ما أن اقتربنا من بوابة سجن طرة وكانت الساعة قد بلغت نحو السابعة من مساء يوم السادس عشر من أكتوبر من العام 1981 حتي راح حارس البوابة يفتحها بصوتٍ صارخ بعد أن نظر من شراعتها الحديدية أولاً.. وماهي إلا لحظات دفعونا خلالها إلي داخل سجن ليمان طرة حتي أغلقوا البوابات من ورائنا.. لم نكد نلتفت إلي ما يجري داخل بوابة السجن حتي فوجئنا بأحد الضباط يعرفنا بنفسه بأنه 'العميد محمد صفوت جمال الدين' مدير منطقة سجون طرة.. راح يقابلنا بتجهم وغضب يكسو وجهه.. متسائلاً في تعالٍ وكبرياء: 'انتم ايه إللي جابكم هنا؟'.. فأجبنا: 'اننا معتقلون سياسيون'.. راح يضغط علي أسنانه وهو يخرج الكلمات غاضبة: 'وانتوا ولاد مين علشان تشتغلوا بالسياسة'.. فقلنا له: 'نحن اولاد انسان بسيط.. وليست المسألة بالنسبة لنا العمل بالسياسة لكننا نحب بلدنا ونخلص من أجلها وندافع عن فقرائها والمظلومين فيها'.. ويبدو أن كلامنا لم يأت علي هواه.. فراح يتحدث بصوت عال قائلاً: 'طيب أنا هوريكم ازاي تقولوا الكلام ده وخلي الفقراء والمظاليم ينفعوكم' ثم راح ينادي بأعلي صوته: 'هاتولي عساكر نمرة 1'.. وماهي إلا لحظات حتي فوجئنا بجيوش من الجنود الذين يحملون في أيديهم عصي سوداء مكهربة.. يستعدون للهجوم علينا.. ولكن بعد أن جاءوا بحلاق السجن ليقص لنا شعرنا بطريقة غريبة ومثيرة.. عامداً إلي تشويه رؤوسنا في إطار حرب نفسية يتعرض لها كل من كان يدخل السجن في هذه الفترة. ما أن انتهي حلاق السجن من مهمته حتي فوجئنا بصفين من الجنود ينهالون علينا بالعصي المكهربة.. غير أننا لم نكترث بإرهابهم.. بل رحنا نصد ضرباتهم..ونوجه لهم الضربات.. رحنا نستخدم ايدينا في الرد علي إرهابهم رغم كثرتهم.. استمرت ملحمة الاشتباك المتبادل حتي أوصلونا إلي عنبر السجن رقم '4' والمودع فيه العديد من المساجين السياسيين. ونحن في طريقنا من بوابة السجن حتي بلغنا عنبر '4' كان أحد المخبرين يتعامل معنا بقسوة.. وقد علمت أن أسمه 'عطية' بعد أن سألته وقلت له: 'لو أنت راجل قول علي اسمك لأنني لن أتركك وسأقتص منك بالقانون مهما مضي الزمان'.. وكان من جبروته أن أبلغني باسمه وقال: 'أنا لايهمني شيء، ولا أخاف من أحد'.. وكم كانت إرادة الله قوية حيث تعرض المخبر 'عطية' في وقت لاحق للمحاكمة بتهمة تعذيب المساجين السياسيين.. كنت أتابع محاكمته في وقت لاحق متمنياً أن يأتي حكم القضاء ليقتص منه علي مافعله بنا وبالشرفاء والأبرياء من المدافعين عن الوطن وحريته.. وإلي الغد