بعد مرور 52 عام من العداء والعقوبات الصارمة التي شنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية علي كوبا يأتي الأمس الأربعاء الموافق 17 / 12 / 2014 ليشهد عهد جديد يبشر بعودة العلاقات الإيجابية بين البلدين وتخطي سلبيات الماضي وذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي خلال خطاب له عن نيته إعادة العلاقات بين البلدين ومكلفا بذلك وزير خارجيته كيري للتمهيد لذلك، ووعده بتخفيف العقوبات المفروضة علي كوبا وعمله علي رفع اسم كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب إضافة إلي انفتاح علي مجمل المصالح بين البلدين ومنها تشجيع الاستثمار الأمريكي في كوبا وزيادة تحويلات أبناء الجالية الكوبية الكبيرة في أمريكا نحو كوبا مع العديد من المصالح المتبادلة، ويأتي هذا الانفراج الذي دام طويلا خلال عقوبات قوية وصارمة لم تفلح فيها الولاياتالمتحدة من كبح جماح الكوبيين غير أنها لم تزدهم إلا صمود وتحدي وصلابة منذ عهد الرئيس فيدل كاسترو منذ عام 1962 وحتي الآن لتبدأ تلك العلاقات بعد تبادل المحتجزين بين البلدين من خلال تسليم كوبا لأحد الأمريكيين المتهم بقضايا التهريب مقابل استلام كوبا لثلاثة من الجواسيس الذين كانوا يعملون لصالحها داخل أمريكا، فمنذ عام 2008 واستلام الرئيس راؤول كاسترو للرئاسة في كوبا بدأت اتصالات من جانبه مع الرئيس أوباما هدفت في مجملها إلي عودة العلاقات بين البلدين الأمر الذي شجع كندا من جهة والفاتيكان والبابا من جهة أخري علي التمهيد لهذا التصالح الذي نشهده الآن، يحدث ذلك في الوقت الذي ترفض فيه الجالية الكوبية في أمريكا والتي تمثل المعارضة ضد النظام الشيوعي منذ انقلاب فيدل كاسترو علي الحكم لهذا التصالح بمساعدة من بعض الأعضاء في الكونجرس الأمريكي الرافضين أيضا لهذا التصالح لعدم نسيانهم للعداء بين كوباوأمريكا طوال تلك السنوات، ورغم ذلك فلا يعول الرئيس الأمريكي علي تلك المعارضة بسبب امتلاكه لصلاحيات تمكنه من اتخاذ ما يلزم تجاه السياسة الخارجية وتحديدا ما يختص بمسألة التطبيع وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع بعض الدول. يذكر أن أمريكا كانت شنت حرب تجويع علي الشبع الكوبي انتقاما منه لتحالفه مع السوفيت في ستينات القرن الماضي، وقد بدأ الصراع عندما أقرت أمريكا حصار اقتصادي وعسكري علي كوبا عام 1962 وسعت في أكثر من عملية لإزاحة حكومة الرئيس فيدل كاسترو الاشتراكية التي رأتها واشنطن تمثل تهديدا كبيرا علي مصالحها في المنطقة وبخاصة أبان فترة الحرب الباردة ولكنها محاولات باءت بالفشل الزريع ولم تزد كاسترو رغم سياسة التجويع والتآمر والدم إلا بطولة وصمود وقوة أعجبت شعوب العالم الحر. تاريخ العداء بين أمريكاوكوبا : تعود ذروة العداء والنزاع بين البلدين عام 1962 التي عرفت بأزمة الكاريبي وكانت مواجهة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي المتحالف مع كوبا عام 1962 والتي كانت ستؤدي لقيام حرب نووية مما دفع أمريكا للقيام بعمليات لإسقاط النظام الكوبي وغزو خليج الخنازير، ثم عملية النمس وعندها شرعت كوبا بمساعدة الاتحاد السوفيتي لبناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدي والتي تمكنها من ضرب معظم أراضي الولاياتالمتحدة القريبة منها مما جعل أمريكا تفكر في مهاجمة كوبا جوا وبحرا حتي استقر الأمر بحظر عسكري أمريكي عليها مما أدي لصدور قرارات أمريكية تمنع بموجبها الاتحاد السوفيتي من تسليح كوبا وتسليم جميع الأسلحة الهجومية حتي انتهت الأزمة أواخر عام 1962 بعد توقيع أمريكا اتفاق مع السوفييت لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية شريطة عدم غزو أمريكالكوبا واحترام كوبا لاتفاقاتها القديمة المبرمة مع أمريكا القريبة منها، ثم تفاقمت الأزمة مرة أخري بعد إسقاط كوبا لطائرتين في أمريكا عام 1996 الأمر الذي دفع البيت الأبيض لسن قانون هلمز بورتن في مارس من نفس العام لتشديد الحصار الاقتصادي علي كوبا ثم جاء الرئيس جورج دبليو بوش عام 2004 وأعلن عن خطة شدد فيها القيود المفروضة علي كوبا وخصص ملايين الدولارات لتمويل أنشطة مناهضة لكوبا وشدد علي تحويلات الجالية الكوبية نحوها ليأتي عام 2008 بعد استلام راؤول كاسترو الحكم لتبدأ مرحلة جديدة دفعت إلي انفراج الأزمة وما تشهده العلاقات الآن من اتجاه إيجابي نحو التطبيع وإزالة القيود والعقوبات وذلك عندما قال أوباما في خطابه بالأمس سننهي سياسة عفا عليها الزمن ونعود إلي العلاقات البناءة والإيجابية بين الجانبين وبخاصة في مجال مكافحة الإرهاب والمخدرات ومساهمة كوبا في المجال الطبي وبخاصة في مرض إيبولا القاتل في أفريقيا وغيرها من المصالح المتوقعة بين البلدين، يذكر أن كوبا عضو مؤسس في حركة عدم الانحياز وفي منظمة الدول الأمريكية والاتحاد اللاتيني، ويري بعض الخبراء والمحللون السياسيون بأن عودة العلاقات الأمريكية مع كوبا في عهد الرئيس أوباما سببه الرئيسي إضافة إلي الأسباب التي تم ذكرها تطويق لعلاقات روسيا مع معسكرها الاشتراكي مع ما تبقي من دول العالم ومنها حليفتها القوية كوبا للعمل علي عزل روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية ورغبة أمريكا مع الغرب في ضم أوكرانيا إلي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو حتي تنهار روسيا تدريجيا بسحب حلفائها من حولها كما يحدث الآن