خلّف تمثال رائد النهضة الجزائرية، عبد الحميد ابن باديس، الذي تم نصبه قبل أيام بوسط مدينة قسنطينة ( 430 كلم شرق الجزائر العاصمة) بمناسبة احتفالية قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015، موجة من الاستياء بسبب المكان الذي وضع فيه والمجسم الذي لا يطابق شخصيته الحقيقية وينافي المبادئ التي دافع عنها صاحبه وبموجبها حارب وضع التماثيل وتعظيمها "كونها تعد شكلا من أشكال الوثنية عند الجاهلية"، حسب مقربين منه. وقالت فوزية ابنة العلامة ابن باديس لوكالة الأناضول :"السلطات لم تستشرنا قبل اتخاذ قرار صنع المجسم وهو لا يمت بصلة لا شكلا ولا مضمونا للصورة الحقيقية للعلامة حيث إن التمثال صوّره كشخص طاعن في السن ومنهك وعليه آثار التجاعيد بينما هو على العكس تماما فقد كان رجلا مفعما بالحيوية ومتماسكا وحتى وفاته لم تظهر عليه آثار الكبر أو الشيخوخة كما تم تصويره في المجسم". وأضافت أن "المكان الذي وضع فيه التمثال غير لائق تماما لأنه جعله عرضة للعبث من قبل بعض الشباب، ومن أجل ذلك توجهنا بطلب للسلطات المحلية من أجل سحب التمثال لأنه مجرد صورة لا تعكس الشخصية الحقيقية ولا المكانة التاريخية للعلامة".
والعلامة عبد الحميد ابن باديس (1889-1940) تصفه كتب التاريخ بأنه واحد من أهم رجالات الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر ومؤسس جمعية العلماء المسلمين سنة 1931 حفظ القرءان وأصول الشريعة الإسلامية وعمره لم يتجاوز ال 13 عاما ثم درس بجامع الزيتونة في تونس وأدى فريضة الحج الشيء الذي مكنه من الاحتكاك بأكبر العلماء والمصلحين الدينيين والسياسيين وأكسبه خبرة نقلها إلى أبناء بلده وشرع في بلورة عملية الإصلاح الفكري وتطبيق مناهج السيرة النبوية ومحاربة الثقافة الفرنسية (خلال الفترة الاستعمارية الفرنسية للجزائر التي امتدت بين 1830 و1954). من جهته، ذكر عبد العزيز فيلالي، رئيس مؤسسة عبد الحميد ابن باديس، أنه "لو كان الشيخ ابن باديس حيا لغضب ورفض نصب هذا التمثال لأنه جاهد لمنع تعظيم القبور والتماثيل يضاف لذلك التشويه الذي طال صورة العلامة لأن هذا المجسم لا يعكس حقيقة الشيخ لأنه أكبر بكثير من هذا التمثال". وأضاف فيلالي في حديث للأناضول أن "ما يوضح تحريم الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس لتعظيم القبور ووضع التماثيل نجده في الصفحة 238 من الجزء الثاني من كتاب بن باديس حياته وآثاره للدكتور عمر طالبي حيث شرح العلامة رأيه في التماثيل بالقول إن "أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوّروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة".
من جهتها، وضعت السلطات بمحافظة قسنطينة بعد موجة الانتقادات التي وجهت إليها بعد العبث والإهمال الذي طال المجسم حراسة أمنية من أجل حماية التمثال من العبث والوصول إليه من قبل بعض الشباب الذين شوهوا صورته ونشروا صورا تسيء لصاحبه على شبكات التواصل الاجتماعي، رد عليها الكتاب والمثقفون والكثير من سكان المدينة بتعاليق تستنكر هذه التجاوزات وطالبوا السلطات "بنزع التمثال أو على الأقل نقله لمكان آخر حتى لا تطاله الأيدي". مدير الثقافة بمحافظة قسنطينة جمال فوغالي وفي حديثه عن الموضوع قال للأناضول: "العلامة ابن باديس ملك للأمة العربية وللإنسانية التي دافع عنها وليس لأشخاص، والدعاية المغرضة التي خلفها التمثال الذي تم نصبه تخليدا لذكراه مفتعلة ولن تغيّر في الأمر شيئا وسيبقى التمثال في مكانه كرمز يعكس المكانة التي يتمتع العلامة وسط أهله بقسنطينة والأمة العربية على حد سواء". واختارت السلطات الجزائرية تاريخ 16 أبريل 2015 للانطلاق الرسمي لاحتفالية "قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015" وهو تاريخ مصادف ليوم العلم في البلاد ويخلد ذكرى وفاة رائد النهضة الجزائرية العلامة ابن باديس في ذات اليوم من العام 1940.
وأوكلت مهمة صنع التمثال لنحات برتغالي بمبلغ مالي قدر ب 300 ألف دولار أمريكي في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لعام 2015 حسب مصادر محلية. وقالت هبة عزيون وهي صحفية من مدينة قسنطينة لوكالة الأناضول :"هذا النحات فشل تماما في عمله لأنه قدم عملا لا يعكس صورة الشيخ العلامة سواء في شكله لأن العلامة مات كهلا (في العقد الخامس) والنحات صوّره على أنه شيخ طاعن في السن". وتابعت "يضاف لذلك اللباس حيث أن العلامة كان يرتدي اللباس العربي والنحات أظهره في لباس غير ذلك إلى جانب الكرسي الذي يجلس عليه وغيرها من النقائص التي جعلت من التمثال غير مقبول تماما".