عام 2014 أرادت 'كازاخستان' تكريم اثنين من رموز الفكر في القرن التاسع عشر، وهما الأديب والشاعر الكازاخي 'أباي كونانبايف'، و'يفجيني ميخايليس' العالم والناشط السياسي الروسي، فتم تكليف مجموعة من النحاتين بعمل تمثال واحد يجمع بينهما. وبالفعل انتهي النحاتون من المهمة، ونُصِب التمثال بمدينة 'أوست كامنوجورسك' عند تقاطع شارعي 'أباي' و'ميخايليس'، وإذ به يجسد رَجُلين تحمل قامتاهما القصيرتان، وسحنتاهما الغريبتان ملامح أقزام القصص الخيالية.. يجلس أحدهما علي مقعد، بينما يقف الآخر متكئاً بيده اليمني علي ظهر المقعد رافعًا يسراه الممسكة بشيء يشبه 'الموبايل' وكلاهما ينظر 'ببلاهة' إلي ذلك الشيء وكأنهما يتأهبان لالتقاط صورة علي طريقة 'السيلفي' الشهيرة!! إشمأز كل من رأَي التمثال، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالنقد والسخرية، وصرح المسئولون أن التنفيذ شابه انحراف شديد عن التصميم المتفق عليه مع فريق النحاتين، الذي حاول بدوره تبرير الاتهام بأن الوقت المسموح به لإنجاز العمل كان ضيقاً للغاية مما تسبب في تلك النتيجة المتردية. فشلت الاعتذارات والتعليلات من كلا الجانبين في تهدئة الرأي العام، مما أجبر المسؤولين علي رفع التمثال بعد يوم واحد من نصبه علي وعد بإعادته مرة أخري في القريب العاجل بعد إصلاحه. ولم يختلف الأمر كثيرًا في بلد المليون شهيد عندما تقَرَر تكريم العلامة السلفي 'عبد الحميد بن باديس' في السادس عشر من أبريل الماضي، وهو ذكري وفاته الذي يوافق أيضًا عيد العلم في الجزائر، لذا رأت الحكومة أن هذا اليوم هو الأنسب لإطلاق احتفالية بعنوان: 'قسنطينة عاصمة الثقافة العربية لعام 2015'، وفيه أُزيح الستار عن تمثال 'ابن باديس' إجلالًا له. لكن الرياح أتت بعكس ما تشتهي السفن، وانقلب التكريم إلي إساءة.. فالمَثَّال البرتغالي الذي أُسنِد إليه العمل- مقابل 300 ألف دولار- فاجأ الجميع بمنحوتته الجرانيتية الممسوخة التي يبدو أنه حاول استنساخها من إحدي صور الشيخ التي يظهر فيها وهو ممسكًا بالمصحف في يمينه سانداً رأسه بأصابع يده اليسري في وضع التأمل.. وبمجرد احتلال التمثال لساحة الشهداء انتفض أحفاد الشيخ ومحبوه معترضين، إذ رأوا أن التمثال لا يمت لصاحبه بِصِلَة.. لا ملامحه، ولا زيه، ولا حتي سِنه.. فقد بدا كرجل هَرِم تفترش التجاعيد وجهه، في حين أنه تُوُفي عن عمر يناهز واحد وخمسين عامًا. كما أن نصبه علي ارتفاع منخفض جعله عرضة لانتهاكات المستهترين من الشباب، فمِنهم مَن حشر سيجارة في فمه، ومَن وضع موبايل علي أذنه وكأنه يهاتف شخصًا ما.. فضلاً عن أن 'ابن باديس' كان مناهضًا للسلوكيات العلمانية كزيارة القبور، وإقامة التماثيل. وسرعان ما علم الرئيس 'بوتفليقة' بالأمر وانتصر لابن باديس باعتباره فصلًا من تاريخ الجزائر، وأحد رموزها.. فما كان من السلطات إلا إزالة التمثال في جنح الظلام بعد أسبوع واحد من تثبيته. [email protected]