هي الداعية الأشهر في القرن العشرين، لقبوها ب''أم الصابرين'' بعد سنوات اعتقال وتعذيب ومواجهة بينها وبين نظام ''جمال عبد الناصر''، كانت بحق شقيقة للرجال في مجال الدعوة والتبليغ لأكثر من نصف قرن من الزمان، وسطرت سيرتها بحروف من نور مطالبة بإعلاء الشريعة الإسلامية حتى فاضت روحها و بقيت رسالتها حتى الآن. في الثاني من يناير 1917 ولدت ''زينب محمد الغزالي'' بإحدى قرى ''ميت غمر - دقهلية''، تربت في كنف أسرة ''أزهرية'' تعرف أصول الدين وقيمته السامية، وتعلمت القراءة والكتابة وحفظ القرآن في سن صغيرة، إلا أن وفاة الأب وهي لا تزال في العاشرة من عمرها أثر فيها كثيرا، وعرضها لفقد مسيرتها التعليمية، إلا أنها صممت لإكمال تعليمها، وقرأت بنهم شديد لرائدات عصر نهضة المرأة المصرية في صدر القرن العشرين أمثال ''عائشة التيمورية'' و غيرها. انضمت ''زينب'' للاتحاد النسائي المصري'' وكانت عضوة بارزة به وعلى صلة وثيقة برئيسته الناشطة النسائية والمجتمعية ''هدى هانم شعراوي''، وتبنت ''زينب'' اتجاها متحررا يدعوا المرأة لنبذ العادات المتجمدة، والخروج للتعليم والعمل جنبا بجنب مع الرجل، وهو ما وضعها في مأزق أمام رجال الأزهر، خاصة بعد مناظرات بين ''الاتحاد'' وبين شيوخ الأزهر. ''حريق بمنزلها'' كاد أن يودي بحياتها، وتزلزل فيه وجدانها بشكل كبير، في هذه الفترة أقنعها أحد رجال الأزهر بترك ''الاتحاد النسائي'' ودعاوي التغريب، و نذرت إن شفاها الله أن تترك ''الاتحاد'' وتتجه لتأسيس ''جمعية نسائية إسلامية''، وهو ما تحقق بالفعل بإنشائها ''جمعية السيدات المسلمات للدعوة الإسلامية 1937''، وكما كانت عضوة بارزة في ''الاتحاد النسائي''، استطاعت استقطاب سيدات المجتمع الراقي لجمعيتها، وتعريفهن مبادئ الدين الصحيحة، وإقناعهن بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية. ثمة تعارف حدث بينها وبين المرشد الأول ''الشيخ حسن البنا'' - مؤسس جماعة الإخوان المسلمين - وحاول إقناعها بدمج جمعيتها وجماعته؛ على أن تترأس جناح ''الأخوات المسلمات'' بالجماعة، إلا أنها رفضت في بادئ الأمر، وما لبثت أن انضمت للإخوان المسلمين بعد فترة حرب فلسطين، وتأثير الجماعة الكبير في الشارع المصري حينها، وكانت بحق ''سيدة الموقف'' في الوساطة بين الجماعة و''النحاس باشا'' قبل الثورة، وبين الجماعة و''مجلس قيادة الثورة'' في ''أزمة 1954 - حادث المنشية'' واعتقال كوادر الإخوان. نقطة التحول الثانية كانت ''رفضها لقاء جمال عبد الناصر''، وقالت لمرسال الرئيس: ''أنا لا أصافح يدا تلوثت بدماء الشهيد عبد القادر عودة''، ورفضت أن تخضع جمعيتها لإشراف ''الاتحاد الاشتراكي - التنظيم السياسي الوحيد وقتها''، فكانت شرارة اشتعال الأزمة بينها وبين ''عبد الناصر، وقت كانت العلاقة بينه وبين ''الإخوان'' ككل متأزمة وبشدة، فصدر قرارا بحل الجمعية، وفي 1965 اعتقلت ''زينب'' لست سنوات تعرضت فيها لتعذيب نفسي وبدني شديد، ولم يتم الإفراج عنها إلا في عهد ''السادات'' بعد وساطة ''الملك فيصل بن عبد العزيز'' لها. بعد خروجها من المعتقل، كانت شعلة نشاط لا تهدأ، جابت فيها دول العالم نشرا للدعوة الإسلامية، وإلقاء المحاضرات الدينية، وزارت عدة مرات جبهة الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفيتي ثمانينات القرن الماضي، وبلورت رحلتها في عدة مؤلفات منها ''أيام من حياتي - سيرة ذاتية، نظرات في كتاب الله، نحو بعث جديد''، صاغت فيهم رؤيتها بأن نهضة الأمة الإسلامية ستأتي من الاهتمام بنهضة المرأة المسلمة. توفيت الداعية ''زينب الغزالي - أم الصابرين'' في الثالث من أغسطس 2005 عن عمر 88 عاما، بعد أكثر من نصف قرن في مجال الدعوة الإسلامية و النهوض بالمرأة، وكانت دائما تقول: ''أنا أحببت القرآن حتى عشته، فلما عشته أحببت أن أدندن به لمَن أحب، فدندنت بعض دندنة المفسرين، ولا أقول إني مفسرة، ولكني أقول إنني محبة للقرآن، عاشقة له، والعاشق يدندن لمن يحب، والعاشق يحكي لمن يحب، ويجالس من يحب، ويعانق من يحب، فعانقت القرآن، وتحدثت به وله في جميع الملايين من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وعشت أدندن به في المساجد لأكثر من ستين عاماً، أي عمر الدعوة التي أسستها في المساجد منذ 1937''.