لو أن المستشار عبدالعزيز الجندي يعتبر نفسه وزير العدل في حكومة ثورة حقا لتدخل بحسم لإيقاف جريمة اصطياد أسر الشهداء بالشيكات والتهديدات وشبكات السمسرة في الدم، واعتبر كل الصفقات التي تمت في هذه القضية كأن لم تكن. ولو أن النائب العام يري أنه مسئول عن تحقيق العدالة وحصول الشعب المصري علي القصاص العادل من قاتليه لفتح تحقيقا فوريا ناجزا في عشرات البلاغات التي تقدم بها ذوو شهداء الثورة بشأن ما يتعرضون له من مطاردات بإغواء المال أحيانا، وإرهاب القوة والنفوذ أحيانا أخري لكي يغيروا أقوالهم لصالح المتهمين بقتل أبنائهم. ولو أراد وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي أن يثبت جدية في تطهير وزارته من أمراء الانتقام من القيادات المستمرة في مواقعها حتي الآن لأمر بالتحري والتقصي والضبط الفوري لأولئك الضباط الذين يؤكد أهالي الشهداء والمصابين أنهم يتولون عمليات إجبارهم علي التنازل عن اتهام ضباط بالقتل، ويقودون بأنفسهم عمليات الوعد والوعيد. إن العديد من البلاغات المقدمة للنائب العام وعشرات الشهادات من أسر الضحايا تتحدث عن أن ضباطا يمارسون ضغوطا مباشرة وإرهابا صريحا عليهم لكي يبدلوا في أقوالهم أمام المحاكم لكي يفلت رجال الشرطة المتهمون من العقاب. إن سعر دم الشهيد في بورصة السمسرة علي الأرواح الطاهرة بلغ مليون جنيه وأكثر في السويس مدينة الشهداء علي مر العصور، ووفقا لما نقله لي الزميل سيد نون عن والدة الشهيد محمد أحمد يوسف فإن رجل أعمال هاربا من تهمة قتل 18 متظاهرا في السويس قام بمحاولة إغرائها عن طريق عرض مبلغ مليون ونصف المليون جنيه من أجل إقناعها بالتنازل وأن تغير أقوالها خلال جلسات المحاكمة، وعندما رفضت رفع العرض إلي 2 مليون جنيه. والأمر نفسه تكرر مع عشرات الأهالي الذين تقدموا ببلاغات إلي النائب العام أرفقت بالقضية 770 لسنة 2011 جنائية بالسويس المنظورة أمام القضاء حاليا وكلها تؤكد رواية إغواء رجل الأعمال الهارب وتهديده لذوي الضحايا عبر وسطاء تابعين له. ومن السويس إلي الإسكندرية إلي القاهرة إلي محافظات الصعيد سيناريو متكرر، شبكات سمسرة علي دم الشهداء تضم ضباطا ومحامين ومدعي فتوي تنشط في ملاحقة أسرهم بكل الوسائل للتلاعب بالقضايا، وقد نجحوا بالفعل في إجبار بعض الأسر علي التنازل. ومن أسف أن هذا كله يحدث وأجهزة الدولة تكتفي بالفرجة، وكأن الضحايا ليسوا شهداء أنبل ثورة في تاريخ مصر، وكأنهم سقطوا قتلي في خناقة بين الجيران لأن الغسيل 'بينقط علي بلكونة السكان اللي تحت' أو أنهم قتلوا في معركة حامية الوطيس بسبب لعب العيال. لقد روي شقيق أحد الشهداء قصة ترغيب وتهديد أسرته للتنازل عن حق ابنها في منطقة الهرم وذكر أسماء ضباط بعينهم في أقسام شرطة، وذلك علي الهواء مباشرة في برنامج 'بلدنا بالمصري' مع ريم ماجد مساء أمس الأول.. فهل سيتحرك أحد من سادتنا الذين صعدوا إلي منصة الحكم بسبب دماء هؤلاء الشهداء؟ إن أبسط مبادئ الاتساق مع قيم ومبادئ الثورة التي يقولون إنهم حماتها ومديروها أن يتخلوا عن موقف المتفرج ويدركوا بأن هؤلاء شهداء مصر وأن قضيتهم لا تخص أسرهم فقط.. وليس من قبيل التجني علي أحد أن يقال إن الصمت هنا نوع من المشاركة في جريمة السمسرة علي الدم.