في عصرنا تكثر المفارقات، وتجتمع المتناقضات، فيصبح الأبيض أسود والأسود أبيض، وتمسي الحقائق أكاذيب والأكاذيب حقائق، وتتواري خجلًا قواعد الحكمة وأسس العقل والمنطق، لتبقي 'القوة' هي المنطق، وهي القاعدة الأولي والأخيرة، وهي المتربعة الوحيدة علي عرش التفكير، وعلي أساسها يقوّم ويعالج كل ما يستجد في هذا العالم المضطرب.. ! حين نقول: 'الأمريكان' المعني: قتل ونهب وتزوير حقائق وفسق سياسي وتخلخل أخلاقي وضرب لمقدرات البشر الروحية وتحطيم لمستقبل البساتين والأمطار والسواقي والغيوم وجرح للكرامات والكروم. في هذا العقل لا مكان للكرامة الإنسانية أو الأحلام الماثلة للشفاء العقلي: جميع الأحلام التي تسوقها هذه السياسة 'مقزومة' ومهزومة وعارية عن الصحة والعافية وحالها من حال المواسم الموبوءة والأشجار المنخورة.. وتعتزم إصدار أسوأ أنواع الوجدانات وأرخص وأحط الأمنيات، وتبحث عن برامج دائمة لتطوير الخيانات العائلية والمؤامرات بين الضفة والضفة والحارة والحارة والصفصافة والأخري والبشر والبشر. أمريكا امرأة بكامل تشوهاتها العاطفية والإنسانية وتريد أن تبتكر أحلامًا مثلها وموتًا مثلها وإنسانًا خريفي الهوي مجنونًا! من المضحكات المبكيات أنّ الولاياتالمتحدة تقود هذه الأيام حملة عالمية بعيدة المدي، هدفها اجتثاث الإرهاب من جذوره والقضاء قضاءً مبرمًا علي كل ما يمت إليه بصلة! وفي سبيل هذا الهدف الإنساني، تتحمل أمريكا أعباء معركة حامية الوطيس، تشنها ضدّ داعش العدو الشرس، ويساند الولاياتالمتحدة في هذه الحرب النبيلة، عشرات من الدول المحبة للسلام!. وليس غريبًا أن تقوم أمريكا بهذا الدور الرائع، فالذين يعرفون أمريكا حق المعرفة، يعرفون أنها سباقة إلي الخيرات، وأنها تسعي دائمًا ومنذ أن فتحت عينيها علي هذا الكون إلي كل هدف يحقق عدالة بلا حدود وحرية بلا قيود، فهي زعيمة العالم الحر، وهي القديسة التي تلتف برداء الرحمة والسلام. إن تاريخ أمريكا.. غني بالصور المشرّفة التي لا تنسي، عامر باللفتات الإنسانية التي لا تغيب عن الذاكرة.. شبّت علي التسامح وشابت عليه، وهي في كل زمان ومكان حليفة الشعوب المقهورة وصديقة الأمم المظلومة ومعينة لكل من يتطلع إلي الحرية والعدالة والمساواة. نشأتها: نشأت أمريكا في بيئة محافظة تجل الأخلاق، وتصون القيم، وتقدر الرأي، وتحترم الحرية، وتزدري العبودية.. فمنذ أن وصل كريستوف كولومبس إلي أمريكا، وتدفق المغامرون الأوربيون إلي القارة الجديدة.. والمجموعات الأمريكية المستوطنة تقوم بتهذيب سكان القارة الأصليين، وتنقل إليهم قيم وحضارات العالم القديم.. وهي في سبيل هذا العمل الإنساني، لم تكن تري مانعًا من القيام بين حين وآخر بإبادات جماعية لبعض القبائل الهندية، التي رفضت مواكبة التطور العلمي والتقني القادم من وراء البحار، والمعروض أمامها مجانًا علي أطباق من ذهب. سيرتها: ومن أجل عالم متفتح متطور في الأرض الجديدة، كان لابد من استقدام الآلاف المؤلّفة من الزنوج والعبيد، الذين اختُطفوا من بين أيدي أهلهم وذويهم في أفريقيا السوداء، وتمّ تخليصهم من الحياة التعيسة التي يعيشونها في مجتمعاتهم البدائية.. جيء بهم إلي أمريكا مكبلين بسلاسل ثمينة لم يحلموا بمثلها قط، ثم تمّ السماح لهم بالانتشار في الأرض الجديدة، يسعون إلي رزقهم، وتحصيل لقمة عيشهم.. ولكن بإشراف منظم من قبل سادتهم البيض، كي لا يقعوا في الخطأ، أو توسوس لهم أنفسهم القيام بعصيان.. وأعدت لهم عقوبات ناعمة، كالجلد بالسوط أو الجنزير والسلْق في مياه تفور وتغلي، والشيّ البطيء علي نار هادئة. كل هذه العطاءات من أجل إنقاذهم من نفوسهم الأمّارة بالسوء، والحيلولة دون تورطهم في أمور لا تُحمد عقباها! معاركها: لم تكتف أمريكا بتطبيق العدالة في أرضها، بل أحبت أن تنثر زهور المحبة في وجوه الشعوب البعيدة، فقامت بإلقاء قنبلتين جميلتين علي هيروشيما وناجازاكي، لتعطي الشعب الياباني الفرصة كي يعرف أن الله حق فيبتعد عن غيّه وضلاله، ويندمج في حياة جديدة كلها حب وسعادة ورفاهية. ولم تتوقف أمريكا عند حدود اليابان، بل تعدتها إلي دول أخري تتطلع إلي مساعدتها.. فدعمت حكومات تملك أحدث الأساليب التربوية في التعامل مع شعوبها المضطهدة، وساندت أنظمة كادت أن تقع علي 'طولها' بعد أن سحبت أحزاب معارضتها البساط من تحت أقدامها، وشملت برعايتها كل ذي قوة، وكل ذي دهاء، وكل ذي رصيد متراكم في بنوكها ومصارفها. ولم تكتف بالتواصل مع الحكام الأصدقاء، بل تواصلت مع شعوبهم وثروات بلادهم أيضًا. أما في المنطقة العربية فما كان الأمريكي صديقًا لأحد من العرب، ممن نهبهم وقتلهم وفرض البؤس عليهم في طول الأرض وعرضها، ولم يكن صديقًا بالمعني الحقيقي لأحد من العرب بخاصة حتي حين استخرج البترول من الأرض العربية واستغله عقودًا طويلة من الزمن بسعر بخسٍ لا يزيد علي أربعة دولارات للبرميل الواحد في أحسن الظروف والأحوال، وكان هو من يقدِّر ويحسب ويحاسب، إلي أن حرره نسبيًّا الدم العربي المهراق في مصر والشام عام 1973 ورفع سعره حتي تجاوز المائة بعشرات من الدولارات في ظروف وأحوال. ولم يكن الأمريكي صديقًا لأحد من العرب بأي حال من الأحوال مذ فرض علي العرب 'الإسرائيلي' محتلًا عنصريًا قويًا قاتلًا ومهيمنًا بالقوة والتهديد، وأعلن أنه يحميه ويزوده بالسلاح النوعي بما يجعله متفوقًا علي العرب والمسلمين، ومنع الحديث عن سلاحه النووي وما زال. وأرهب وأرعب كل من يتحدث من العرب عن إرهاب الكيان الصهيوني أو يفكر بمراجعة محكمة العدل الدولية في لاهاي لمحاسبة مجرم صهيوني واحد علي جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني.. وكان الأمريكي وما زال أيها العرب حصن ‹›إسرائيل›› العنصرية وحاميها من أي قرار دولي يدينها، علي كثرة ما ارتكبت من عدوان وإرهاب وجرائم و.. و.. وكان الكيان الصهيوني الذي رسَّخه الغرب بالقوة في قلب الوطن العربي، فاستولي علي القدس أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهوَّدها كما هو المعوِّق الأول لكل شكل من أشكال التقدم العربي العلمي والتقني الحامل لقوة عربية محرِّرة حامية من خلال تحرير السلاح والإرادة والقرار.. والتمكن من تكوين قوة عربية تحرر العرب وتحمي أرضهم وثرواتهم وإنجازاتهم ومقدساتهم وكرامتهم وهويتهم العربية الإسلامية! لم يكن الأمريكي صديقًا يوم دمَّر العراق وقتل مئات الآلاف من أبنائه وأسس لتمزيقه، وأشعل فيه نار الفتنة المذهبية التي نكتوي بنارها اليوم، وسلمه كما تقولون لمن تشتكون من سطوتهم عليكم وانتشارهم بين السَّحْر والنَّحْر من بلدانكم ومجتمعاتكم! ولا كان الأمريكي صديقًا يوم اعتدي علي قُطر عربي بعد آخر، وتدخل في كل اجتماع لجامعة الدول العربية ليفرض توجهًا أو ليعطل توجهًا! وإذا أشرنا إلي بعض شأنه مع العرب في كل دولة من دول العرب فإن ذلك لا يعني أن شأنه مع دول وشعوب أخري في العالم، لا سيما في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا، كان بلا سيئات وبلا مآس وكوارث... وليتذكر من يتذكر جمهوريات الموز التي كانت تصرف اليانكي في أمريكا اللاتينية، والدول التي حرض عليها وقاتل وأشعل الحروب فيها وسيطر علي مقدراتها.. وليبحث كل من تعني له الحقيقة شيئًا ومن يريد أن يعرف ويستنتج ويعتبر مما قامت به الولاياتالمتحدةالأمريكية في فييتنام وكوريا أثناء حروب مدمرة هناك، وفي بلدان آسيوية وإفريقية أخري يطول السرد فيما يتعلق بدور الأمريكيين المخزي فيها. اليوم الأمريكي 'سيف الحق والعدل والأمن'، وهو يصول ويجول بأثواب المنقذين لكنه لا يستطيع أن يخفي ما عليها من دماء، وراياته مرفوعة عاليًا في فضاءات وأراضٍ، وصوته باطل يدوي ويعلو علي راياته، يلعب دور المنقذ من الضلال، والمكافح لإرهاب صنعه ودرَّبَه وسلَّحه وسمنه ووظفه واستخدمه طويلا، ويظهر صديقًا لعرب يضيقون بعرب، ويقول إنه حرب علي سنَّة مع أهل السنة والجماعة، وحرب علي السّنة بالشيعة وعلي الشيعة بالسّنة، وعلي العرب بالكرد وعلي الكرد بعرب.. ويخلط خلطًا عجيبًا علي لسان الرئيس أوباما ووزيره فيُستساغ، ولا يُعدّ عدوانه عند البعض عدوانًا ما لم يزحف جيشه علي الأرض فهو طير السماء طليقًا! هذه هي أمريكا، حبيبة الشعوب وصديقة الأمم.. وهاهي ذي تقوم بواجبها الإنساني أمام الملأ، تحقيقًا لأحلام كل من يعيش في هذا الكوكب الهادئ.