أمام مشيخة الأزهر وقف عشرات الآباء يحملون لافتات ضد قوانين الأسرة وظلم قانون الرؤية، ومعها صور لأطفالهم، حيث يؤكدون أن القانون حرمهم منهم ويتمهم وآباؤهم احياء وقف الآباء لساعات ينتظرون قرارات وآراء يصدرها مجمع البحوث الاسلامية وعلماؤه في قانون الرؤية الذي أرسله وزير العدل إلي شيخ الأزهر لمعرفة رأي الأزهر في هذا القانون ومدي اتفاق بنوده مع الشرع فيما يتعلق بسن الحضانة وساعات الرؤية والاستضافة والولاية التعليمية. حيث انعقدت جلسة طارئة لمجمع البحوث الاسلامية بالأزهر يوم السبت الماضي استمرت لما يقرب من 6 ساعات متواصلة وسط حالة من التوتر والترقب والقلق انتابت الآباء الذين ينتظرون كلمة الأزهر، خاصة بعدما أصابتهم حالة من الغضب، دخل بعضهم علي إثرها في إضراب عن الطعام بعد أن أكد المجمع في جلسته السابقة التي عقدت في الخامس من مايو موافقته علي ما هو قائم في القانون الحالي فيما يتعلق بسن الحضانة وهو 15 عاما للولد وللبنت حتي الزواج، وهو مايري فيه الآباء إجحافًا وظلمًا لهم جعل بعضهم يلجأ إلي الاعتصام والإضراب عن الطعام وتطور الأمر إلي قطع طريق صلاح سالم، بينما لجأ البعض إلي تقديم بلاغات للنائب العام يطالبون فيها بالتحقيق مع شيخ الأزهر والمفتي لتباطؤهما - علي حد قول الآباء - في إصدار القرار ومخالفتهما الشريعة من خلال إقرارهما رفع سن الحضانة إلي 15 سنة والمطالبة بعزلهما وإنشاء لجنة تأسيسية لانتخاب رئيس جديد للأزهر. مؤكدين أن اللجنة الحالية لمجمع البحوث هي التي أقرت رفع سن الحضانة إلي 15عاما في عام 2007، ولن تعترف بأنها كانت مخطئة في قرارها الأول. وقد شهدت الجلسات الثلاث التي تمت مناقشة هذه القرارات فيها جدلا ونقاشا وخلافا كبيرا بين أعضاء المجمع، واستمرت جلسة السبت الماضي مايقرب من ست ساعات متواصلة، وخلال الجلسات السابقة رأي بعض أعضاء المجمع ان يتم ترك تحديد سن الحضانة لتقدير كل قاض تبعا لكل حالة، وهو ما اعترض عليه بعض الأعضاء مؤكدين ضرورة توحيد المذهب الذي سيتم طبقا له تحديد السن حتي لا يختلف بين حالة وأخري، بينما عرض البعض ان تتم كتابة هذه التفاصيل في عقد الزواج لتحدد في حالة الطلاق أي الاطراف سيكون حاضنا للطفل ومدة الحضانة وغيرها من التفاصيل، وهو مالاقي اعتراضات تؤكد ان هذا إذا حدث سيتحول عقد الزواج الشرعي إلي عقد مدني، بينما أكدت آراء أخري أن الخروج من هذا المأزق يكون بإقرار سن البلوغ للطفل الذكر أو الأنثي دون تحديد هذا السن، وان يتم ذلك برجوع القاضي إلي المتخصصين في كل حالة لتحديد ما إذا كان الطفل أو الطفلة وصلا إلي سن البلوغ أم لا، أو أن يتم الرد علي وزارة العدل بعرض الآراء الفقهية المختلفة دون ترجيح المجمع أياً منها، ليأخذ المشرع بما يراه منها، حيث اجتمعت آراء ابن حنبل وأبو حنيفة والشافعي علي ان تكون سن الحضانة هي سن التمييز للولد 7 سنوات وللبنت 9 سنوات، بينما رأي الامام مالك ان يكون بوصول الطفل إلي سن البلوغ. وانتهي رأي المجمع في الجلسة قبل الأخيرة إلي التمسك بما هو قائم بالقانون الحالي وهو 15 سنة للولد وللبنت سن الزواج، وهو ما كان قد وافق عليه المجمع عندما تم عرض مشروع القانون عليه قبل إقراره عام 2007، بينما أرجأ المجمع مناقشة مايتعلق بالرؤية والاستضافة والولاية التعليمية، وهو ما أدي الي غضب الآباء الذين تجمعوا مرة أخري أمام المشيخة في انتظار ما سيصدر عن المجمع في هذه الأمور خلال الجلسة الطارئة التي عقدت السبت الماضي، والتي شهدت جدلا واسعا حيث اكتشف اعضاء المجمع ان القانون الصادر الذي استطلع فيه المجلس القومي للطفولة والأمومة رأي المجمع عام 2007 حدثت فيه بعض التغييرات والتعديلات علي ما أقره المجمع بخصوص بعض المواد، حيث كان رأي المجمع فيما يخص استضافة الطفل أنه لا مانع من ان يستضيف الطرف غير الحاضن الطفل بموافقة الطرف الحاضن، بينما صدر القانون ليضيف علي هذه العبارة شرطا وهو بعد بلوغ الطفل سن 10 سنوات، كما أن المجلس كان يتحايل في صياغة الأسئلة التي يطلب الاجابة عنها من علماء الأزهر ليتخذها دليلاً علي موافقة القوانين للشريعة الاسلامية، فكان من هذه الأسئلة 'هل هناك مانع من ان تستمر حضانة الطفل حتي سن 15 عامًا '، فتكون الاجابة بأنه ليس هناك مانع شرعي. وهو سؤال تم طرحه علي الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر حين كان مفتيا للجمهورية. بالاضافة إلي أنه فيما يخص الولاية التعليمية فإنه لم يتم أخذ رأي المجمع فيها قبل إقرارها في التعديلات، وهو ما دفع المجمع في جلسته التي عقدت السبت الماضي إلي أن يطلب رأي المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية وبعض مراكز الاسرة للمطابقة بين ما توصلت إليه من دراسات واحصائيات بشأن مسألة الولاية التعليمية والمشكلات الناجمة عنها. وبعد انتهاء الجلسة صرح الشيخ علي عبد الباقي أمين عام مجمع البحوث الاسلامية بأن المجمع لم يرد بعد علي وزارة العدل وأن دراسته للموضوع لم تكتمل، وإن كان هناك بعض النقاط التي سيطلب فيها المجمع رأي الجهات البحثية مثل مركز البحوث الجنائية والاجتماعية للمطابقة بين ما توصلت اليه الدراسات علي الواقع وبين آراء الفقهاء القدامي، مؤكدًا ان المجمع يتمسك برأيه السابق الذي أدلي به عند عرض القوانين عليه فيما يخص سن الحضانة والاستضافة والرؤية، أما الولاية التعليمية فإنها ستخضع لدراسة اللجنة الفقهية بالمجمع بعد معرفة رأي المراكز البحثية مؤكدا أنه حدث خلط بين ماتم إقراره في القانون الحالي وبين رأي الازهر الذي كان له تحفظ علي ثلاث مواد من هذا القانون، ولم يفصح أمين عام المجمع عن البنود التي تحفظ عليها المجمع عند عرض القانون عليه والتي لم يتم الأخذ بها، وعندما سألناه: هل كان رأي الأزهر ان تكون سن الحضانة 15 سنة للولد وحتي سن الزواج للبنت؟ أجاب أمين المجمع بالنفي مؤكدا تمسك الأزهر برأيه السابق حين تم عرض القانون عليه دون ان يعلن عن هذا الرأي!! تفاصيل ما حدث في جلسات المجمع، وإرجاء حسم هذه الأمور، وحالة الترقب التي تعيشها كل أطراف النزاع علي قضايا الحضانة والرؤية والاستضافة والولاية التعليمية وغير ذلك من قوانين الأسرة تجعلنا نتوقع أن الأزهر لن يحسم هذه القضايا ولن يبدي الرأي القاطع فيها في الفترة الحالية أو في القريب العاجل، إما لعدم الوقوع في الحرج خاصة مع حالة الضغط والغضب السائدة في الشارع المصري، وحتي لا يصدر رأيه تحت هذه الضغط، أو لاختلاف آراء أعضائه حول هذه القضايا، أو لمحاولة امتصاص الغضب الشعبي وعدم إثارة غضب أي طرف من الاطراف في المرحلة الحالية. وهو ما يبدو واضحا بإرجاء هذه القضايا حتي يتم التعرف علي رأي الجهات البحثية، وهو ما لن يحدث قبل عدة أشهر خاصة أن المجمع يوشك علي الاقتراب من إجازته السنوية التي تمتد إلي شهرين أو أكثر، وقد يكون في ذلك محاولة للأزهر كي يخرج من هذا المأزق. رغم أن هناك فتاوي سابقة صادرة عن دار الإفتاء عالجت بعض هذه الأمور وأجابت عن أسئلة مشابهة، ومن هذه الفتاوي ما يرفعها الآباء ليؤكد ظلم القانون ومخالفته الشرع ويطالبون بإقرارها ضمن قانون الرؤية، ومنها الفتوي المقيدة برقم 928 لسنة 2007 والثانية المقيدة برقم 2071 لسنة 2008، والثالثة المقيدة برقم 16 لسنة 2009 وجميعها تأتي في شأن تنظيم أوقات رؤية المحضون وزيادة أوقات الرؤية، وتشير إلي أهمية وشرعية حق زيارة المحضون لأبيه غير الحاضن في الاجازات وعطلات الاسبوع حتي لا تترك الحضانة ساحة لكيد الحاضنة لطليقها مما يضر بالصغار، وكذلك الفتاوي التي تؤكد حق الجد والجدة والأعمام والعمات في رؤية الطفل في حياة الاب ووجوده في بلد المسكن. أما أهم هذه الفتاوي التي تفصل في مسألة الولاية التعليمية فهي الفتوي الصادرة عن دار الافتاء والمقيدة برقم مسلسل 3538 لسنة 2004، أي في عهد الدكتور علي جمعة والتي تؤكد أن الأب هو صاحب الولاية الكاملة علي الصغير وله السلطة علي أبنائه في اختيار المدارس والتعليم وأي شئ يتعلق بالصغير حتي وإن كان في سن الحضانة، وأشارت الفتوي إلي أن الحضانة التي للأم إنما هي لرعاية الصغير والاعتناء به وأنه يستحب الاتفاق بالتفاهم بين الوالدين في شأن التعليم وإذا حدث نزاع بينهما، فالأمر يكون بيد الأب.