أكد الناقد الدكتور مصطفي الضبع أن الكاتبة نفيسة عبد الفتاح في روايتها تراب أحمر انتقلت بالرواية نقلة نوعية ثالثة، مشيرا إلي أن النقلة الأولي تمثلت في اتجاه الرواية علي مدي قرن من الزمان حيث كان دائما الآخر هو الغرب، ثم جاءت النقلة الثانية بالاتجاه شرقًا منذ عام 2008 من خلال روايتين هما حادث سقوط لمحمود الغرياني وساق البامبو لسعود السنعوسي، وكانت النقلة الثالثة لنفيسة عبد الفتاح جنوبًا نحو أفريقيا وخاصة دولة زامبيا واصفا تلك النقلة بأنها نقلة شهرزادية. جاءت تصريحات الدكتور مصطفي الضبع خلال حفل توقيع ومناقشة 'تراب أحمر' الصادرة عن مكتبات دار الوئام، والذي أقامته اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين وأدارها الكاتب الصحفي عادل سعد، وناقش الرواية الكاتب الكبير فؤاد قنديل والناقدان الدكتور حسام عقل والدكتور مصطفي الضبع. الروائي فؤاد قنديل أكد في بداية الندوة أن هذه ليست روايه فقط ولكنها أدب رحلة بامتياز ولو قدمت لجائزة لفازت بجدارة، كما أن الكاتبة كانت حريصة علي تقديم المكان والزمان والتفاصيل والحكايات، الزرع، الحيوانات، الأشباح، أو العفاريت وأشار قنديل إلي عنوان الرواية مؤكدا أن العنوان ليس لأن هناك تراب احمر في زامبيا فقط ولكنها تشير الي أراضي أفريقيا كلها التي يحمل ترابها اللون الأحمر ومشيرا إلي ان العنوان يحمل فكرا فلسفيا، مؤكدا أن الكاتبة نفيسة عبد الفتاح طرحت التساؤلات ولفتت الأنظار إلي الابتعاد عن القارة الأفريقية، وأضاف قنديل أن النص الروائي يتوجه إلي أفريقيا التي ذكرها عبد الناصر، والتي تركناها منذ 30 عاما وأعطيناها ظهورنا، وعندما احتجنا لها أعطتنا ظهرها. وأوضح قنديل أن هناك تماسا بين مصر وزامبيا في الرواية، حيث ربطت الكاتبة بين الذاتي والموضوعي. مؤكدا أنه يتصور أنها تعني بالتراب ما خلق منه كل مخلوق، الذي هو محتشد باللهب والمعاناة والأسي والشقاء، موضحا أنه تخيل أن الكاتبة احتفنت حفنة من تراب إفريقيا لتتحدث عن الانسان بكل معاناته، مشيرا إلي ماتضمنته الرواية من معاناة تعرض لها الزوج والزوجة وإعلاء لقيم الأسرة، موضحا أن الرواية تحكي عن أسرة مصرية تعيش في دولة إفريقية وما تعانيه هذه الأسرة، التي اتسمت بالإرادة والصبر والأمل والشفافية، مشيرا إلي أن الكاتبة بدأت الرواية مباشرة من قلب التجربة وأنه مما يحسب للرواية أنها كتبت دون ثرثرة مشيرا إلي أن كاتبا آخر كان يمكن أن يكتب رواية ممائلة في '200/300' صفحة وأشاد قنديل بلغة الكاتبة مؤكدا أن البناء في هذه الرواية محكم وليس به أيه نتوءات تشكك القارئ وأن الأحداث كتبت بدون إستعراضات بلاغية، وأن اللغة صافية خالية من الدهون والشحوم، وأن الحوار مكثف جدا ومحدود جدا وهو أمر فرضته طبيعة النص، واضاف قنديل: ملايين المصريين يسافرون الي خارج مصر، ولكنهم لم يحاولو إلا في النادر أن يسجلوا مشاهداتهم في هذه البلاد من عادات وتقاليد ونظم وطرق وإنشاءات وعمارة وفن وصناعة وغيره، فلم نقع علي رواية تتحدث عن ذلك الا نادرا.وأشار قنديل إلي أنه كان من الطبيعي أن تكتب الراوية الروايه بضمير الأنا وهو ماساعد علي وصف دقيق للأحداث الصعبة والمحنة التي مرت بها البطلة، كما أكد قنديل اعتراضه علي عنونة فصول الرواية معتبرا ان العنونة لم تضف إلي النص واختلف الدكتور مصطفي الضبع مع رؤية الروائي فؤاد قنديل الذي أشار إلي أن الرواية هي أدب رحلة مؤكدا أننا أمام نص روائي يختلف تماما عن أدب الرحلات الذي يقدم المعلومة لذاتها بينما النص الروائي يقدم المعلومة منقوصة لأنها ليست مقصودة بذاتها، مؤكدا أنه يقرأ للكاتبة للمرة الأولي ولذلك كانت قراءته استكشافية وأنه مما يحسب للكاتبة لغتها المكثفة وامتلاك جرأة الكتابة عن المكان وأن الذين فعلوا ذلك قاموا بدور تنويري بعدها، مشيرا إلي تجربة الطهطاوي، مؤكدا أنه قرأ الرواية قراءة شهرزادية موضحا أننا أمام شهرزاد المتطورة وليست القديمة حيث كانت شهرزاد القديمة تحكي لتحمي نفسها من القتل بينما شهرزاد الجديدة تحكي لتحمي نفسها من الإنهيار، وأضاف أنه رأي أن العنونة المتعددة داخل الرواية هي فواصل سردية تمثل بدايات متعددة يلتقط القاريء من خلالها انفاسه، لأن كل نص يعتبر كابوسا، وكأن تلك البدايات الجديدة هي أمل جديد، موضحا أن الرواية تضمنت 18 عنوانا مرتبطا. وأشار الضبع إلي أن الكاتبة كانت جريئة في اختيار اللون الأحمر لعنوان روايتها خاصة وأنه يتماس مع عناوين عدد من الروايات الكبيرة مثلي إسمي أحمر للكاتب التركي أورهان باموق، مؤكدا انها عبرت بصدق عن التجربة وأنها أثارت عدة إشكاليات وطرحت تساؤلات مؤكدا أن العمل الذي لا يطرح التساؤلات يكون ناقصا، ومنها إشكالية الدبلوماسية المصرية في الخارج وتعاملات أفراد الجالية المصرية فيما بينهم مؤكدا ان الطامة الكبري كانت في الشيخ الداعية الذي أرسلته مؤسسة الأزهر إلي بلد يتحدث الإنجليزية بينما هو لايجيدها، كما أكد النص أن كارثة مصر تكمن في 'الإدارة' من خلال طرح شخصية المدير حيث ظل طوال الوقت يظن أنه من بشرة مختلفة ليجد له عذرا لكنه صدم تماما عندم علم انه مصري يعلن الحرب علي مصريين مثله في الغربة، وأضاف أن الرواية بدأت بصوت المدير وأنتهت بصوت المدير، وكأنها تعلن أن صراع الخير والشر سيستمر. وأشار الناقد الدكتور حسام عقل أن شخصيات القصة هنا غير مسماه، وعندما ذكر السارد أسم الكلب ذكره باسم أسد، وان ترك الشخوص بدون أسماء يشير إلي أن الأحداث يمكن أن تحدث لأي شخص. مؤكدا أن هذه الرواية فيها حنين جارف للوطن يتصاعد مع النص ولا يخفت، كما أن المقدمة والإهداء بها عبارات رومانتيكية، وأن الساردة لم تبدأ بضمير المتكلم، فبدأت بضمير الجمع، ثم تدريجيا استخدمت ضمير الأنا الأنثوي. فالراوي هنا راوي ذاتي، والرواية تتحرك علي ملمس نفسي رائع، بمذاقات الإغتراب والبعد عن الوطن حيث يحضر الوطن بقوة كما أنها لا تخلو من الحس البوليسي الذي أعطي الرواية حسا تشويقيا رائعا. وأكد عقل أن النص في هذه الرواية يتوزع في ثلاث مساحات هي التاريخ وأدب الرحلات و السيرة الذاتية، لافتا إلي أنه بعد ثورة 25 يناير وجد أن معظم القصص القصير ة تعود إلي الإهتمام بكتابة التاريخ مؤكدا أنها ظاهرة تحتاج إلي دراسة، فالقصة أنقذت ماء وجه الحركة الأدبية بعد ثورة 25 يناير حيث أن كل ماكتب كان نصوصا تقريرية، موضحا أن رواية 'تراب أحمر' تحمل عبارات رومانسية لكنها تعطينا مفاتيح للقراءة.كما أكد أن الراوية في الرواية تنظر إلي الوطن نظرة رومانتيكية مليئة بالحنين. وأضاف الدكتور حسام عقل: أن الرواية تبدو وكأنها شعر او قيثارة تتحرك وأن الكثافة الغنائية مطلوبة في الرواية، مؤكدا أن المفارقة والدهشية امور تميز الرواية، وأن الرحلة إلي زامبيا أعادت اكتشاف الهوية المصرية مؤكدا أنها طرحت أزمات المصريين في الخارج وأهمية البعد الأفريقي لمصر. وأضاف: الرواية أظهرت قدرة المرأة المصرية علي التصرف في وقت المحنة وأظهرت قوة المرأة في مواجهة التحديات، مؤكدا أن في الرواية إشارات حضارية وإجتماعية، كما أنها لم تخلو من خفة الظل مستشهدا بمشهد حلاقة الزوجة لشعر زوجها وملء الحفر التي صنعتها بقلم الكحل ومؤكدا أن عناوين بعض الفصول جاءت لتحمل الكثير من الدلالات، مشيرا إلي أن عنوان 'نصف حياة' الذي جاء في منتصف فصول الرواية تماما كان لافتا ومعبرا ربما للدلالة علي أن المرأة المصرية تعيش نصف حياة ولا تستمتع بحياتها، ومشيرا إلي دلالة عنوان 'الجسر' الذي أكد علي أهمية القارة الإفريقية لمصر، يذكر أن ندوة المناقشة بدأت بعرض فيلما وثائقيا نفذته الصحفية والقاصة جيهان سعفان عن وقائع الرواية وأجوائها في دولة زامبيا تضمن إضافة إلي الصور الحقيقية توثيقا للأماكن والعادات هناك.