مَن أفسد الفاسد؟؟ سؤال جعلوه عويصاً بقصد أن تتفرق إجاباته بين القبائل، فتنطمس الأدلة، ويهرب الجُناة أو يعيشوا آمنين بين ما تبقي من سلالات الشرفاء!! لأن الإجابة وببساطة: إنه 'الحاكم' أياً كان وبصرف النظر عن إسمه، وبأي بلدٍ يحكم، وفي أي عصرٍ عاش.. فالفساد والصلاح نقيضان يولدان فوق القمم لينهمرا كالسيل من أعلي الجبل، فإما أن يكسح الفساد الأرض ويفنيها، أو يرويها الصلاح بماء طُهره فيحييها. فإن استأثر الحاكم بامتيازات ليست من أصيل حقه غارت البطانة وسارت علي نفس نهجه، ومنها إلي أصغر المسئولين، فأبسط الموظفين.. وإن تراخي وترك الحبل علي الغارب، جالَ البعير يرعي حيثما تاقت المآرب. وهو ما حدث في أعقاب نصر 73 العظيم عندما انتشي السادات والتهي بمفاوضات، وزيارات، واتفاقيات، وانفتاحات.. بينما راح الشعب يتطلع إلي تعويض ما فات مع رؤية هلال الرواج الاقتصادي المُبتسَر، المُحمَّل بطموحات مسمومة احتاجت لبعض المُقبلات اللفظية كي نبلعها، فظهر مصطلح 'خليك مَرِن' الذي تعرفنا به ومارسناه حتي تحوَّلنا من المرونة إلي السيولة الكاملة، وتوالت بعدها التنازلات بلا ضوابط لتبدأ قصة 'العشق المباح' بين الشعب وبين الفساد!! وكلما طالت إقامة الفساد في البلاد استشري، وتوغل، واستوطن، وتمَكَّن ليصبح الخلاص منه موجعاً، مُدمياً كانتزاع الظفر من الإصبع، بعدما صار قِبلةً تتجه إليها بوصلة العباد بلا تفكير أو تردد.. حيث نجزم بأنه ما من كائن حي خرج إلي الدنيا في مصر خلال قرابة النصف قرن الماضية إلا وانتفخت رئتاه بالفساد منذ النَفَس الأول.. لم يسلم من أذاه ماء ولا هواء.. إستجارت منه حجارة بيوتنا العشوائية، وكنوزنا الأثرية.. حتي الأموات زاحمهم الفساد في قبورهم!! والفساد في الكون من عُمر الشيطان وليست هناك شعوب من ملائكة علي ظهر الأرض.. ولا دولة واحدة خالية من المفسدين، ولكن في البلاد المتقدمة ذات الديمقراطيات الراسخة يدركون خطورته، لذلك مستحيل أن يتركوه يتغول ويتحور حتي يخرج عن السيطرة مثلما حدث في مصر، فلديهم تشريعات كالتي عندنا لكن الفارق أنهم يطبقونها بمنتهي الصرامة علي الجميع بلا تمييز أو تلكؤ.. كذلك فهُم يملكون رقابة فِعلية وليست مجرد سفسطة تليفزيونية، ولأنهم يعلمون أن الفساد يأتي من فوق فهم يسارعون بمحاصرته وإجهاضه في المرتفعات حتي لا يسقط علي رأس المواطن فيدمر مصيره أو يلوث ضميره.. ومعظم فساد الغرب يتركز في سياساته الخارجية، في حين تنعم شعوبه بالشفافية والرفاهية، أما نحن فالمصيبة أن فسادنا محلي، مُغرَم بمصر وأهلها لذلك يصارع كل محاولات التفريق.. وكما أن الحاكم هو من تسبب في الإفساد فهو القادر أيضاً علي الإصلاح لو أراد، ونحن نثق في مقدرة 'السيسي' ونقائه وفي أنه يريد، ومعه أكثر من تفويض مفتوح عليه أن يستخدمه لينقذنا من فسادنا الذي سئمنا منه، ومن أنفسنا بسببه. [email protected]