أكد فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أن تجديد الخطاب الديني يعني أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامي ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربع: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، بما يحقق مصلحة الإنسان في زمانه، وفي إطار من منظومة القيم والأخلاق التي دعا إليها ورسخها الإسلام. وأضاف فضيلته في تصريحات صحفية صباح اليوم الخميس أن من عظمة الإسلام أنه يحمل بين طياته المنهج والأدوات التي تجعله صالحًا لكل زمان ومكان، لأنه جاء شاملًا لثوابت لا تتغير وهي تعد الإطار القوي الذي يحافظ علي هوية المسلم لنفسه ولمن حوله من الكون. وأشار مفتي الجمهورية إلي أن مساحة الثوابت تعتبر صغيرة إذا ما قورنت بالمتغيرات والظنيات التي تخضع لنظر العلماء المجتهدين، فيجتهدون في أحكامها مع مراعاة مقتضيات الواقع المعيش ومتغيراته التي تجعل نظر العالم المعاصر قد يختلف عن نظر من سبقوه، وبما يحقق مصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة. وأوضح فضيلة المفتي أن المشكلة الكبري عند ذوي الفكر المتشدد والمنحرف أنهم يحاولون توسيع دائرة الثوابت بغير حق حتي يضيق علي الناس دينهم ودنياهم فيسهل عليهم تبديعهم وتفسيقهم وصولا لتكفيرهم، بل ينحرف فكرهم إلي استباحة دمائهم. وأضاف مفتي الجمهورية أنه علي الطرف الآخر قد يوجد من يحاول أن يوسع دائرة المتغيرات حتي تشمل بعض الثوابت المجمع عليها، فتتسع دائرة التفلت من الأحكام القطعية، ويشتد استقطاب المجتمع مما ينتج عنه الفتن والصراعات. وأكد مفتي الجمهورية أن المنهج الأزهري الوسطي الذي تتبناه دار الإفتاء المصرية يقف علي الطريق الوسط بين هؤلاء وأولئك، لافتًا إلي أن واجب الوقت يقتضي منا الآن أن نحدد المفاهيم الدائرة فيما هو قطعي وما هو ظني ليظل المجتمع المصري المتدين بطبعه علي وسطيته المعهودة منه عبر التاريخ. وقال فضيلته: 'إنه علينا أن ننظر إلي التراث الإسلامي غير الكتاب والسنة باعتباره عملًا تراكميًا محترمًا ولكنه ليس مقدَّسًا، بمعني أننا نستفيد من مناهج السلف الصالح فيه، لأنها مبنية علي اللغة والعقل وقواعد تفسير النصوص، ولكن في نفس الوقت لا نلتزم بمسائلهم التي ارتبطت بسياق واقعهم وقتها، مع تنقية هذا التراث العظيم من كل شئ من دخيل وغريب عنه، دون انتقاص لهذا المجهود الكبير وغير المسبوق'. وأضاف فضيلته أن من أهم القضايا التي يجب الالتفات إليها وبيانها عند تجديد الخطاب الديني تحديد القضايا التي استند إليها الفكر المتشدد في تصدير الوجه الدموي المفتري علي الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج، مثل قضية الجهاد بمفهومه الصحيح الذي يحافظ علي الإنسان ما دام لم يعتد علي الفرد أو المجتمع أو القانون الذي يحكم علاقاتهم ويرفع النزاع من بينهم. واعتبر مفتي الجمهورية أن قضية التكفير التي جعلها المتشددون كل همهم وغاية مرادهم، هي علي العكس تمامًا ما تدعو إليه حقائق الإسلام 'لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ' و'فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ'. وشدد فضيلته علي أنه يجب التأكيد علي قضية المرجعية وأنها لا بد أن تكون لأهل الاختصاص، كلٌّ في علمه وفنه، تحقيقا لقول الله تعالي: 'فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ'. وأضاف مفتي الجمهورية أن علي من يقوم بالإفتاء عند الاختيار الفقهي في الفتوي أن يراعي حال السائل وييسر عليه بما لا يخالف مقصود الشرع، وأن يفرق كذلك بين المسائل المتعلقة بالفرد والأخري المتعلقة بالمجتمع، إذ قد تختلف الإجابة عن السؤال الواحد من هذه الحيثية، وهو فقه يساعد علي إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه المجتمعات والدول وبما لا يخرج عن منظومة القيم الإسلامية. ومنها أيضا فقه الأولويات الذي يعد من أهم واجبات هذا العصر، خاصة مع تزاحم القضايا وظهور التحديات الكبيرة أمام تقدم المجتمعات ورقيها. وأشار مفتي الجمهورية إلي أنه يجب ألا يغيب عن ساحتنا عند تجديد الخطاب الديني أهمية نشر ثقافة التعايش مع الآخر، في المجال التعليمي والدعوي والإفتائي، من خلال القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمع بين أبناء الدولة الواحدة بما يشكل نسيجا مجتمعيًّا وبناء حضاريًّا جاءت الأديان كلها بالدعوة إليه والحث عليه.