كتب - عصام هاشم: يحظي شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور الهجرية باهتمام كل الشعوب العربية والإسلامية وتختص كل دولة بتقاليد وعادات تعتبر بمثابة بصمة خاصة بها تميزها عن غيرها من الدول الأخري. وفي السودان كما يقول الدكتور ناصر وهدان أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة قناة السويس يبدأ الاحتفال بشهر رمضان عند أهل السودان قبل مجيئه بفترة طويلة; فمع بداية شهر شعبان تنبعث من المنازل السودانية رائحة جميلة, هي رائحة( الأبري) أو( المديدة). وعند ثبوت رؤيته يحدث ما يعرف ب( الزفة) إذ تنتظم مسيرة مكونة من رجال الشرطة والجوقة الموسيقية العسكرية, ويتبعهم موكب رجال الطرق الصوفية, ثم فئات الشعب شبابا ورجالا, وتقوم هذه( الزفة) بالطواف في شوارع المدن الكبري, معلنة بدء شهر الصيام. ومما يلفت النظر عند أهل السودان أن ربات البيوت اعتدن علي تجديد كل أواني المطبخ وتغيرها ابتهاجا بقدوم شهر رمضان. وحالما يتم الإعلان عن بدء شهر الصوم, تبدأ المساجد في إضاءة المصابيح الملونة علي المآذن والأسوار, وتظل الأضواء الخاصة طوال ليالي رمضان, كما تبدأ المدافع في الانطلاق عند كل أذان مغرب, معلنة حلول موعد الإفطار, وقبل الفجر أيضا للتنبيه علي الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات. أما المساجد فتظل عامرة طوال هذه الشهر المبارك بالرواد من المصلين والمتعبدين. وذلك منذ خروج المواطنين من أعمالهم وقت الظهيرة, وبخاصة بعد صلاة العصر حيث تبدأ دروس العلم وحلقات القرآن التي تستمر إلي قبيل أذان المغرب بقليل. ومع حلول موعد الإفطار يتم شرب( الآبرية) ويعرف ب( الحلو- مر) وهو شراب يروي الظمآن, ويقضي علي العطش الذي تسببه تلك المناطق المرتفعة الحرارة. و( الآبرية) كما يصفه أهل تلك البلاد عبارة عن ذرة تنقع في الماء حتي تنبت جذروها, ثم تعرض لأشعة الشمس حتي تجف, ثم تطحن مع البهارات, وتعجن وتوضع علي هيئة طبقات في الفرن حتي تنضج. وتتم المائدة الرمضانية السودانية علي بسط من سعف النخيل مستطيلة الشكل, يصطف الناس حولها صفين متواجهين. ويبدأ الإفطار بتناول التمر ثم( البليلة) وهي عبارة عن الحمص مخلوطا مع أنواع أخري من البقول المسلوقة ومضافا إليها التمر, وهو طعام لا غني عنه عند الفطور. ثم يتبع ذلك تناول( عصير الليمون) إذا كان الجو حارا, أو( الشوربة) إذا كان الجو باردا, وتلي ذلك الوجبات العادية من أشهرها:( الويكة) وهي نوع من( البامية) مع( العصيدة), وهناك أيضا طعام يسمي( ملاح الروب) وهو عبارة عن لبن رائب ممزوج بقليل من الفول السوداني, وطعام يسمي( القراصة) ويؤكل مع الإدام. ويشير د.ناصر وهدان إلي أن أهم مايلفت الانتباه عند أهل السودان خلال هذا الشهر الكريم ظاهرة الإفطار الجماعي, حيث تفرش البسط في الشوارع إذا كانت متسعة, أو في الساحات العامة وتأتي كل عائلة بطعام إفطارها جاهزا مجهزا وتضعه علي تلك البسط, وعندما يتم الإعلان عن دخول وقت المغرب يبدأ الجميع في تناول الطعام معا ثم يلي ذلك صلاة المغرب جماعة, وبعد تناول شراب القهوة ينصرف الجميع كل إلي حال سبيله. ومن عادات السودانيين في هذا الشهر ولا سيما في القري, خروج كل واحد من بيته قبل الأذان حاملا إفطاره وبكمية تزيد علي حاجته, ثم يجلس إما في المسجد, وإما في الشارع ناظرا ومنتظرا أي شخص عابر سبيل ليفطر معه. هذا بالإضافة إلي كثرة التهادي بين الناس في هذا الشهر الكريم, ويكون ذلك بإرسال الطعام والشراب قبل المغرب بين الأسر, كما يقبل الأغنياء من الفقراء هداياهم وأطعمتهم; لئلا يشعروهم بالحرج في قبول ما يرسلونه لهم بعد ذلك. وفي الخميس الأخير من رمضان يعد السودانيون طعاما خاصا يعرف ب( الرحمات) يتصدقون به علي الفقراء والمساكين, وهم يعتقدون في هذا أن أرواح الموتي تأتي في هذا اليوم لتسلم علي أهلها. وفي السودان الكثير من الطرق الصوفية, مثل( الختمية) و( القادرية) و(الإسماعيلية) وغيرها, ولكل منها أنشطتها الدينية المختلفة التي تقيمها في زواياها الخاصة, ويؤمها كبار السن بعد المغرب لقراءة قصة المولد النبوي, وسماع المدائح النبوية وإقامة الأذكار بواسطة ما يدعي( النوبات) وهي طبلة كبيرة من الجلد, تقرع بالعصا وتستمر تلك الجلسات والنوبات حتي منتصف الليل! وتقام في الأيام الأخيرة من رمضان ليلة تسمي ليلة( الحنجرة) يقيمها من توفي له قريب عزيز خلال شهر رمضان أو قبله بوقت قصير, وفي هذه الليلة يقدم للمعزين التمر والمشروبات.