تغرق ليبيا أكثر فأكثر في الفوضي علي إثر الهجوم الذي شنته مجموعة مسلحة علي مقر المؤتمر الوطني العام 'البرلمان' في طرابلس والهجوم الذي شنه قائد قوة شبه عسكرية ضد المجموعات المتشددة في بنغازي في شرق البلاد. وقد تؤدي أعمال العنف هذه إلي إغراق البلاد في الحرب الأهلية وتعيد إحياء الخصومات بين عشرات الميليشيات التي تنشط وفقا لما يخدم مصالحها سواء كانت أيديولوجية أم إقليمية أم قبلية. وهذه الميليشيات التي يهيمن عليها الإسلاميون تتولي تطبيق القانون في البلد منذ سقوط نظام معمر القذافي في أكتوبر 2011 لأن السلطات الانتقالية لم تتوصل بعد إلي تشكيل جيش وشرطة محترفين. وقد عمدت السلطات الجديدة إلي تهميش أو استبعاد الجنود القدامي، من ضباط أو جنود الجيش الليبي إبان نظام معمر القذافي، علي الرغم من أن بعضهم شارك في الثورة التي أطاحت بهذا الأخير. والجمعة، شن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وهو ضابط سابق في الجيش الليبي في عهد القذافي، في بنغازي 'شرق' عملية ضد مجموعات إسلامية مدججة بالسلاح جعلت من هذه المدينة معقلا لها، ما أسفر عن 79 قتيلا و141 جريحا. وانضم عدد كبير من ضباط وجنود المنطقة الشرقية والذين ينتمي بعضهم الي سلاح الجو، الي قوات حفتر التي سميت 'الجيش الوطني الليبي'، وشنوا غارات جوية علي قواعد هذه المجموعات المتشددة. وعلي خط مواز، شنت ميليشيات نافذة في منطقة الزنتان 'غرب' التي تسيطر علي جنوب العاصمة الليبية طرابلس الأحد هجوما علي مقر المؤتمر الوطني العام الليبي 'البرلمان'، اعلي هيئة سياسية وتشريعية في البلاد، والتي تواجه معارضة منذ القرار الذي اتخذته بتمديد ولايتها. وكدليل علي عجزها عن التحرك، اكتفت الحكومة بإدانة 'محاولة انقلابية' اتهمت حفتر بالقيام بها، ونددت بلجوء ميليشيات أبناء الزنتان 'الي السلاح للتعبير عن آرائهم السياسية'. وفي بيان تلاه وزير العدل صلاح المرغني، دعت الحكومة الي الحوار الوطني. وكتائب الزنتان التي تعتبر بمثابة الذراع المسلحة للتيار الليبرالي في ليبيا، تطالب بحل المؤتمر الوطني العام الذي يهيمن عليه الإسلاميون والإخوان المسلمون والمتشددون. وبعد الهجوم الخاطف علي مقر المؤتمر الوطني العام، انسحبت كتائب الزنتان الي معقلها علي طريق المطار حيث دارت معارك بينها وبين ميليشيات إسلامية. وأسفرت المواجهات عن قتيلين و55 جريحا، بحسب حصيلة رسمية. وأمام الفوضي الأمنية السائدة، أغلقت المملكة العربية السعودية الإثنين سفارتها وقنصليتها في طرابلس وأجلت كافة أعضاء بعثتها الدبلوماسية لدي ليبيا بسبب 'الأوضاع الأمنية' الحالية في البلاد، بحسبما أفادت وكالة الانباء السعودية الرسمية. وقد أعلنت كتائب الزنتان وضباط في القوة التابعة للواء خليفة حفتر مسئوليتهم عن الهجوم علي مقر المؤتمر الوطني العام. ومنذ نهاية الثورة في أكتوبر 2011، تقوم خصومات بين كتائب الزنتان وحفتر، لكن ضابطا في الجيش النظامي اعتبر أن قيام تحالف ضد الإسلاميين أمر مرجح. وما زاد من حالة الفوضي في البلاد إعلان العقيد مختار فرنانة الذي أكد أنه يتحدث باسم 'أفراد الجيش والثوار 'السابقين'' لقناتين تليفزيونيتين 'تعليق عمل المؤتمر الوطني العام'. ولم ترد السلطات علي هذا الإعلان. ورأي المراقبون أن هذه العمليات في بنغازي وطرابلس تشكل 'اختبارا' لتقييم رد فعل المجتمع الدولي وكذلك مدي دعم السكان وميليشيات أخري وعسكريين علي المستوي الوطني. واللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي سحب قواته من بنغازي 'لإعادة تنظيم وحداته'، قال أنه لا يرغب في الوصول الي السلطة لكن ما يقوم به ليس سوي تجاوب مع مطالب السكان ولمكافحة الإرهاب. وردا علي الاتهامات التي ساقتها السلطات الانتقالية الليبية التي وصفت الحملة التي شنها حفتر بأنها 'خروج عن شرعية الدولة وانقلابا عليها يقوده المدعو خليفة حفتر'، بحسب بيان تلاه رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين السبت، رفض حفتر هذه الاتهامات، وأكد في بيان تلاه أمام الصحافيين أن 'عمليتنا ليست انقلابا ولا سعيا الي السلطة ولا تعطيلا للمسار الديموقراطي'، مضيفا أن 'هذه العملية هدفها محدد وهو اجتثاث الإرهاب' من ليبيا وأنه 'استجاب لنداء الشعب'. وخليفة حفتر المتحدر من الشرق الليبي، انشق عن جيش القذافي في نهاية الثمانينات. وعاد إلي ليبيا للمشاركة في ثورة 2011 بعدما أمضي نحو عشرين عاما في الولاياتالمتحدة. وما زاد أيضا من تفاقم الوضع في ليبيا البلد الذي يعتمد حصريا علي عائداته النفطية، فقد شهد إنتاجه النفطي تدهورا كبيرا بسبب سيطرة الثوار المطالبين بالفيدرالية علي موانيء النفط في الشرق.