كان الفلسطينيون يتفاخرون علي العرب بشبابهم الاستشهادي، رغم أن القوم قد اختلفوا في تفسير حالة ملاقاة الموت الذي يفر منه الجميع؛ بعض العرب قال: إنهم منتحرون، ومأواهم جهنم، وبعض العرب المسلمين قال: إنهم يستشهدون، طالما رصفوا بدمائهم طريق الحرية لشعبهم، ولاسيما أن تفوق العدو الإسرائيلي العسكري، والتكنولوجي، والاقتصادي، أعجزهم عن مواجهته إلا بهذه الطريقة الموجعة. فاحترق كي يحرق، وقتل كي يقتل، وتفجر أشلاً كي يفجر، وصار شظايا كي يجعل من لحم العدو أشلاءً. في تلك الفترة اعترف جنرال إسرائيل العسكري، ورئيس وزرائها الذي يترحم عليه بعض القيادات الفلسطينية، رغم أنه برع في قتل ما لا يحصي من العرب، لقد اعترف إسحق رابين: أن لا علاج لديه لظاهرة الاستشهاديين، فهو يخيف الفلسطينيين بالموت، ولكن هؤلاء الاستشهاديين يطلبون الموت، فبماذا نخيفهم، وكيف نردعهم؟ اليوم صار العرب يتفاخرون علي كل شعوب الأرض، ويقدمون أنفسهم إلي العالم علي أنهم الشعب الذين يفضل شبابه الموت علي الحياة، وإذا كان الفلسطيني قد أقدم علي تفجير نفسه في وجه العدو الصهيوني، فإن الشباب العربي يقدم علي حرق نفسه في وجه ظلم الحاكم العربي، فهل معني ذلك أن الشباب العربي الذي يقدم علي حرق نفسه يساوي بين الحاكم الظالم وبين العدو الصهيوني الغاصب، وإذا كان الاستشهادي الفلسطيني يقدم نفسه فداءً لأهله، فهل العربي الذي يحرق نفسه استشهادي يقدم حياته كي يفدي باقي شباب العرب؛ الذين سخرهم الحاكم دون أن يحققوا لقمة الكرامة، ودون أن يحققوا أدني حلم لهم بحياة بسيطة كباقي شعوب الأرض. ما زال بعض الناس يستغرب كيف يقدم إنسان عاقل علي الموت بهذه البساطة، ولكن الكثير من الناس أدرك أن هنالك من أسباب الظلم، والقهر، والعجز، ما يجبر الإنسان علي التعجيل في اختيار الحياة الآخرة، والتخلي عن الحياة الدنيا؛ التي ضنت عليه بالكرامة، واللقمة، وحرية الحضور، والتعبير، والتفكير، وأبسط الحقوق الحياتية. فإذا كان الاستشهاديون الفلسطينيون قد هزموا غطرسة القوة الإسرائيلية، حين حملوا روحهم علي أكفهم، واقتحموا سياج الموت، فهل سيهزم الشباب العربي الاستشهادي، الذين يحرقون أنفسهم في الساحات أجهزة الحكم البوليسي؟ هل سيحرقون قلب الطغاة؟.