اليهود هم عكارة الطبيعة البشرية، وموضع سخط الله والناس، فهم المغضوب عليهم، وهم الضالون المنبوذون المطرودون، الذين يجابهون بالنفي والنفور من كافة شعوب الأرض، بسبب خبثهم والتوائهم، وطبيعتهم الصخرية الكنود، وميلهم الطبيعي الجبليَّ للعنف والقتل والتعطش لسفك الدماء. وما تشنه دولة الكيان الصهيوني العدو، من حرب ضروس علي الشعب الفلسطيني الشقيق في غزة، هو الشاهد الناصع علي ذلك، وهو ما يأباه الضمير الانساني، ولا يقره عرف ولا خلق ولا شرع ولا دين. دولة الكيان الصهيوني، مدججة بآلتها الحربية الجهنمية، تقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ دون رحمة أو هوادة، وتقصف المنازل المأهولة بالآمنين دون تمييز، وليس من بين هذه المنازل هدف عسكري واحد، وتحسب أن في هذا نصرا وبطولة، وما فيه إلا الدليل الدامغ علي الجبن والرعب والهزيمة الداخلية لمن يدرك في قرارة نفسه أنه يعيش علي أرض ليست أرضه، وبين قوم يكرهون نهمه وشراهته وخيانته وغدره. لقد كشفت تلك الأعمال الوحشية البربرية التي تقوم بها دولة الكيان الصهيوني في غزة، كشفت عن مدي الزيف والنفاق الذي تنطوي عليه أخلاق الدول الرأسمالية الغربية الكبري، وعن المعايير المزدوجة المشوهة، المضللة، المنحازة، التي تستخدمها عند التعامل مع إسرائيل وكل من يعاديها أو يعترض طموحها الاستعماري التوسعي، لأن إسرائيل هي الوكيل الوظيفي الذي يحقق للغرب مصالحه في المنطقة، لذا نراه دائما يسبغ المشروعية السياسية والأخلاقية علي كل ما تقوم به من عنف وإرهاب بوصفه الحق الطبيعي المشروع في الدفاع عن النفس، وفي الوقت نفسه نراه يستنكر هذا الحق علي الضعفاء ويقف لهم بالمرصاد.الغرب الراقي المتحضر الذي نصّب من نفسه راعيا حصريا للحفاظ علي حقوق الانسان علي هذا الكوكب، هو ذلك الغرب نفسه الذي يصمت متواطئًا إزاء من يقتلون في ديارهم دون أن يحملوا سلاحًا، ويصورهم إعلامه المضلل المنحاز علي أنهم قطيع من البرابرة الوحوش الهمج. لقد آلت الدول الغربية الاستعمارية العتيدة علي نفسها أن تقف خلف إسرائيل وتدعمها بالسلاح المتطور، والمال الوفير، والقوة العسكرية واللوجستية والاقتصادية والبشرية، بل وتواصل تعويضها عن كل ما تخسره في سبيل الدفاع عن نفسها وعن مصالح تلك الدول. هذا هو الغرب الموحد المتكتل لتحقيق مصالحه ودعم حلفائه، ومعالجة قضاياه.. فلماذا نعجز نحن عن حل قضيتنا، قضية فلسطين العادلة، وهي القضية المركزية لكل العرب والمسلمين منذ أكثر من ستين عامًا، والتي خاضت مصر من أجلها أربع حروب وقدمت راضية مقتنعة أكثر من ستين ألف شهيد؟ هل ينقصنا الصدق والإرادة وإخلاص النية لوجه القضية وليس لتحقيق مكاسب جماعة أو فيصل، مهما يكن الثمن ولو علي حساب القضية ذاتها؟ أم ربما لاتساع الفجوة بين ما نرفعه من شعارات مهما بدت براقة ومقدسة، ولكنها تظل شعارات محلقة لا تترجم إلي إجراءات عملية فاعلة علي أرض الواقع، بل قد يحدث عكسها، مثل شعار 'الإسلام هو الحل' مثلا؟ إن كل من كان يطالع خطاب جماعة الإخوان المسلمين عن قضية فلسطين قبل وصولهم إلي السلطة، كان يظن أن الإخوان سوف ينهون هذه القضية المزمنة فور تقلدهم الحكم في مصر، وعند وصولهم لسدة السلطة اتضح أن كل ذلك لم يكن سوي شعارات رنانة، وهدير حناجر لا يجاوز الرؤوس، وكل ما فعله الرئيس السابق د.محمد مرسي أن أبرم اتفاقا للتهدئة بين حماس وعدونا التاريخي إسرائيل لمدة خمسة عشر عامًا، نص أحد بنوده علي أن يوقف الجانبان الأعمال العدائية 'Hostility' بينهما برًا وبحرًا وجوًا. والتزمت حماس بتنفيذ تلك الاتفاقية حفاظا علي هيبة الجماعة الأم وحاكمها، والتزامًا بمنهج السمع والطاعة. واليوم تخوض حركة حماس حربا صاروخية ضد إسرائيل، ونحن مع المقاومة بلا شك بل هي أنبل ظاهرة عربية في التاريخ الحديث، ولكن أداء حماس رديء وانتهازي ولا مسئول، فهي تقايض بدماء الأبرياء، من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال المدنيين، والتي تراق علي مذبح المنافع والمكاسب السياسية والأيديولوجية الخاصة لحركة حماس، وتحالفاتها الاقليمية مع قطر وتركيا. ولأن الشخصية الإخوانية نمطية ومقولبة، فإن موقف حركة حماس اللامبالي بدماء الأبرياء يذكرنا بموقف الدكتور عصام العريان من فوق منصة رابعة العدوية وهو يناشد الغرب التدخل لاستنقاذ الرئيس المعزول محمد مرسي وإعادته إلي سدة الحكم مرة أخري، قال الدكتور عصام العريان مخاطبا الغرب كم شهيدًا يكفيكم لتتدخلوا؟! إن الدماء هي أرخص قربان يقدمه الإخوان علي مذبح السلطة والسياسة. وحينما عرضت الدولة المصرية مبادرة لوقف الحرب تحقن دماء الفلسطينيين الأبرياء وتغل يد العدوان الإسرائيلي الغادر، رفضتها حركة حماس. وحجتها المضمرة في الرفض هي أن المبادرة لم توجه إليها بشكل مباشر، وكأن حماس صارت هي الدولة الفلسطينية، مع أنها منذ أسابيع قليلة سعت إلي المصالحة مع حركة فتح، وارتضت تشكيل حكومة وحدة ائتلافية وطنية. أما حجة حماس المعلنة لرفض المبادرة المصرية فهي أن بها بندًا ينص علي أن يوقف الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي كافة الأعمال العدائية 'Hostility' بينهما. وهنا أقامت حركة حماس وذراعها الإعلامية قناة الجزيرة الدنيا ولم تقعداها، وشنتا حربا ظالمة ضد مصر وقيادتها، لأن هذا البند بزعمهم يساوي بين الضحية الفلسطينية والجلاد الصهيوني الغادر، وأن مصر بزعمهم كذلك قد صارت شريكا لإسرائيل في قتل الفلسطينيين وتدمير قضيتهما يالضيعة الجهود إذن!! فلماذا قبلت حركة حماس من قبل البند نفسه في اتفاقية التهدئة التي أبرمها الدكتور محمد مرسي بينها وبين إسرائيل عام 2012؟ لعل الأيديولوجيا الإخوانية المعادية لمصر ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو التي أطاحت بحكم الإخوان، لعل هذه الأيديولوجية هي التي حدت بحركة حماس إلي أن ترفض المبادرة المصرية لمجرد أنها مصرية.. وليتواصل سيل الدماء الفلسطينية الطاهرة الزكية، التي أعطت حماس غطاءً سياسيا لإسرائيل لسفكها، برفضها المتعنت للمبادرة المصرية.. فكم من الدماء تريد حماس لكي تظل في صدارة المشهد السياسي الفلسطيني وتحقق ما تصبو إليه من مكاسب سياسية وأيديولوجية ومادية؟! إن حماس هي التي تتحمل أمام الله والتاريخ مسئولية المقايضة بهذه الدماء.. الشعب الفلسطيني وحده هو من سيحاسب حماس عليها إن عاجلا آجلا.. وستظل مصر وإن كرهت حماس هي قاطرة الأمة العربية، ومصبّ همومها.. وستبقي القضية الفلسطينية همّ مصر الأول وقدرها الذي لافكاك منه، بوصفها زعيمة الأمة العربية.. هذا ما يؤكده الدكتور جمال حمدان في كتابه الفذ 'شخصية مصر' حين يقول: 'غير أنه إذا كانت القيادة والزعامة مسئولية تُمارس وواجبا من القيادة يحقق، فلعل الاختبار النهائي لزعامة مصر قد يرقد في أن ترقي إلي مسئوليتها عن استرداد فلسطين للعرب. وإذا صح أن نقول إنه لا وحدة للعرب لغير زعامة مصر، فربما صح أن نقول إنه لا زعامة لمصر بين العرب بغير استردادها فلسطين للعرب، لأنه لا وحدة للعرب أصلاً بدون استرداد فلسطين' وستفعل مصر إن شاء الله