السودان هذا البلد الكبير حيث تبلغ مساحته 2.5 مليون كيلو متر مربع، وقد بلغ سكانه الآن حوالي 30 مليون نسمة بعد انفصال الجنوب وتصل نسبة المسلمين إلي 96% يتكلمون الكثير من اللغات وعلي رأسها اللغة العربية واللهجة السودانية وقد دخلها الإسلام علي أنقاض الممالك المسيحية عندما أتي الفاتحين من شبه الجزيرة العربية مرورا بمصر ثم ببلاد النوبة والسودان في أوائل العهود الإسلامية مع دخول عبد الله بن السرج إلي مصر، كما ساعد في ذلك الهجرات العربية للقبائل الشهيرة نحو السودان قبل الإسلام ومنها ما يسمي بهجرة الحضارمة وهجرات القبائل من شمال أفريقيا للسودان، ويوجد بالسودان الكثير من المساجد التراثية الإسلامية التي تنتشر بكثرة ومن حولها الزوايا في الكثير من المدن والقري السودانية حيث يكون للإسلام وطريقة عبادته علي سلوك المسلم طبيعة ذات فطرة أصيلة ومن أشهر هذه المساجد مسجد النيلين الذي افتتح 1964 ويعتبر من معالم السودان المميزة، وقد تم بنائه علي شكل صدفة كبيرة عند ملتقي النيل الأبيض والأزرق بشاطئ أم درمان، ثم مسجد الخرطوم الكبير الذي بناه الخديوي عباس حلمي وافتتح عام 1901 في عهد الخديوي عباس ويعتبر مركز المدينة ومحور حركتها ويظهر تخطيطها العمراني المتأثر بالعمارة والهندسة الإسلامية، ثم مسجد دنقلة الذي يعود لعهد الخليفة عثمان بن عفان 652م عندما بدأت الفتوحات والموجود بمدينة دنقلة وغيرها من المساجد، وتذخر السودان بالمظاهر التراثية وكثرة العادات والتقاليد الأصيلة بها لقربها وتداخلها تاريخيا مع مصر كما يكون للاحتفال بالعادات والمناسبات الدينية طبيعة مميزة لهذا الشعب الذي يتنافس مع غيره من الشعوب في كثرة المظاهر الاحتفالية في شهر رمضان الكريم دون غيره من الدول. يستقبل السودانيون رمضان بالفرحة والسرور ويعتمدون علي ما تبثه وسائل الإعلام الرسمية ويبدأ الاحتفال به منذ شهر شعبان حيث تنبعث الروائح العطرية من المنازل والمساجد السودانية ' رائحة الأبري أو المديدة ' ومع رؤيته تتم إقامة الزفة وهي عبارة عن مسيرة من رجال الشرطة الجوقة الموسيقية العسكرية، مع موكب الطرق الصوفية المختلفة مع الجمهور الكبير ويطوفون شوارع العاصمة والمدن الكبري ابتهاجا بشهر الصوم، وخلاله تقوم الأسر بتغيير أدوات الطهي وتجديد المنازل وتضاء المساجد وتزين بالمصابيح، وتنتشر المدافع التي تنطلق بالمدن للإعلان عن موعد الإفطار وكذلك موعد الإمساك، وتزدحم المساجد بالمتعبدين لإقامة الصلوات وصلاة التراويح وتبدأ الدروس الدينية وحلقات القرآن بعد آذان العصر، وعند لحظة الإفطار يتم شرب الأبريه ويعرف بالحلو مر وهو يعد ليروي الظمآن ويصنع من الذرة المنقوع بالماء، وهناك شراب الأبري أبيض وشراب المانجو والبرتقال والكركديه والتمر الهندي، ويبدأ الإفطار أيضا بالتمر ثم البليلة بالتمر، ثم عصير الليمون أو طبق الشوربة حسب حرارة الجو ثم يبدأ الصائمون بعد الصلاة لتناول الوجبات الرئيسية ومنها السبكة وهي عصيدة الباميا، وملاح الروب أي اللبن الرايب مع خليط الفول السوداني، ولهذا فالعصيدة من الوجبات التقليدية عند أهل السودان مع الباميا المفرومة مع اللحم، ثم يتناولون الشاي والقهوة المميزة، وما يميز السودانيين في رمضان هو انتشار ظاهر الإفطار الجماعي بالشوارع حيث تفرش الأبسطة وتدعو إليها الناس من كل حدب وصوب، وفي القري يخرج الناس للجوامع ومعهم الأطعمة بكثرة للإفطار حيث يدعون بعضهم وتكثر الهدايا بالتزاور بين الأسر في جو أخوي كبير يعبر عن التسامح وحب الآخر، ويحتفلون بليلية القدر، وفي أواخر رمضان يعدون طعام يعرف بالرحمات من أجل الفقراء والمحتاجين لأنهم يعتقدون بعودة أرواح موتاهم لتسلم علي أهلها في هذا اليوم وهو الخميس الأخير من رمضان ويوجد المسحراتي بالمدن السودانية كما تزدحم الشوارع والأزقة بالموائد الرمضانية بالإفطار الجماعي وهي عادة موروثة من القرن السادس الميلادي وعهود الممالك السودانية. وفيه أيضا يتم ختم القرآن بالمساجد بصلاة التراويح وهي 8 ركعات، وتقام الدروس الدينية ويقوم المتصوفة بالأذكار والأوراد عقب كل ركعتين ويقومون بالدعاء، ويسهر السودانيون ليلا تآلفا حول هذا الشهر وتقام ما يسمي بالنوبات وهي حلقات الذكر مع إيقاع يقرع بالعصا علي طبلة كبيرة لضبط الإيقاع، وأواخر الشهر تتحرك الأسر لشراء لوازم العيد كملابس الأطفال والسلع الهامة لصناعة الحلوي وكعك العيد، كما أنهم يحتفلون رسميا وشعبيا بليلة القدر التي يقدم فيها كبار المقرئين أحلي ما عندهم من الأداء كما يؤدون زكاة الفطر التي توزع برمضان ليظل له طابع فريد ومتميز ويدل علي أصالة وجود وكرم هذا الشعب المحب لممارسة عاداته الأصيلة التي لم تلوث حتي تجد الحب والتسامح والتآخي وبخاصة في رمضان ليصبح الإفطار في هذا البلد عادة اجتماعية أصيلة يشترك في أدائها الجميع الذي لا يتردد في أن يجود بما عنده من أجل الأخر.