يحتفل المصريون جميعا من كل عام بعيد شم النسيم مابين شهر أبريل ومايو، ويحتوي الاحتفال به علي مظاهر فلكلورية كثيرة في المدن والقري المصرية تتفاوت فيما بينها في ثراء المظاهر التي توجد في كل محافظة، ولكنها مجتمعة تتحد معا في الاحتفال بهذا العيد وتتشابه أيضا في المظاهر الاحتفالية به كالخروج بالحدائق والمنتزهات العامة والنيل وفروعه القريبة في المدن وعلي الشواطئ بالمدن الساحلية ومدن القناة وحول المناطق والمعالم الأثرية، وفي الطرق والأماكن الخلوية والحدائق والترع النيلية بالحقول مما يجعله يوما موحدا وعيدا قوميا للخروج لشم النسيم العليل والاحتفال بالطبيعة في هذا الوقت. ومما يزيد هذا العيد جمالا وتفردا عن كل الأعياد في العالم هو توحد المصريين جميعا حوله حافظ فيه المصريين علي هويتهم وتقاليدهم الراسخة عبر آلاف السنين واشتركوا ومازالوا في الاحتفال به لحفاظهم عليه رغم بعض الاختلافات الدينية واختلاف العادات والتقاليد من محافظة لأخري بمصر ويرجع السبب في ذلك إلي أنه ينسجم مع موروث ثقافي مصري كبير ضارب في القدم باعتباره عيدا من أعياد الفراعنة منذ أكثر من خمسة آلاف عام أو يزيد، وكان يرمز عند قدماء المصريين إلي بعث الحياة مرة أخري، وقد تعرض اسمه للتغيير حتي تطور إلي اسم شم النسيم لارتباطه باعتدال المناخ بنسيمه العليل في تلك الفترة عندما تخضر الأشجار وتفوح روائح الزهور والنباتات العطرية في الكثير من الأماكن مما يجعل المصرين علي اختلاف أعمارهم وبخاصة الأطفال يخرجون في الصباح الباكر إلي الحدائق والمتنزهات وحول المياه وبخاصة مياه النيل الذي يرتبط بتلك الظاهرة القديمة عند المصريين لقداسته وقداسة مياهه ليستمتعوا بجمال الطبيعة حتي أصبح عيدا مميزا في تاريخهم يعمل علي تآلفهم وتوحدهم جميعا رغم آراء بعض الجماعات الإرهابية مؤخرا التي أصبحت تتدخل في تكفير الأعياد المصرية الدينية منها والفلكلورية لتحدث الصدع بين المصريين وتهدد إرثهم الحضاري والثقافي وتهدد هويتهم ولكنهم فشلوا في ذلك. أخذ اليهود عن المصريين احتفالهم بهذا العيد الذي تصادف يوم عيده خروج اليهود من مصر في عهد سيدنا موسي وجعلوه يوم عيد رأس السنة العبرية وأطلقوا عليه عيد الفصح ويعني بالعبرية الخروج أو العبور احتفالا بنجاتهم من مطاردة فرعون وجنوده لهم واحتفالا ببداية عهد جديد في حياتهم، وعندما دخلت الديانة المسيحية مصر جاء عيد القيامة المجيد حسب تقويما قمريا معينا اختص به أقباط مصر وجاء موافق لاحتفال المصريين بعيد شم النسيم، ولأن العيدين ارتبطا معا عند المصريين وتوحدا معا في هذا اليوم فقد تم تأخير الاحتفال بعيد شم النسيم ليأتي مباشرة بعد قضاء أقباط مصر صومهم الكبير الذي يستمر لمدة 55يوم حتي ينفك الصوم ويتناولوا كافة الأطعمة وبخاصة التي تحتوي علي الروح وقد روعي أن يأتي الاحتفال بعيد القيامة في مصر بعد عيد الفصح اليهودي لأن القيامة تأتي بعد الفصح وعادة ما يأتي العيد بعد الاعتدال الربيعي ما بين الفترة من 14 أبريل وما قبل الثامن من مايو، ويأتي احتفالهم بشم النسيم في اليوم التالي مباشرة كيوم عيد للمصريين جميعا وهو يوم الاثنين حتي يمكن أن نجزم القول أن هذا العيد انتقل بكل مظاهره إلي بلدان كثيرة بالعالم وبخاصة البلاد التي يتواجد فيها المذهب المسيحي الأرثوذكسي، وعندما دخل الإسلام مصر ظل الاحتفال بعيد شم النسيم قائما باعتباره عيدا مصريا خالصا تتناقله الأجيال عبر العصور المختلفة حاملا معه نفس المظاهر الاحتفالية من عادات وتقاليد ظلت راسخة ومتداولة عبر الذاكرة الجمعية للشعب المصري وموحدا لجميع المصريين. لقد استدعي هذا العيد انتباه الكثير من المؤرخين والمستشرقين الذين زاروا مصر نذكر منهم المستشرق الإنجليزي ادوارد وليم لين في كتابه ' المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم ' 1834 م فيقول عن هذا اليوم بأن المصريون يستيقظون فيه مبكرا بالذهاب إلي الريف المجاور ويتنزهون ليلا ويتجهون إلي الشمال ليشموا النسيم ويتناولون الغداء في الحقول أو حول النيل وهي نفس العادات التي مازالت مستمرة إلي يومنا هذا عندما يخرج المصريين فيه ويحملون معهم أطعمة محددة ومنها البيض الذي كان يرمز عند قدماء المصريين إلي خلق الحياة مرة أخري، والفسيخ والأسماك المملحة التي ترتبط عند المصريين بالخصوبة التي كانوا يطلبونها في كل عام جديد والخس والبصل ثم بعض النباتات البقولية كالحمص الأخضر ويسمي الملانا عند المصريين والترمس والفول والحلبة وهي ترمز إلي تفتح الحياة واكتمالها وعودتها من جديد ثم أضيفت أطعمة أخري كالجبن القديمة والفطائر التي تعد خصيصا في هذا اليوم. ارتبط بهذا العيد الكثير من المظاهر الفنية والأدبية عندما تغني بعيد الربيع في مصر الكثير من الشعراء والأدباء، والفنانين الذين غنوا له الأغاني الشهيرة التي تغنت بأسماء الورود والأزهار ومنها الأغنية الشهيرة التي ارتبطت في ذاكرة المصريين وهي أغنية الربيع لفريد الأطرش، وأغنية هليت يا ربيع لعبد الوهاب، ثم الدنيا ربيع لسعاد حسني، وأغنية هل الربيع الجميل علي الدنيا نورها لعبد الحليم حافظ وغيرها من الأغاني الشعبية التي كانت تؤديها بعض الفرق الشعبية الشهيرة، وهي في مجملها أغاني ارتبطت بالكثير من المظاهر الاحتفالية لذكري هذا اليوم، وما زال الاحتفال بعيد شم النسيم منتشرا إلي يومنا هذا في سائر المحافظات المصرية بنفس مظاهره المتوارثة دون تغيير ففي قري مركز منيا القمح بالشرقية يستيقظ الأطفال باكرا فيقومون بنقش البيض وتلوينه بالألوان الزاهية التي تدعوا إلي التفتح والأمل تغنيا بالطبيعة ويلبسون الملابس الزاهية ويخرجون ومعهم صحب الورد والنعناع والريحان إلي خارج القرية وحول الحقول ويجلسون حول الترع ومياهها العذبة وحدائق البرتقال التي يصادف أن تكون مزدهرة في هذا اليوم ويقومون بالألعاب المختلفة ثم يأكلون البيض ويعودون إلي المنزل بعد الظهيرة لتناول الأطعمة المعدة في هذا اليوم سواء بتناولها في المنزل أو تناولها مع الأهل بالحقول ومنها أكل الفسيخ والسردين المملح والرنجة والبصل وأطباق الطعمية التي تعد أيضا في هذا اليوم، أو يقوم بعضهم بالذهاب إلي المدن القريبة للتنزه بحدائقها المرتبة أو بدخول الملاهي والسينما والسير في الشوارع الرئيسية والأماكن الشهيرة للاختلاط بأهل المدينة ومشاهدة طريقة احتفالهم بهذا اليوم ثم يعودون متأخرا إلي قراهم لتناول الغداء مع الأهل والأصدقاء ومازالت تلك المظاهر مستمرة في ربوع مصر ولربما جاءت مزدهرة هذا العام 2014 بعد أن أزاح الشعب المصري الحكم الإخواني الإرهابي عنه إلي غير رجعة وتمكنه من استعادة ثورته وإنجاز دستوره وساعيا لاستكمال خطة طريقه بخطا ثابتة نحو المستقبل وانتظار اللحظة التي سيتوج فيها رئيسه الذي وبإذن الله سوف يعمل علي استقرار مصر ورخائها ويوحد صفوف أبنائها.