كان من ضمن المكاسب التي تحققت لنا بفعل الاضراب عن الطعام أن اتسع وقت وجودنا خارج الزنازين.. حيث كنا نتعايش خارج العنبر منذ نحو التاسعة صباحاً وحتي الرابعة والنصف عصراً بعد أن كان ممنوعاً علينا أن نغادر الزنزانة إلا لمدة خمسة عشر دقيقة خلال الأربعة والعشرين ساعة. تبدلت الأحوال.. واستقرت الأوضاع إلي حد كبير علي الصعيد النفسي بعد هذا التحول الذي جري.. وراح العديد من الضباط داخل العنبر يحسنون من معاملتهم لنا.. وهو تطور لاحظناه بدقة خلال تلك الفترة.. فقد أدركوا أننا سوف نواصل تصعيدنا للموقف اذا ما جوبهنا بذات الأوضاع السابقة.. وكان من الاشياء المثيرة في تلك الفترة أن رحنا نختلط بالمساجين الجنائيين.. بعد أن كان ممنوعا علينا الاقتراب منهم، أو الحديث إليهم، أو التعامل معهم بأي شكل من الأشكال.. بل كان ممنوع علينا الوصول إلي حوش السجن الذي يتواجد فيه كافة المساجين علي مدي النهار.. وقد وجدتها فرصة مناسبة للاقتراب من هؤلاء المساجين.. خاصة أنني كنت مقبلا علي العام الدراسي الأخير من دراستي في كلية الحقوق.. ووجدت من المناسب أن أستفيد من الفترة الموجود فيها داخل الليمان لمعرفة الطبائع الحقيقية للمجرمين والمحكوم عليهم داخل السجون..التقيت بالعشرات من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد.. تحدثت إليهم.. وأقمت معهم علاقات إنسانية.. تعرفت علي ظروف العديد منهم.. ووطدت علاقتي مع بعض المنتمين إلي أقاليم الصعيد وخاصة أبناء قنا بلدتي ومحافظتي.. وكان العديد منهم قد حكم عليه بالمؤبد في جرائم ثأر.. واندمجت العلاقات بيننا لدرجة أنني شكلت فريق كرة قدم من السياسيين ورحنا نلعب مع الجنائيين الكرة في أكثر من مباراة انتهت في معظمها بفوزنا عليهم. كان شقيقي 'مصطفي بكري' في هذه الظروف مولعاً بالحوارات السياسية.. والجدل الذي كان يحتدم بينه وبين العديد من الزملاء المعتقلين.. وخاصة أصحاب المواقف الفكري ة المختلفة.. وقد أبرز كثيراً من مواهبه السياسية حين تحدث عن النشاط الذي قام به في قنا من تأسيس لحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.. وتواصله مع أهالي قنا بطولها وعرضها.. ومشاركته الفاعلة في اجتماعات الأمانة العامة لحزب التجمع والتي كان عضواً فيها.. ومن ثم الموقف من اتفاقات السلام التي وقعها السادات مع الصهاينة والخلاف مع الشيوعيين داخل حزب التجمع وخارجه والذي كان إحدي نقاط الخلاف الكبيرة داخل الزنزانة. مع نهايات شهر نوفمبر من العام 1981، وبعد تقلد 'حسني مبارك' رئاسة الجمهورية وأدائه قسم اليمين أمام مجلس الشعب.. حاول تخفيف حدة الاحتقان في المجتمع المصري والتي كانت قد بلغت مرحلة غير مسبوقة.. حاول امتصاص الغضب.. فأطلق سراح العديد من الشخصيات الوطنية المعتقلة منذ الخامس من سبتمبر لعام 1981 والتي كان الرئيس الأسبق 'أنور السادات' قد أصدر أمراً بالتحفظ عليها داخل سجون المعتقلات.. ومن بين من تم إطلاق سراحهم، بل واستقبالهم في القصر الجمهوري في هذا الوقت الاستاذ 'محمد حسنين هيكل' ورئيس حزب الوفد آنذاك 'فؤاد سراج الدين باشا' والراحل الكبير 'فتحي رضوان' وزير الثقافة في عهد ثورة يوليو.. وغيرهم من الرموز الوطنية.. وكان من المقرر أن ينضم إليهم 'مصطفي بكري' حيث التقاه اثنان من ضباط السجن قبل قرار الإفراج عن الرموز الوطنية بهدف اطلاق سراحه ضمن المجموعة إلا أنهم وإزاء تدهور صحته بسبب الاضراب عن الطعام الذي خاضه لفترة طويلة تركوه داخل السجن حتي يسترد عافيته.. ومع نهايات شهر نوفمبر وبدايات شهر ديسمبر من العام 1981 راح النظام الحاكم يصفي أوضاع المعتقلين السياسيين فقط دون عناصر الجماعات الإسلامية والدينية المعتقلين علي ذمة الأحداث.. وقد كنت واحداً ممن تم اطلاق سراحهم فجر الثاني من ديسمبر للعام 1981.. وإلي الغد