اعتدنا على تقصير المسئولين، وهُم استأنسوا تقريعنا، فالقاعدة عند المسئول هى التقاعس، والأصل فى المواطن هو التذمر.. فهذا هو الطبيعى وخلافه يُعَد من الظواهر الكونية التى تأتى مرة كل عدة قرون، وأقصى ما يحدث فيها أن يؤدى صاحب المنصب دوره بذمة.. أما أن يقوم بمهامه كاملةً ثم يبادر بفتح ملفات ليست فى دائرة اختصاصه فذاك أمر يبدو من علامات الساعة. وهو ما تفعله وزيرة الهجرة وشئون المصريين بالخارج.. تلك الوزارة التى فُصِل كرسيها فى عهد مبارك ليجلس عليه وزير مسيحى ذرًا للرماد فى عيون الأقباط بالخارج والداخل، ومنذ إنشائها وهى مجرد كيان استشارى حيث ظلت )وزارة دولة(، ولم ترقَ لمستوى وزارة ذات صلاحيات فعلية إلا مرتين، الأولى عقب ثورة يناير مع )انهيار الدولة(، والثانية فى التشكيل الأخير حال )انتفاض الدولة(. أيقنت «نبيلة مكرم» أن المنصب لم يعد ديكور للنظام وأنها لم تُستدعَ لسد خانتى المرأة والأقباط كالمعتاد، فبدأت بتدشين وزارة لم يكن لها وجود، وبسرعة وتنظيم تحركت فى كل اتجاه.. بدت شراهتها فى تحقيق أهداف محددة ومتنوعة وكأنها كانت ترصدها من قبل وتتخيل كيف تدركها لو أن الأمر بيدها.. وزيرة بمكتب متنقل تحط به فوق رأس المشكلة.. فى عَمان تساند عاملاً اعتدى عليه نائب أردني.. وتعود لتبحث أسباب حادث جمرك عَمان، تطمئن على المصابين، وتصل إلى القاهرة مصطحبة جثامين المتوفين، وتطالب بتعجيل صرف مستحقاتهم.. تهبط فى الكويت لاستبيان ملابسات واقعة دهس المواطن المصرى، مُحَذرة بدبلوماسية: «فى مصر مابنعزيش غير لما ناخد حق الميت».. وعقب هجمات باريس تلتقى أقارب الشاب المصرى ضحية الأحداث، وتقدم العزاء لأسرته، وتتابع حتى وصول رفاته.. ومع البحرين تنسق لصرف سُلَف للمعلمين لحين حصولهم على رواتبهم، وتتشاور لتسهيل استقدامهم للعمل هناك.. وتتفاوض مع جميع دول الخليج لحل مشاكل تأمينات ومعاشات المصريين العاملين بها سواء الدائمين أو المؤقتين. ومع انطلاق الانتخابات البرلمانية تطير إلى أستراليا للتعرف بأنشطة المهاجرين المصريين وحثهم على التصويت، فى أول زيارة لمسئول مصرى منذ عشرين سنة. «خلّوا شتانا السنه دى مصرى» حملة لإنعاش السياحة تتوجه بها إلى المصريين بالخارج.. وبعبارة «مصر محتاجة لاستثماراتكم» تخاطب رجال الأعمال منهم، وتتفاوض مع البنك المركزى لتسهيل تحويلاتهم. آلاف القُصَّر المهاجرين بطرق غير شرعية لينشلوا أسرهم من أنياب الفقر تناشدهم الوزيرة من المنيا: «أُمكم مصر بتقولّكم ارجعوا عشان محتاجاكم».. تتواصل مع 40 من الأطباء المهاجرين لتقديم العلاج بمصر.. وبالتعاون مع وزارة الثقافة تطلق حملة بالخارج لنشر الإسلام الوسطي، وتبديد صورته الملتصقة بأذهان الغرب بسبب عنف المتطرفين. أخيرًا يا مصر أصبح لدينا وزير يقتحم المشاكل بتكليف من نفسه، ولا ينتظر حتى يتأكد مما إذا كانت تقع ضمن مسئولياته، أم مسئولية الخارجية، أم العمل، أم الصحة، أم الشباب، أم السياحة، أم التضامن، أم الاستثمار، أم الثقافة، أم الأزهر. [email protected]