طرح المجلس الأعلي للقوات المسلحة مشروع قانون مجلس الشعب للحوار حوله قبل إقراره في سابقة محمودة لم تتكرر من قبل في حالتي قانون الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية. والقانون كما طرح في المشروع المقدم يبدو واضحا من النظرة الأولي أنه مضطرب المضامين والصياغات ولا يضع ملامح محددة للنظام الانتخابي الذي كان أغلب المصريين يطمحون إليه في أول انتخابات برلمانية حرة ونزيهة بعد ثورتهم العظيمة. ••• فالملاحظة الأولي علي المشروع أنه يطرح نظاما انتخابيا 'غامضا ومشوشا' لانتخابات مجلس الشعب وحده وليس مجلسي البرلمان، الأمر الذي يضعنا مرة أخري أمام تعدد الأنظمة الانتخابية للمجالس المنتخبة في البلاد، حيث من الواضح أن هناك اتجاها للإبقاء علي النظام الفردي في انتخابات مجلس الشوري، بينما يبدو نظام انتخابات المجالس الشعبية المحلية غير معروف ما بين الفردي والقوائم أو الخليط بين الاثنين. وقد كان من الأفضل في كل الأحوال أن تخضع انتخابات مجلسي البرلمان لنظام انتخابي واحد بغض النظر عن موعد إجراء كل منهما، وهو ما يستلزم أن يشمل مشروع قانون النظام الانتخابي قانوني مجلسي الشعب والشوري وليس مجلس الشعب وحده كما جاء في مشروع القانون المقدم من المجلس الأعلي للقوات المسلحة. ويقترح هنا أن يفرد قانون خاص بالنظام الانتخابي للمجلسين معا، علي أن يبقي كل من قانوني مجلس الشعب ومجلس الشوري قائمين بحيث يعالج كل منهما التفاصيل والموضوعات الخاصة بكل منهما والمنفصلة في جوهرها عن الآخر. ••• أما الملاحظة الثانية علي مشروع القانون فهي تقسيمه لمقاعد مجلس الشعب انتخابيا لثلثيها بالنظام الفردي وثلثها لنظام القائمة المغلقة الحزبية أو المستقلة. فليس فقط أن إفراد هذه النسبة العالية للمقاعد الفردية سيؤدي إلي استخدام كثيف للمال والعصبية والعنف للحصول عليها، ولكنه أيضا سيؤدي إلي منح فرص أكبر وأوسع لبقايا قيادات الحزب الوطني المنحل في المناطق الريفية والشعبية لكي ينفذوا عبره بصورة مؤكدة إلي مقاعد مجلس الشعب. أيضا لا يخفي علي متخصص أو هاو أن منح النظام الفردي هذه النسبة العالية من المقاعد سيكون عقبة حقيقية أمام تطور وبلورة التشكيلات الحزبية الوليدة في البلاد بعد الثورة وسيحرمها من إمكانيات كبيرة يمكن لنظام القائمة أن يمنحها لها لكي تستكمل خطواتها نحو التحول لأحزاب سياسية حقيقية وفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية المصرية. أيضا فإن مشروع القانون في جعله المحافظة كوحدة أساسية لتقسيم المقاعد بين النظام الفردي والقائمة قد جانبه الصواب والمعلومات، حيث إن هناك عددا كبيرا من المحافظات التي لايحتمل عدد المقاعد المخصصة لها القسمة علي ثلاثة، مثل القاهرة ذات الخمسين مقعدا والدقهلية ذات الاثنين والثلاثين وقنا ذات الستة عشر، فكيف سيمكن فيها تحقيق نسبتي الثلث والثلثين؟ وأي النظامين سيحظي بزيادة نسبته عن الآخر عند تعذر القسمة علي ثلاثة؟ وهل سيكون دستوريا أن تكون هناك اختلافات بين المحافظات في نسبة المقاعد المخصصة في كل منها للنظام الفردي أو لنظام القوائم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها كثير تضع شكوكا هائلة حول دقة مشروع القانون ودستوريته وقدرته علي تحقيق الشفافية والنزاهة المطلوبة في أول انتخابات للبرلمان بعد ثورة يناير العظيمة. ••• إن طرح مشروع القانون بهذه الصياغات المضطربة والملامح الغامضة يدفعنا إلي إعادة طرح بديل له سبق أن نشرناه تفصيلا في جريدة 'الشروق' قبل نحو شهر وهو يقوم علي إجراء الانتخابات بنظام القائمة المفتوحة وحدها دون خلط مع النظام الفردي ويصلح لأن يكون نظاما واحدا لانتخابات مجلسي الشعب والشوري علي حد سواء. ويقوم النظام المقترح علي أساس الأخذ بالدوائر الحالية لمجلس الشوري وعددها 88 دائرة لتكون هي نفسها الدوائر الجديدة لانتخابات مجلس الشعب، علي أن يتم دمج كل اثنتين منها في دائرة واحدة في حالة انتخابات مجلس الشوري لتصبح 44 دائرة علي مستوي الجمهورية. ويتحدد عدد المقاعد للدائرة الواحدة سواء لمجلس الشعب أو الشوري بستة مقاعد مما يجعل عدد أعضاء الأول 528 عضوا والثاني 264 عضوا منتخبا، وهو ما يعني زيادة عدد أعضاء المجلس الأول والإبقاء علي عدد الثاني كما هو مع جعل جميع مقاعده منتخبة. في ظل هذا التقسيم الجديد للدوائر يفتح باب الترشيح فيها لعضوية مجلس الشعب وفقا لنظام القائمة المفتوحة والتي يكون الحق في تشكيلها متساويا للأحزاب وللأفراد المستقلين علي حد سواء. ويعني ذلك أن يكون من حق الأحزاب أن تتقدم بقوائم مرشحيها الأصليين والاحتياطيين في كل من الدوائر الجديدة بعد اعتمادها من قياده الحزب الرسمية، بالإضافة إلي إعطاء نفس الحق لأية مجموعة من المواطنين في تشكيل قوائم انتخابية بمرشحين أصليين واحتياطيين في نفس تلك الدوائر. ولعله لا يخفي التوافق التام لهذا النظام في تشكيل القوائم مع تساوي الفرص بين جميع المواطنين في الترشيح لعضوية مجلس الشعب، كذلك فمن شأن هذا النظام علي الصعيد السياسي أن يثري التجربة الديمقراطية حيث يحول المنافسات الفردية علي عضوية مجلس الشعب والقائمة في معظمها علي أسس شخصية إلي منافسات موضوعية تقوم علي أسس البرامج الانتخابية والتوافقات السياسية سواء للأحزاب أو للقوائم الفردية. ••• ولاشك انه في المرحلة الأولي لتطبيق هذا النظام فإن تشكيل القوائم الانتخابية غير الحزبية سوف تكتنفه صعوبات عديدة تتعلق بالمنافسة بين الأفراد علي احتلال المواقع الأولي في تلك القوائم وغير ذلك من صور المنافسة الفردية التي تعودوا عليها خلال التجارب السابقة، إلا أن كل ذلك سيكون مرشحا للاختفاء في المدي المتوسط مفسحا الطريق لاعتبارات أخري أكثر موضوعية وسياسية لتشكيل تلك القوائم. وفي هذا الإطار يمكن للنظام الانتخابي الجديد أن ينص علي إمكانية قبول القوائم الانتخابية الحزبية وغير الحزبية حتي لو لم تضم عددا من المرشحين الأصليين والاحتياطيين مساويا لعدد مقاعد مجلس الشعب المخصصة للدائرة التي يتم التقدم فيها. ولكي يتم ضبط هذه المسألة ضمن حدود الجدية المطلوبة فمن الممكن اشتراط ألا يقل عدد المرشحين في القائمة الحزبية أو غير الحزبية عن ثلثي عدد المقاعد المخصصة للدائرة، أي أربعة مرشحين. ومن شأن هذا التسهيل أن يعطي للأفراد الجادين في المنافسة القدرة علي التشكيل قوائم حقيقية وليست مصطنعه لمجرد استكمال العدد، الأمر الذي يوفر مناخا أكثر جدية وديمقراطية للمنافسة خصوصا مع وجود الحد الأدني لعدد المرشحين المشار إليه. ويفيد ذلك الأمر أيضا كثيرا من الأحزاب الصغيرة التي يجد بعضها صعوبات جمة في استكمال قوائم مرشحيه بصوره جادة، أما عن الأحزاب الأكبر فإن ذلك التسهيل يعطي لها حرية حركة كبيرة في إدارة تحالفاتها السياسية والانتخابية مع القوائم المختلفة خاصة مع توافر شرط الثلثين كحد ادني لعدد المرشحين. علي الأساس السابق تجري الانتخابات بين القوائم المختلفة والتي يتم إعدادها وفقا للنص الدستوري الخاص بنسبه ال50% للعمال والفلاحين حيث يشترط لقبولها أن تطبق تلك النسبة علي مرشحيها الأصليين والاحتياطيين. ويتم احتساب النتائج علي أساس قسمة عدد الأصوات الصحيحة في كل دائرة علي عدد المقاعد المخصصة لها لتحديد عدد الأصوات الضروري الحصول عليها للفوز بمقعد واحد، بحيث تحصل كل قائمة علي المقاعد الذي يؤهلها لها عدد الأصوات التي حصلت عليها. أما عن الشروط الدستوري الخاص بنسبه ال50% المخصصة للعمال والفلاحين فيتم تطبيقه أولا علي قوائم المرشحين بحيث لا تقبل منها سوي التي يتوافر فيها ذلك الشرط، وتأتي المرحلة الثانية لتطبيق ذلك النص مع فرز الأصوات. ويمكن في هذا النظام أن يضاف شرط احتواء كل قائمة حزبية أو مستقلة علي مرشحة واحدة من النساء علي الأقل لقبول القائمة، وهو ما يوفر للمرأة فرصة جدية للمنافسة في الانتخابات البرلمانية دون أن يأخذ ذلك شكل الكوتة المخصصة لها كما كان الوضع سابقا