سال الدم البلجيكي، في قلب العاصمة البلجيكية.. ومن المتوقع أن تسيل دماء كثيرة في دول أوربية أخرى، فالخلايا الإرهابية التي وفرّ لها الغرب وسائل الدعم والحياة للمجيء إلى سوريا وتدميرها تحت عناوين كاذبة، هي اليوم تتهدد هذا الغرب، لينطبق عليه القول: «من يزرع الريح، يحصد العاصفة». فالإرهاب التكفيري الذي يستهدف سورياوالعراق واليمن وليبيا ومصر هو الإرهاب التكفيري نفسه الذي استهدف بروكسل البلجيكية. حيث هزت ثلاثة تفجيرات قلب العاصمة البلجيكية اثنان منها في مطار بروكسل وثالث في إحدى محطات المترو ما أسفر حسب حصيلة غير نهائية عن مقتل نحو 35 شخصاً وإصابة أكثر من مائة آخرين. لم يكن ما حصل من هجمات إرهابية في بروكسل مجرد حدث إرهابي، وإنما هو إعلان واضح المعالم من تنظيم «داعش» تجاه توسيع دائرة إرهابه وتهديد مختلف الدول الأوربية بهجمات مماثلة. ومن هنا، يأتي السؤال: مَنْ الذي جعل هؤلاء الإرهابيين يتحركون بمنهجية وتنظيم؟ مَنْ سوى الدعم الغربي الصهيوني الذي ضرب عرض الحائط بكل القرارات الدولية السابقة واللاحقة المؤكدة على ضرورة محاربة الإرهاب ومكافحته؟! إن أمثال «نتنياهو وهولاند وكاميرون وأوباما وأردوغان وبعض حكام الخليج» هم من مهّدوا وساعدوا وسلحوا ودربوا الإرهابيين الذين ضربوا في النهاية في قلب بروكسل وهم الذين ضربوا وما زالوا يضربون وبلا رحمة أيضاً وبشكل أشد وأعنف في قلب سورياوالعراق وليبيا ومصر واليمن وفلسطين ولبنان وغيرها. أليست دول هؤلاء الحكام وأجهزة استخباراتهم هي التي ربَّت هذا الوحش وأطلقته ضد شعوب الوطن العربي...؟ فلماذا يتباكون الآن في بروكسل؟! إن هؤلاء الحكام أو الزعماء ينطبق عليهم تماماً المثل الشعبي القائل «يقتلُ القتيل ويمشي في جنازته»، هؤلاء هم مُشغلو الإرهاب ورُعاته وداعموه، بل مُشغِّلوه الأصليون. إن «الإرهاب» هو «الإرهاب»، لا يمكن أن يكون برداً وسلاماً وحرية وديمقراطية وحقوقاً مشروعة في مكان، وناراً وعدواناً وظلماً وانتهاكاً للأعراف والمبادئ والقوانين والشرائع في مكان آخر، فالحقيقة التي لا جدال فيها أن «الإرهاب» لا وطن ولا دين له، ومهما تغيرت مسمياته وتعددت مصطلحاته يبقى إرهاباً أينما حل وارتحل بأدواته ودماره وتخريبه، وكما هو مرفوض ارتكابه في مكان، كذلك هو مرفوض ومدان ارتكابه في مكان آخر. إن الإرهاب ليس دليلا على ازدواجية السياسة الغربية القائمة على الكيل بمكيالين فحسب، بل إنه أصبح أداة من أدوات السياسة الغربية الاستعمارية، حيث يتم تجنيد أدوات له وتحريكها في المكان والزمان الذي يريد المستعمرون استهدافه وتمزيقه على النحو الذي نراه الآن في العراق وليبيا وسوريا بقصد التدمير والتقسيم لتحقيق السيطرة والهيمنة على الدول المستهدفة، وللأسف فإن المستعمرين قد وجدوا من يساندهم في بناء أدوات الإرهاب وتجنيدها ممن يتخذون الدين ستاراً، وممن يتخذون مناصرة الحق قناعاً، فاتخذوا من التغرير والتضليل وسيلة لتلويث عقول الشباب والأطفال وأفكارهم وتغييب الوعي عنهم، وأسلوباً لتخديرهم وإيهامهم بجنان الخلد والفوز بالحوريات بعد نيل الشهادة، وبذلك نجحوا في إقامة قواعد الإرهاب على امتداد المنطقة بأسرها. المشكلة أن الغرب أدمن استخدام الدين والفكر التكفيري كسلاح لفرض هيمنته على منطقتنا، والمصيبة الأكبر أن هذا الغرب يظن أن الإرهاب التكفيري سيبقى خادماً لسياساته، ولم يخطر على باله أن هذا )الطفل الوحشي( عندما يكبر سيقتل ويفترس سيده، اسألوا باريس إن كنتم لا تصدّقون! الآن وبعد أن تنتهي عاصفة تفجيرات بروكسل، وبعد أن تهدأ المظاهرات المؤيدة والاستنكارات، ماذا سيفعل قادة أوربا؟ هل سيعترفون بأن الإرهاب التكفيري يشكّل خطراً على العالم كله؟ هل سيقرّون أن محاربة الإرهاب تتخذ الأولوية في أي فعالية دولية؟ هل سيقبلون أن يذكرهم أحد مستشاريهم أن الرئيس الأسد وقبل سنوات نبّه العالم إلى خطر الإرهابيين الذين يدعمهم الغرب وبعض دول الخليج وتركيا في سوريا؟ هل سيسمعون لمن يعيد على أسماعهم تحذيرات الرئيس الأسد للغرب بأن الإرهاب الذي يزرعونه ويموّلونه ويسلّحونه هو إرهاب سيدمّر كل حضارة ولن يكتفي بتدمير سوريا وحضارتها كما يظنّون؟ الثابت اليوم أن هناك مئات الإرهابيين الذين قدموا من بعض الدول الأوربية إلى سوريا ثم عادوا هاربين من ضربات الجيش العربي السوري ومحمّلين بمزيد من التكفير والإرهاب، وهؤلاء يشكلون قنبلة موقوتة لا نعرف متى تنفجر، وعلى الأنظمة الأوربية التي لا تتعلّم من التجارب ومن التاريخ أن تعيد النظر بتجربتها في أفغانستان، حين ارتدّ الإرهاب الذي رعته ودعمته عليها، وأن تنظر إلى أنه بعد انتهاء هؤلاء من مهمتهم ارتدوا على من دعمهم، وكانت أحداث 11 سبتمبر. ويجب أن يعرف الأوربيون أنّ ما تعرضت له سوريا منذ أكثر من خمس سنوات وما تتعرض له اليوم هو إرهاب عالمي لا يعرف دولة ولا يميّز بين شعب وآخر، وليس هدفه إسقاط الدولة السورية فقط بل هدفه تدمير العالم وبث الذعر والإرهاب في كل الدول الآمنة، وقد نرى هجمات أخرى في دول ثانية. وهجمات بروكسل وقبلها باريس وغيرها... هي ارتداد للأحداث الإرهابية التي تعرّضت لها سوريا على مدار السنوات الماضية. فالإرهاب الذي يضرب أوربا هو نتاج للسياسات الخاطئة التي اتبعتها دول أوربا مفضّلة المليارات من عقد الصفقات الكبيرة العسكرية منها وغير العسكرية على أمنها وأمن أوربا، تنفيذاً لشروط ورغبات الدول الرجعية الممولة لهذا الإرهاب المتنامي بشكل متسارع ومن تلك الشروط: تسهيل تجنيد وتدريب وتمويل وتسليح، وغض الطرف عن تهريب الإرهابيين عبر مطارات أوربا إلى الدول التي يراد لها، إما أن تكون طيّعة لسياسات تلك الدول الممولة والمسهلة التي تسهم وبشكل فعال بخدمة المشروع الصهيوني الهادف إلى إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين العربية، وإلا فإن أي نظام أو حكومة أو بلد يمتنع عن الإذعان والانصياع لسياسات ورغبات أمريكا بتسليم خيراته وخبراته ونفطه وغازه وثرواته لأمريكا وللعدو الصهيوني، عندها يتم إرسال واستعمال هذا الإرهاب بهدف التخريب وقلب النظام في الدول الممانعة والعمل على إسقاط رؤسائها وضرب اقتصادها وتهديم تراثها وسرقة آثارها وطمس تاريخها والعمل على التغيير الديموغرافي والسكني وتغيير جغرافيا البلد الممانع وتمزيقه وتفتيته وزعزعة الأمن وإثارة الفوضى فيه على مختلف أنواعها ومسمياتها تماما كما حصل في العراق وليبيا ومصر وسوريا. يبقى أمر الاعتراف بخطأ السياسات الغربية الرعناء التي اتُبِعت من حكومات الغرب وأمريكا تجاه شعبنا العربي عموماً والمسلم خصوصاً كان ولم يزل أحد الأسباب الأساسية لنشوء وتعاظم الإرهاب في بلادنا العربية وبالارتداد على داعميه في أوربا والعالم. والحقيقة الأكيدة هي أن الغرب قد احتضن التنظيمات الإرهابية واستخدمها حيث يشاء، معتقداً أنها أداة طيّعة، في يده يضرب بها الأرض والبلاد التي يريد ثم يعيدها إلى القمقم مرة أخرى. ولكنّ ما جرى هو أن هذا الإرهاب قد أصبح فرانكشتاين وتمرّد على خالقه وصانعه وبدأ يضرب في كل مكان وفق أجندته هو، وليس فقط وفق أجندة صانعيه ومحتضنيه. لعل الكثيرين بيننا يعتقدون أن أوربا لم تعد تلك الكيانات الهشة التي يمكن لنار الفتن أن تشعلها ببساطة. لكن هذا الاعتقاد ليس صحيحاً. فالجرائم المتبادلة التي يمكن أن يرتكبها متطرفون أو إرهابيون من طرفي المعادلة أو أطرافها يمكن أن تقود إلى نتائج في غاية الخطورة. وهنا لا بدّ وأن يثار السؤال حول حقيقة الطرف الذي يمكن أن يستفيد من تفجير الوضع في أوربا بالذات. من المؤكد أن الطرف الأساسي الذي يستفيد من تفجير الأوضاع في أوربا يتمثل في اليهود الصهاينة. فبمثل هذا التفجير تتحقق لهم أمور وأمور. وأبرز هذه الأمور هي: أولاً: الانتقام التاريخي من الأوربيين على ما يدعون من اضطهاد تعرض له اليهود في الماضي. ثانياً: حمل جزء من يهود أوربا تحت وطأة اضطراب أمن أوربا على الهجرة إلى فلسطينالمحتلة مما يساهم في تعزيز المخطط الصهيوني للتوسع بتوفير المزيد من الطاقة البشرية اليهودية المطلوب استقطابها. ولهذا وجدنا «بنيامين نتنياهو» يسارع إلى الإعلان عن ترحيب إسرائيل بكل يهودي أوروبي يرغب بالهجرة إليها وكأنه يقدم لليهود الأوربيين يد الإنقاذ بينما يعرف الجميع كم بذلت الحركة الصهيونية من محاولات لإغواء يهود أوربا وبخاصة فرنسا للهجرة إلى الكيان الصهيوني. ثالثاً: حمل المزيد والمزيد من المسلمين في أوربا على مغادرة أوربا تحت وطأة الفتن وما يرافقها من جرائم إرهابية. وسيكون هؤلاء نوعين: نوع ينشد الأمان بالعودة إلى وطنه الأصلي، ونوع يلتحق بالتنظيمات الإرهابية ليشكل عامل دعم لها. وهذا ما يهم الأطراف المتآمرة. رابعاً: إظهار اليهود الأوربيين وكأنهم شركاء لمسيحيي أوربا في التعرض لهجمات الإرهابيين الإسلامويين، ممّا يعزز التأييد الأوربي لأطماع الصهاينة التوسعية الهادفة إلى احتلال الأرض العربية الواقعة بين الفرات والنيل. حين نضع جملة الأمور السابقة في الاعتبار نستطيع أن نكتشف بسهولة أن هناك اعتبارات صهيونية جدية تتطلب في هذا التوقيت بالذات فتح الحرب الإرهابية في أوربا أو على أوربا. اليوم، لا يمكن لأي متابع أن ينكر، خوف الغرب من الإرهاب، إذ صار واقعاً معيشاً، فالإرهاب يهدّدهم، وينذرهم، ويتوعّدهم، وما على دوله إلا مدّ جسور التعاون الدولي للقضاء عليه ومكافحته، ليس بالأقوال وبالقرارات فقط، وإنما بالمكافحة الجدية عبر إيقاف كلّ أشكال الدعم له، والتخلّي عما سمّته «معارضات مسلحة معتدلة»، لأن المعتدل في الفكر والديمقراطية لا يحمل سلاحاً في مواجهة دولة... كما أن على الغرب أن يستيقظ من أحلامه الاستعمارية، ويدرك فعلاً أن مشروعه الاستعماري التدميري، لن ينجح في المنطقة. فهناك شبه إجماع في كواليس الأروقة السياسية والأمنية، بأن القدرات على التصدي للإرهاب تبقى محدودة طالما أن المجتمع الدولي لا يزال عاجزاً وغير قادر على استئصال أوكار هذا الإرهاب في سورياوالعراق البلدين الأكثر جذباً للمقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمات الإرهابية التي لا تزال قوية وقادرة على الصمود والتصدي والتخطيط نحو تنفيذ المزيد من العمليات الإرهابية بعد أن ثبت فشل إضعاف هذه التنظيمات الذي يؤكد الواقع بأنها لا تزال تحتفظ بكل قواها العسكرية والأمنية في سورياوالعراق والتأثير على مجرى حراك الإرهاب التكفيري المتنامي في سورياوالعراق والمحيط والجوار وصولا إلى أوربا. لقد أثبتت التفجيرات الإرهابية في بروكسل، بأن هناك حاجة ضرورية لبذل جهود استثنائية وغير مسبوقة لمواجهة هذا الإرهاب الذي نجح في تهديد قلب أوربا خصوصاً أن المعلومات الأمنية والاستخباراتية المتداولة في أروقة الأجهزة الأمنية الأوربية تجمع بأنه لا شيء يمنع من وقوع المزيد من الأحداث الإجرامية الإرهابية على الساحة الأوربية الشبيهة لما حدث في العاصمة البلجيكية سيما أن التقارير الأمنية والاستخباراتية تؤكد بأن المجتمع الأوربي بات هدفاً رئيسياً للعمليات الإرهابية وهذا الجو السائد في أروقة الأجهزة الأمنية الغربية كان محور اهتمام مشاورات واتصالات القيادات السياسية العليا أوربا التي أصبح قادتها على بينة واضحة بأنه عليهم أن يحضروا المجتمع الأوربي إلى حرب طويلة مع الإرهاب التكفيري.