك؛ وعودة الأردوغان إلى قصره العثماني الجديد؛ وكأنه سليمان القانوني؛ لا؛ بل هو السلطان محمد الفاتح! فهل يرتضي مَلِكُ الملعب التركي؛ هذه التغييرات الجذرية في أرضه، ودولته، ونفوذه، وخارطته السياسية؛ لصالح أعدائه الراديكاليين؟! فلا جرم؛ أنَّ الجيوش لا تنسى المتسبِّب في إلصاق العار بها؛ فالثأر معه يكون على أشده؛ والحسم سيكون خلال أشهرٍ؛ لا؛ بل قبل انصرام هذا العام؛ سنرى نهاية المسلسل الإخواني الأردوغاني؛ الجالس على رقاب الأتراك قبل عقدٍ ونصفٍ بالاستبداد والتنكيل والعصف؛ وقد أُزِيحَ؛ مِن قِبَل هذا الأسد الذي ظنوه جريحاً يحتضر؛ فأهانوه؛ وأجاعوه؛ فثار عليهم؛ حتى أكلهم جميعاً! فمَن أهان الأسد؛ فلن ينعم بالمُلك! ومَن أزاح الليث؛ فلن يحكم؛ طالما أنَّ الليث؛ لم تنقرض ذريته من على ظهر الأرض! وأقولها بملء فمي وضميري وقراءاتي التي لا تخيب: انتظروا الأردوغان في محكمة العدل الدولية قريباً؛ لا؛ بل قريباً جداً جداً! فالجيوش؛ لا تعرف الهزيمة! والمتأسلمون؛ لا يعرفون غيرَ خيانةِ الأوطان!