الذي يقرأ سيرة 'زينب الغزالي' سواء ما كتبه المقربون منها.. أو ما كتبته هي عن نفسها.. يتصور إذا صدّق ما يقرأ أنها السيدة السوبر التي يتحدثون عنها في الروايات الخيالية.. وفي الأساطير.. فقد تعرفت علي رؤساء مصر ورؤساء المنطقة العربية وملوكها وأمرائها.. وسعوا جميعا للتعرف عليها.. واقتربت من كل الزعماء واقتربوا منها وطلبوا معاونتها.. وكان لها في كل قضية سياسية أو 'مؤامرة' أصبع وعلاقة.. ناهيك عن الأوهام والخزعبلات والخرافات التي تتردد عبر حياتها كثيرا.. خاصة ما ذكر عن معاناتها في السجن. تقول سيرتها.. إنها تعرفت علي الاتحاد النسائي الذي كانت ترأسه هدي شعراوي وهي لم تزل صبية لم تبلغ العشرين.. وبقدرة قادر أصبحت عضوا مميزا في الاتحاد تخوض المناظرات والمجادلات مع خصوم الاتحاد وعلي رأسهم قادة الأزهر المناهضون للاتحاد ذي التوجهات التحررية.. حتي أن بعضهم طالب بمنعها من الوعظ في المساجد.. وقد حدث التحول من تلقاء نفسه.. وإثر حادث غريب.. عندما تعرضت لحريق منزلي وأشرفت علي الموت.. وفي ذلك الوقت الحرج أخذت عهدا إن شفاها الله أن تترك الاتحاد النسائي '!!' وتؤسس جمعية للسيدات المسلمات لنشر الدعوة الإسلامية.. وحدثت المعجزة، وتم لها الشفاء.. وأوفت زينب الغزالي بعهدها لربها.. فاستقالت.. من الاتحاد النسائي وأسست جمعية السيدات المسلمات عام 1937، تلك الجمعية التي ذاع صيتها وامتدت مقارها في كل أرجاء مصر حتي صار لها 199 فرعا.. ولعبت أدوارا هامة في إعداد الواعظات.. ومعالجة الفقراء، ورعاية الأيتام، والسعي في الاصلاح بين العائلات.. وغير ذلك من الأنشطة الدعوية والاجتماعية. وبعد تأسيس جمعيتها بأقل من عام اقترح عليها الشيخ حسن البنا أن تلتحق مع جمعيتها للإخوان وأن ترأس قسم الأخوات.. لكنها رفضت في البداية.. ثم عادت إلي التنسيق مع الإخوان عام 1948 وأصبحت عضوا في الإخوان.. وبقيت جمعيتها مستقلة.. و.. كلفها البنا بالوساطة بين الإخوان وزعيم الأمة النحاس باشا '!!' واستمرت تلعب أدوارا هامة حتي كان الاعتماد عليها كليا في تقديم الدعم والمساعدة لأسر الإخوان المعتقلين بعد أزمة 1954مع ثورة يوليو 1952.. يقول كتاب سيرتها إنه عندما كان طه حسين وزيرا للمعارف 'التعليم' قرر اقامة حفل غنائي بساحة مسجد أحمد بن طولون، تكريما لمستشرق فرنسي كبير جاء لزيارة مصر.. وكان لزينب الغزالي درس في نفس المسجد يحضره ما لا يقل عن 'خمسة آلاف سيدة !!' فلما علمت بذلك الحفل غضبت.. وفي نهاية درسها في ذلك اليوم قالت للسيدات: هل منا من تريد أن تموت شهيدة، وتدخل الجنة.. وتصبح ليس بينها وبين الجنة إلا اسم يُدعي 'الموت'؟ فكل السيدات قلن: الله أكبر.. أنا.. أنا.. أنا.. فقصت عليهن ما يريد طه حسين القيام به، وطلبت منهن أن يمنعن قيام هذا الحفل.. وفي الموعد المحدد قمن بخلع الخيام المنصوبة.. وكل ما كان من تجهيزات للحفل.. ولما جاءت الشرطة وأرادت منعهن.. ثم حاولت القبض علي زينب الغزالي.. جلست السيدات علي الطريق أمام المسجد.. حتي أرسل النحاس باشا وكان رئيس للوزراء رسالة يتعهد فيها بعدم اقامة الحفل.. ويحرص 'مؤرخو' الإخوان علي ذكر أن 'الحاجة زينب الغزالي' تعاطفت مع ثورة يوليو 1952 في بدايتها وقت أن كانت القيادة بيد اللواء محمد نجيب.. وبعد ذلك تغيرت رؤيتها بعد أن رأت أن الأمور لا تسير علي ما يرام.. أما هي 'زينب الغزالي' فتكتب أن الرئيس محمد نجيب زارها 'قبل الانقلاب بأيام صحبة الأمير عبد الله الفيصل.. ويس سراج الدين، والشيخ الباقوري بمناسبة وجود الأمير عبد الله الفيصل في مصر.. وعلي سبيل الاستطراد قال علي العشماوي المتهم الثالث في قضية سيد قطب والذي خفف الحكم باعدامه لصغر سنه.. قال: إن الحاجة زينب الغزالي حمَّلة رسائل إلي سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا والهارب في السعودية، والشيخ عبد الرحمن أبو الخير الذي قالت له أنه سكرتير الملك سعود.. وأعطته رقم تليفونه الخاص'.. ويبدو أن زينب الغزالي كانت ممن وجه الإخوان ليلوذوا بالسعودية في وقت الشدة.. ومن ثم فقد حرصت علي أن تتضمن سيرتها أنها زارت المملكة السعودية 60 مرة، وأدت فريضة الحج 39 مرة، واعتمرت 100 مرة.. ولكن.. لسبب أو لآخر فقد قامت بتأليف كتاب عن الملك المؤسس 'عبد العزيز بن سعود' رحمه الله.. ولدي نسخة منه.. ثم أنها انكرت ذلك، ولم يعد الكتاب يرد بين مؤلفاتها.. التي تحرص هي، ويحرص كتاب سيرتها علي ذكرها وهي: أيام من حياتي نحو بعث جديد نظرات في كتاب الله.. والكتاب الأخير عبارة عن تجميع مقتطفات من المفسرين.. تقول هي عنه: 'أنا أحببت القرآن حتي عشته، فلما عشته أحببت أن أدندن به من أحب، فدندنت بعض دندنة المفسرين، ولا أقول إني مفسرة.. ولكن أقول: إنني محبة للقرآن، عاشقة له.. والعاشق يدندن لمن يحب، والعاشق يحكي لمن يحب، ويجالس من يحب.. ويعانق من يحب، فعانقت القرآن، وتحدثت به وله في الملايين من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وعشت ادندن به في المساجد لأكثر من ستين عاما.. أي طوال عمر الدعوة التي أسستها في المساجد منذ عام 1937'. أما الكتاب الأكثر أهمية.. وهو كتاب 'أيام من حياتي' الذي يعتبره الإخوان وثيقة هامة وسجلا تاريخيا لحقبة تاريخية هامة'.. فهو في الحقيقة وثيقة علي الكذب والبهتان.. وسجلا للتدليس والكذب.. كما سوف يتضح.. وما زلنا مع زينب الغزالي.