انفطرت قلوبنا، وارتجت ضمائر سكان العالم- باستثناء الغالبية من قادتهم- إثر فاجعة ذبح الواحد والعشرين 'مصرياً' بأيدي دواعش ليبيا.. ولا شك أن تلك المذبحةجاءت بمثابة تجسيد حي لرؤية طالما اجتهدْتُ في توضيحهاعلي مدار الشهور الستة الماضية من خلال سلسلة 'رؤوس الأجداد، وهامات الأحفاد'. فرغم أن رفع تمثال شامبليون- الواطئ بحذائه علي رأس الفرعون- يعتبر في حد ذاته هدفاً رئيسياًمباشراً لهذه المقالات، إلا أنه لا يمثل كل الأهداف، فعلي مسار آخر موازٍ ظلت قضية التمثال في المجمل تشكل بالنسبة لي المحور الذي أدور حوله لإثبات عمدية الازدراء الممنهج لرموز مصر.. بالإضافة إلي إبراز حجم الإهانة التي تعرض لها الأجداد وآثارها التراكمية المدمرة علي الأحفاد، والتي من شأنها أن تقتل فيهم مشاعر الانتماء للوطن وكل ما يستحق أن يفخروا ويعتزوا به فيه.. فضلاً عن أن تخليد الإهانة بهذا الشكل عبر ذلك التمثال كان محرضاً للكثيرين علي المُضي في الاستهانة بلا تردد أو خوف من أي رد فعل رادع. فعندما أراد 'بارتولدي' تمجيد 'شامبليون' كان الثمن هو تحقير المصريين، حيث لم يعثر ذلك النحات في ثنايا خياله الموتور علي صورة أوقح من تلك التي جسدها في تمثاله الذي سيبقي شاهداً يبوح لناظريه بمدي نقمة صانعه علي مصر، وحسده لأبنائها بسبب ماورثوه عن أجدادهم من حضاره عبقرية تجاوز صمودها نطاق الحجارة ليمتد إلي عناصر تركيبة الشخصية المصرية. ومهما حاول البعض هنا وهناك تقديم حجج ومبررات علي أطباق من فضة مدموغة بشعار 'حرية الفكر والإبداع'، فلا فائدة من مثل تلك الحجج الضعيفة والمبررات الزائفة التي لا تنطلي إلا علي بلهاء.. فماسونية 'بارتولدي'الثابتة والموثقة من خلال التحاقه بمحفل 'ألزاس ولورين' في باريس عام 1875 هي التي سولت له منذ قرن ونصف من الزمان أن يُقدِم علي ذلك التطاول السافر بدم بارد. واليوم، وعندما أرادت داعش وأخواتها'اتمام' المخطط الصهيوني لغزو وتقسيم المنطقة نيابة عن الشركاء، سواء الداعمين منهم أو المتواطئين أو حتي المتعاطفين في أمريكا، وتركيا، وقطر وغيرها بما فيها مصر نفسها، تمهيداً لعودة الإمبراطورية العثمانية التي يحلم بها 'السلطان' أردوغان.. ولتحقيق ذلك فإن الأمر كان يقتضي التصويب علي 'رأس' الأمة العنيد والصامد أبد الدهر بجيشه وشعبه 'الواحد' أمام جميع قوي الشر المتربصة والمتآمرة.. فراحت داعش وأعوانها تهدد مصر من الأربع جهات، فضلاً عن الجرائم اليومية التي يرتكبها 'إخوانها' الإرهابيين في حق مواطنين أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم رفضوا أن يكون بلدهم فرعاً للتنظيم الدولي للإخوان، ومستقراً آمناً لسفاحي داعش. ومع اليقظة المستمرة، والتصدي الحاسم، وتضييق الخناق، والملاحقات المتواصلة لعناصرهؤلاء القتلة في كل شبر علي الأراضي المصرية، تحول الآثمون المنحطون لتنفيذ عمليات إرهابية ضد مصريين مقيمين بالخارج، فاختطفوا وقتلوا مواطنين مكافحين اغتربوا في ليبيا للعمل الشريف مرتضين بحد الكفاف من الرزق، حتي كانت الواقعة الأخيرة التي استشهد فيها 21 مصريا في عمر الورد.. نحر الدواعش رقابهم بسكاكين ثَلِمة، علي مرأي ومسمع من الجميع في كافة أرجاء المسكونة. وجاءت الضربات الجوية علي معاقل داعش في ليبيا كرد سريع وخاطف بقرار من 'السيسي' زعيم المصريين وبطلهم الجديد الذي زأر في مصر فسمع العالم أجمع زئيره.. زأر وثأر أولاً كتقاليد الصعايدة، وبعدها ذهب للكاتدرائية ليواسي، ويتلقي العزاء. ثأر 'السيسي' لرقاب الأحفاد الشهداء، فمتي سينتفض لانتشال رؤوس الأجداد من تحت أحذية السفهاء؟! حيث لا فرق بين جريمة بارتولدي وجريمة داعش.. فالأولي كسرت رؤوس الأجداد.. والثانية ذبحت رقاب الأحفاد. ولنستكمل في العدد القادم بمشيئة الله. [email protected]