واصل المكتب الثقافي المصري بالرياض سلسلة ندواته التي تناقش قضايا الساعة علي الساحة العربية، حيث أقام ندوة عن 'الوسطية والاعتدال في الثقافة الإسلامية' ألقاها أ.د.عبد الله التطاوي الأستاذ بجامعة القاهرة والمستشار الثقافي ونائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق، تحت رعاية السفير عفيفي عبد الوهاب سفير جمهورية مصر العربية بالمملكة، وإشراف المستشار الثقافي المصري د.محمد عثمان الخشت، وبحضور المستشار خالد الشاذلي نائب السفير ونخبة من ممثلي الجالية المصرية بالمملكة العربية السعودية. وصرح السفير عفيفي عبد الوهاب أن الوسطية هي الطبيعة الأصيلة للشعب المصري والسعودي، وأنه لابد من من مواصلة نشر ثقافة الاعتدال بوصفها أحد أهم أهداف القيادتين المصرية والسعودية للعودة إلي منابع الإسلام الصافية ومواجهة الإرهاب المتزايد في الشرق الأوسط. وقد أكد المستشار الثقافي المصري بالرياض د.محمد عثمان الخشت في افتتاحه للندوة أنها تعمل علي تقديم قراءة متجددة في مسألة الأمن الفكري والمعرفي لشباب الجامعات، وأن من أهم المقاصد الفكرية التي يجب السعي إليها هو كشف الزيف الفكري للخوارج الجدد الذين يرفعون المصحف علي السيوف بينما يريدون الباطل، ويهدفون إلي زعزعة استقرار الأمة والدخول بها إلي مرحلة التقسيم والتشرزم، تحقيقا لأهداف الاستعمار العالمي القائمة علي سياسة فرق تسد، كما أظهر الخشت طبيعة المخاطر التي تنتج عن فكر الخوارج الجدد، وما ينشأ عنه من إرهاب يتنافي مع الإسلام الوسطي الأصيل. وشرح د.عبد الله التطاوي في محاضرته المتميزة كيف ترسم الوسطية صورة من التوازن والاعتدال بما ينافي مفردات التطرف والتكلف والتشدُّد والانغلاق وما حولها من تداعيات صناعة الكراهية والنفور وهو ما يتنافي – بدوره – مع المتطلب الأخلاقي الذي جاء به الرسول الكريم r ليتمم مكارم الأخلاق، وليضع اللبنة المكملة للبناء القِيَمي الذي يحكم حركة المجتمع السليم في ظل سيادة مفهوم تلك الوسطية بما حولها من المرونة والتيسير، وقبول الحوار والتصالح مع الذات والآخر بعيدًا عن منطق الاستعلاء أو الصلف والغطرسة – أو الازدراء والتحقير للآخر أو افتعال الخصومة معه، وهو ما يمكن أن يتمثل مدخلاً يحقق الصورة المثلي من الأمن الفكري والمعرفي في تشكيل شباب المجتمعات بوجه عام، وخاصة منهم شباب المجتمعات العربية الإسلامية بكل ما يحيطه من تحديات لاسيما شباب الجامعات. وبذا يظل مصطلح الوسطية دالاً – بطبيعته – علي صيغ التيسير والقبول بعيدا عن التشنجات، وبمنأي عن الانفراد بالرأي أو التعصُّب له إلي حد المبادرة الدائمة برفض الرأي الآخر أو مصادرته، دون اعتراف بالمساحة المشتركة في ساحة الحوار. في حين أكد المستشار خالد الشاذلي نائب السفير في كلمته أن الله بعث الديانات كلها لتعليم البشر التعايش والحب والمودة وحسن المعاملة. فالدين المعاملة. فكيف يمكن ان يصبح الدين هو سبب قيام كل الحروب والقتل والتطرف وعدم التسامح في العالم الان والذي يجري سواء بين أصحاب الديانات المختلفة او بين حتي أصحاب الدين الواحد ذوي المذاهب والملل المختلفة. لو كان الدين يمكن ان يكون سبباً للكراهية والدمار ما كان الله قد بعثه اصلا الي البشر. لابد ان ندرك خطأ تحاربنا تحت شعارات دينية مزعومة غير صحيحة وان نعود جميعنا الي اتباع التعاليم الحقة للأديان والتي تحض علي الحب والتعايش والتعاون. وصرح المستشار الثقافي المصري بالرياض د.محمد عثمان الخشت أن الندوة قدمت مجموعة من التوصيات للجامعات العربية والإسلامية لكي تتجاوز دورها النمطي في التعليم ونقل المعرفة إلي الاعتداد بالدور التثقيفي الذي ينهض به قطاع كامل في كل جامعة يتناول الإعداد للمواسم الثقافية الهادفة إلي فهم صحيح الدين في مسائل العقيدة والعبادات والتكاليف والمعاملات والأخلاقيات والسلوك اليومي للطالب، مع دراسة مفصلة لمقاصد الشريعة في حماية النفس والعرض والمال بعيدًا عن صيغ الاستبداد والبطش أو مفاهيم القمع والظلم والإرهاب. ومن أهم التوصيات التي انتهت إليها الندوة:التحول من ثقافة القول وردود الفعل والثقافة التبريرية إلي ثقافة الفعل والأخذ بزمام المبادرة، وتجاوز الجامعات لثقافة المؤتمرات والجدل والاستعراض الإعلامي إلي ثقافة النقد والتحليل والدراسة الجادة للقضايا والموضوعات، وتفعيل ودراسة صيغ التنسيق والتكامل بين الهيئات والمؤسسات التعليمية والتربوية والإعلامية. وفي ختام الندوة قام المكتب الثقافي وقيادات الجالية بتكريم د.عبد الله التطاوي تقديرا لجهوده ومشروعاته الثقافية المتميزة.