فى لقائه مع الصحفيين والجاليات المصرية فى أوروبا أثناء زيارته الأخيرة لبرلين، صرح الرئيس عبدالفتاح السيسى عن نيته تشكيل وزارة للمصريين بالخارج. وعلى الرغم من أن القرار بإنشاء الوزارة لم يصدر رسميا، إلا أنه ومنذ ذلك التصريح تضاربت الآراء بين مرحب للفكرة، على أساس أن الوزارة الجديدة ستتولى مهمة رعاية هذا الملف المهم الذى تاه وسط عدة مؤسسات ووزارات. وبين متشكك فى أن يكون إنشاء وزارة للمصريين بالخارج سيغير شيئا من الأداء الحكومى المتعثر فى التواصل مع الجاليات المصرية فى الخارج على مدى عقود. كما أن إنشاء وزارة للمصريين بالخارج ليست فكرة جديدة، بل سبق أن اختبرت الحكومات المصرية المتعاقبة هذه الفكرة طوال عقد الثمانينيات وانتهت فى نهاية المطاف بالإلغاء. خبرة ماضية فقد أنشئت وزارة الهجرة والمصريين بالخارج فى عام 1981 وتولى مهامها الوزير ألبرت برسوم سلامة. وقد توالى عليها عدة وزراء كان أخرهم المفكر القبطى فؤاد إسكندر. ولم تكن مصادفة أن يكون كل وزراء الهجرة والمصريين فى الخارج من المسيحيين، كما لو كان الهدف هو تمثيل الفئات المهمشة مثل الأقباط فى الحكومات المختلفة. فقد كان الهدف من إنشاء الوزارة فى ذلك الوقت واضحا، حيث لم يكن الهدف هو التواصل مع المصريين العاملين فى الدول العربية والذين كانوا يتواصلون بشكل دورى مع وزارة الخارجية المصرية من خلال السفارات والقنصليات وأيضا مع وزارة القوى العاملة. والأهم أن صلاتهم بمصر لم تنقطع لأن المصريين المقيمين بالدول العربية كانوا فى أغلبهم عمالة مؤقتة يقومون بتحويل مدخراتهم سواء فى شكل ودائع بنكية أو مصروفات، وخاصة فى موسم الصيف أو فى شراء الأصول داخل مصر. أما المشكلة كانت فى التواصل مع المصريين المهاجرين إلى الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا، والذين فقد كثير منهم الاتصال بمصر وكثير منهم اقباط، فعلى هذا كانت الرؤية فى ذلك الوقت هو أن اختيار وزير قبطى سيسهل إتمام عملية التواصل وتقوية روابط الانتماء من جديد. وقد كان الهدف من التواصل هو تقوية الروابط بين هؤلاء المواطنين المهاجرين بمصر وجذبهم للرجوع الى وطنهم من فترة الى أخرى كسائحين أو مستثمرين أو مانحين أو مشاركين بإمكاناتهم العلمية والاقتصادية. وقد أكد المفكر فؤاد إسكندر فى حديث لبعض وسائل الإعلام فى عام 2012 عن فلسفة وجود وزارة تسعى لتعزيز انتماء الجاليات المصرية فى الخارج بوطنهم والاستفادة منهم: «لابد أن تكون على أساس أن هؤلاء المصريين يمثلون جماعات مصرية خرجت من مصر، يمكن أن يمثلوا إضافة بشرط أن تكون هنا كمصالح متبادلة، يعنى ليس هناك شيء اسمه أعطنى انتماء من دون مقابل لهذا الانتماء». أهداف حالية حتى هذه اللحظة لم يصدر توضيح من مؤسسة الرئاسة يحدد اختصاص وزارة المصريين بالخارج المزمع انشاؤها. أو تصريح أكثر تفصيلا حول الهدف من إنشاء الوزارة. فهل الغرض هو إعادة الوزارة السابقة التى تم إلغاؤها فى عام 1990، أم أن هناك فلسفة جديدة وأهدافا جديدة من إنشاء الوزارة فى الوقت الراهن.. أهداف جديدة ترتبط بطبيعة المرحلة التى تمر بها البلاد، والتى يمكن إيجازها فى هدفين رئيسيين، هما: أهداف اقتصادية: على الرغم من كم الدعاية والدعوات التى وجهها النظام المصرى الحالى إلى المصريين بالخارج للمساهمة فى بناء مصر من خلال التبرع أو الاستثمار المباشر داخل مصر، إلا أن العائد الحقيقى لا يرقى لحجم ما يستطيع ان تقدمه الجالية المصرية فى الخارج. ومن ثم، يصبح من المنطقى بل والحتمى وجود جهة تكون مسئولة عن التواصل مع المصريين فى الخارج بهدف الدعاية والترويج والتسهيل لجذبهم كمستثمرين فى هذه المرحلة. أهداف سياسية: من المؤكد أن النظام المصرى الحالى يخوض معركة خارجية شرسة أمام لوبى إخوانى دولى يعمل بحرية فى الدول الأوروبية والولاياتالمتحدةالامريكية بهدف التشكيك فى شرعية النظام الحالي. ومن ثم، يبدو أن النظام المصرى فى حاجة شديدة للتواصل مباشرة وبقوة مع المصريين بالخارج، وخاصة المقيمين فى الدول الغربية، وهم فى أغلبهم مزدوجو الجنسية لتشكيل لوبى حقيقى مؤيد للنظام الجديد فى مصر، ويوضح السياسة الداخلية والخارجية للنظام المصرى وعن شرعيته داخل هذه الدول. ويغنى الرئيس عن اصطحاب مؤيدين فى رحلاته إلى الدول الأوروبية أو الولاياتالمتحدة فى المستقبل. وبناء على ما اذا كان الهدف أحدهما أو كليهما وستتحدد صلاحيات الوزارة الجديدة وهوية أول وزرائها. وهل سيكون التعامل مع المهاجرين فى الدول الأجنبية أم أيضا مع المصريين المقيمين إقامة دائمة أو مؤقتة فى الدول العربية؟ ومن ثم، يتبادر سؤال مهم جدا هل سيترتب على انشاء الوزارة الجديدة تضارب أو تداخل أو تكرار فى المهام بين الوزارات؟ تداخل الهياكل فى اللحظة الراهنة وبينما نتوقع إعلان تشكيل وزارة المصريين بالخارج وفقا لإعلان الرئيس السيسى عن هذا الأمر فى العاصمة الألمانية برلين، يتولى رعاية شئون المصريين بالخارج أكثر من جهة، وهى: أولا: وزارة القوى العاملة والهجرة: وهى المسئولة عن التشغيل وعلاقات العمل والتدريب المهنى ورعاية القوى العاملة وإدارة السلامة والصحة المهنية وعلاقات العمل الخارجية. وبها قطاع شئون الهجرة والمصريين بالخارج. والوزارة لم تكن معنية منذ نشأتها بشئون الهجرة، حتى أضيفت لها مهمة الهجرة فى مرحلة لاحقة بعد إلغاء الوزارة، وانتقال هذا الملف إلى وزارة الخارجية أولا ثم القوى العاملة لاحقا. وقد صرح المتحدث الرسمى لوزارة القوى العاملة والهجرة هيثم سعد الدين، بأن «الوزارة الجديدة المقترح إنشاؤها من قبل الرئيس السيسى لتولى شئون المصريين بالخارج، لم تسلب دور وزارة القوى العاملة بخصوص العاملين المصريين فى الخارج، ولكن ستتولى شئون المهاجرين والمقيمين بالخارج والحاصلين على جنسيات أجنبية وعربية، أما وزارة القوى العاملة فتتولى نقطة التشغيل وفرص العمل التى تتاح للمصريين بالخارج، باعتبار أن وزارة القوى العاملة هى المعنية بمتابعة أوضاع العمالة بالداخل أو الخارج، كما أنها الجهة المنوط بها الموافقة على سفر أى عامل مصرى للعمل خارج البلاد». وهو تصريح يؤكد أهميتها للتعامل مع الجالية المصرية فى الدول الغربية، والذين يعتبرون مواطنين مزدوجى الجنسية. ثانيا: وزارة الخارجية: التى تقدم الخدمات القنصلية عن طريق البعثات الدبلوماسية والقنصلية المصرية، إضافة إلى شبكة مكاتب الخدمات القنصلية التابعة لوزارة الخارجية والمنتشرة فى جميع أرجاء جمهورية مصر العربية. وبعد ثورة يناير تولت الوزارة مهمة الإشراف على انتخابات المصريين بالخارج، وقد كانت هى الجهاز المصرى الوحيد الذى تولى إدارة عملية انتخابات المصريين بالخارج بجميع مراحلها. ثالثا: اتحاد المصريين بالخارج: الذى تأسس فى عام 1988، ويعد أحد إنجازات وزارة الهجرة والمصريين بالخارج. له الآن 187 فرعا وعددا من الأندية والروابط الاجتماعية فى دول كثيرة من العالم. وقد كان قرار تأسيسه فى البداية أن يرأسه وزير او موظف حكومى، حتى جرى توفيق أوضاع الاتحاد طبقا لقانون الجمعيات الأهلية وجرت انتخابات لمجلس الإدارة. الخبرات الدولية وفى محاولة لرصد الخبرة الدولية فى إنشاء وزارة للمواطنين المهاجرين أو العاملين فى الخارج، تم التوصل إلى التالى: معظم الدول ليس لديها وزارة أو هيئة مستقلة تختص برعاية مصالح المواطنين بالخارج. ولكن غالبا ما تكون هذه المهمة مسئولية إدارة الهجرة داخل وزارة الخارجية. وفى حالات بسيطة يتم إسناد هذا الملف إلى وزارة أخرى، مثل السويد على سبيل المثال لديها ما يعرف ب «وزارة العدل والهجرة»، أو ما هو قائم فى مصر حتى الآن «وزارة القوى العاملة والهجرة». فى حالات محدودة تتشكل وزارة مخصصة للهجرة، ولكن المقصود بها ليس رعاية مصالح المواطنين بالخارج بل بالعكس تنظيم التعامل مع المهاجرين القادمين الى الدولة. والمثال الأوضح هو استراليا التى أنشأت «وزارة الهجرة وحماية الحدود» منذ عام 1945. أما الدول التى أنشأت وزارة او هيئة مستقلة لرعاية شئون مواطنيها فى الخارج والتواصل معهم، فهى فى الغالب الدول التى تمتلك عددا كبيرا من المهاجرين حول العالم. على سبيل المثال: أنشأت الهند فى مايو 2004 «وزارة شئون الهنود فى الخارج» 0Ministry of Overseas Indian Affairs MOIA. وتمثلت مسئولية الوزارة فى تقوية شبكات الاتصال بين الهنود المقيمين بالخارج والبالغ عددهم 25 مليون شخص وبين وطنهم الأم. أما الفلبين والتى يبلغ عدد مواطنيها المهاجرين 10.5 مليون شخص، فقد انشأت فى عام 1980 «مفوضية الفلبينيين بالخارج» The Commission on Filipinos Overseas (CFO) وهذه المفوضية تابعة مباشرة لمكتب الرئيس. أيضا أنشأت بنجلاديش التى يبلغ عدد مواطنيها المهاجرين 6 ملايين شخص وزارة «رعاية المغتربين والعمالة بالخارج» Ministry of Expatriates Welfare and Overseas Employment فى عام 2001. كما أن الصين التى تمتلك أكبر جالية مهاجرة خارج أراضيها 50 مليون شخص، لم تقدم على إنشاء وزارة أو هيئة خاصة لإدارة شئون الصينيين بالخارج. بل تدير الأمر من خلال مكاتب للصينيين فى الخارج حول العالم بالإضافة بالطبع للقنصليات. الاستفادة الاقتصادية على أى حال فإن الدول السابقة، مثل الهندوالفلبين وبنجلاديش تمتلك عددا كبيرا من المواطنين المهاجرين سواء هجرة دائمة أو مؤقتة بهدف العمل لتحسين أوضاعهم المعيشية، نظرا لتردى الأوضاع الاقتصادية فى تلك الدول. وعلى هذا الأساس، كان الهدف من إنشاء وزارة أو هيئة مختصة بشئون المواطنين فى الخارج واضحا جدا ويكاد يكون متشابها فى تلك النماذج، وهو تقوية العلاقة بين المهاجرين وأوطانهم، وذلك بهدف تعظيم الاستفادة الاقتصادية بالأساس من إمكانات ومدخرات واستثمارات هذه الجاليات. ويتم ذلك من خلال الحرص على بقاء الروابط الثقافية واللغوية بين الدولة ومواطنيها فى الخارج. وأيضا من خلال الدعاية والترويج للاستثمار داخل أوطانهم وايضا تقديم المساعدات والتسهيلات الإدارية والمالية والقانونية لهذه الجاليات للعودة باستثمارات لبلدانهم. لعل الأهم من إنشاء وزارة جديدة تزيد من عدد وزاراتنا الكثيرة بالفعل، هو وضوح الرؤية من إنشاء وزارة خاصة بالمصريين فى الخارج، والحكمة من إنشاء وزارة وليس فقط هيئة أو مفوضية لهذا الغرض. ثم ترجمة تلك الرؤية فى صورة صلاحيات واضحة ومحددة تلغى أى تداخل او تكرار فى المهام بين الوزارة الجديدة والوزارات والهيئات القائمة بالفعل. تطوير الآليات وأخيرا ينبغى تأكيد أن الأمر المؤكد الذى لا يمكن الاختلاف حوله هو ضرورة تطوير آليات الدولة سواء من خلال مؤسساتها القائمة بالفعل أو التى سيتم استحداثها فيما يخص التواصل مع الجاليات المصرية فى الخارج وتحسين مستوى الرعاية المقدمة لهم، خاصة للعمالة المصرية فى الدول العربية. بالإضافة بالطبع لتقوية الروابط الوطنية بين المصريين المهاجرين فى الدول الغربية ووطنهم الأصلى، خاصة ابناء الجيلين الثانى والثالث من المهاجرين المصريين. وذلك بهدف الاستفادة من فرص استثمارية وعلمية من الممكن أن تعود بنفع كبير على مصر.