صراع علي المناصب.. صراع علي المقعد الأول.. صراع علي الصف الأول.. صراع علي من يبرز في الواجهة.. صراع أمام الكاميرا.. صراع للوقوف للإجابة علي وسائل الإعلام.. صراع.. صراع.. تنوعت التسميات.. والصراع واحد هو الصراع للسيطرة علي السلطة التي هي همُ كل من لا همَّ له علي هذه الأرض، الذي يعتقد أن الأرض لن تميد به.. فالكراسي مصنوعة من جمادات.. وهذه الجمادات لا تتحرك ولا روح فيها.. إنما الصراع بين من يتصارع من أجل الجلوس عليها.. ويا ليت التصارع بشرف وبكفاءة.. للأسف التصارع بأن يبذل المتصارع كل ما لديه من مكيدة وعنف وقوة ومقدرة علي الوصول إلي الكرسي الأول من الصف الأول.. إذا هي لعبة الكراسي التي كنا نلعبها ونحن صغار.. وقد لا نكون وعينا حقيقة هذه اللعبة القذرة التي ممكن أن تدفع فيها زميلك ليقع صريعاً علي الأرض.. كنت أتمني أن يكون الصراع علي المهمات الصعبة التي يحتاج إليها الوطن والمواطن، لا صراع علي مقاعد للجلوس والاستراحة عليها من هَّم المواطن.. الغريب أنهم يجلسون علي الكراسي ويقولون في نفس الوقت نحن في خدمة الوطن والمواطن.. والوطن والمواطن منهم براء.. أصحاب الكراسي غاب عن ذاكرتهم أن خدمة الوطن والمواطن هي مهمة كل مواطن وطني شريف، يحب أرضه وينتمي فعلاً إليها، ويحب أن يخدم وطنه سواءً أكان علي كرسي السلطة أم لم يكن.. ! إن صراع الكراسي لم يكن علي السلطة التنفيذية فقط في بلد انقسم علي نفسه في سبيل الصراع.. وترك القضية الأساسية.. قضية الشعب والأرض.. لتصبح قضيته هي الصراع علي الكراسي، بل تجد الصراع في كل مكان في المؤسسات العامة والخاصة علي السواء. حتي انتقل الصراع إلي كل مكان بين الإخوة والأقارب، بين الجيران، بين الأهل.. الكل يتصارع.. أو كأن الأرض لم ينتظرها شيء.. صراع علي الانتهازية والمحسوبية صراع علي من يلهط كثيراً علي حساب الوطن والمواطن ليملأ جوفه وبطنه وخزينة داره وخزينة رصيد حسابه!.. الأكثر غرابة في الصراع أنه وصل إلي المساجد، فالكثير من المصلين الذين لا يستطيعون السجود بسهولة يجلسون علي كراسي والشاطر من يريد أن يضع كرسيه في المكان الذي يعجبه هو لا المكان الذي لا يؤذي الآخرين.. لأنه لا يهمه الآخرون.. الصراع إذاً هو.. اللهم نفسي نفسي كما يقول كل الرسل يوم القيامة اللهم نفسي نفسي، إلا سيد الخلق محمد عليه أشرف الصلاة والتسليم فيقول: أمتي أمتي لا يختلف اثنان علي أن ما يجري في فلسطينوالعراق، سببه هو الصراع، وعدم اتفاق الساسة فيما بينهم علي كيفية الجلوس علي الكراسي، وأنهم يتصارعون في إصرار للحصول علي منصب سيادي مهما كلف الأمر، ولا يهم في كل ما يجري لأمن المواطن وسلامته.. سقطت العراق نتيجة الصراع علي السلطة، وأتاح الصراع لأمريكا احتلال العراق بسهولة، وبعد الاحتلال دخل الصراع الإقليمي مع الصراع الداخلي مع الصراع الدولي، لتصبح الصراعات متشابكة ويصعب فك لغزها، وهكذا، شجع الدخلاء علي زيادة الصراع والنعرات الحزبية التي لم تختف نتيجة أطماع لكل منهما، وهذا ما يسعي إليه الاستعمار الجديد تحت مسمي الحريات ونشر الديمقراطيات المستوردة من الهمبورجر الأمريكي والدجاج الفرنسي والبيتزا الإيطالية...إلخ. وعند ذلك سيشهد العالم العربي والإسلامي أسوأ كارثة تحلّ به عبر تاريخه الطويل هي أن يستمر في صراع علي حساب قضاياه المركزية والتنموية، ويصبح أسيرًا الدول الاستعمار الجديد.والمسؤولية تقع علي عاتق الجميع ولا سيما علي العقلاء والمثقفين في هذه الأمة، فهم مطالبون أكثر من أي وقت مضي بالعمل علي أكثر من جبهة في فضح السياسات الأمريكية الاستعمارية الجديدة للسيطرة علي العالم، ومطالبون أيضاً بترسيخ الوعي بالعدو الوحيد لهذه الأمة وهو المثلث الأمريكي، الأوربي، الصهيوني. ومطالبون كذلك بتعزيز روح المواطنة والانتماء عند شعوبهم وتغليب هذه الروح علي روح الأنانية والحزبية الضيقة. قد يكون هذا صعبًا في نظر الكثير، ولكن بداية الألف ميل خطوة، وفي النهاية نؤكد أن الكرسي لمن يخدم الوطن والمواطن، فمن يجد في نفسه الكفاءة العلمية والإنسانية والمقدرة علي العطاء والانتماء والأخلاق والوطنية، فليتقدم ويجلس علي الكرسي الأول، ومن لم يجد فليترك الكرسي لغيره الذي هو أجدر به، وأحق به، ويليق به أن يجلس عليه. وأنهي أن ارحموا الكراسي ولا تتهموا الكراسي بالصراع، فهي لا تتصارع ولا تختلف، فهي جماد لا يفقه الصراع، ومصير المتصارع عليها.. الهاوية.