لماذا تحولت 'حركة المقاومة الإسلامية، حماس' هكذا يطلقون علي أنفسهم إلي جماعة إرهابية؟!!.. لماذا لفظ المصريون 'حماس'، وهم من كانوا يطوفون الشوارع يهتفون باسمها؟!!.. لماذا تُوجه 'الحركة' سهامها باتجاه مصر، وتحرِّض أنصارها علي اقتحام معبر رفح، وتغض البصر عن ممارسات الكيان الصهيوني في الأقصي؟!!.. هل المحاولات البائسة لتشويه الجيش المصري تخدم قضية الصراع العربي - الصهيوني؟!!.. ما تكشف بعد ثورة 25 يناير ودور 'حماس' فيه، وانحيازها لمعسكر قطر وبالتالي أمريكا وإسرائيل يجعلنا نسأل: هل هناك علاقة بين الصفقة الأمريكية مع الإخوان في العراق والتي تم بمقتضاها تشكيل حكومة 'بول بريمر' وتقويض الجيش العراقي.. وبين انقلاب 'حماس الإخوانية' علي السلطة الفلسطينية؟!!.. وهو الانقلاب الذي وضع بذرة الانقسام الفلسطيني وطرح فكرة التقسيم أو ما يسمونه مشروع 'غزة الكبري' علي حساب سيناء. في الجامعة.. كنت من أشد المتحمسين ل'حماس'.. لم أكن أهتم بما يتم تداوله عنها وما يقال عن دور 'إسحاق رابين' في نشأتها واستخدامها في تصفية حركة 'فتح'، أو ما كان يتردد عن دعم أجهزة الاستخبارات الصهيونية للجماعات الإسلامية في فلسطين لمواجهة الحركة الوطنية المتمثلة في 'منظمة التحرير الفلسطينية'، وكنت أعتبر ذلك نوعًا من تشويه المقاومة. انتمائي ل'نادي الفكر الناصري'، في ذلك الوقت، وخلافاتنا التاريخية والأيديولوجية مع تنظيم الإخوان الأب الروحي ل'حماس' كانت أمورًا ثانوية، تتلاشي عند قضية الصراع العربي - الصهيوني.. بل يمكن القول إن نقطة التلاقي الوحيدة بين الناصريين والإخوان كانت 'حماس'.. هكذا كنت أو كنا نتصور. في بداية التسعينيات.. كانت المنطقة العربية تعيش مأساة 'احتلال العراق للكويت'،.. حالة من الإحباط وعدم الاتزان أصابتنا ونحن نشاهد تدمير الجيش العراقي أحد أقوي الجيوش العربية، وحصار شعب العراق أحد أكبر الشعوب العربية، ويتم ذلك للأسف بمباركة عربية، ورعاية أمريكية. وقبل أن نتجاوز مأساة 'عاصفة الصحراء'، جاء 'مؤتمر مدريد' الذي دعا إليه 'بوش الأب'.. حالة جديدة من الإحباط عنوانها 'السلام خيارنا الاستراتيجي' و'الأرض مقابل السلام'، ثم جاءت 'اتفاقية أوسلو' التي تم توقيعها بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني 13 سبتمبر1993 في واشنطن، بحضور شيمون بيريز وياسر عرفات وتحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وقد سميت الاتفاقية باسم العاصمة النرويجية 'أوسلو' التي استضافت المباحثات السرية بين الطرفين في 1991. وقتها.. كنا نهتف ضد 'ياسر عرفات'، و'منظمة التحرير الفلسطينية'، ونغني: 'الله الله يا بدوي جاب اليسري/ وبوش خلاص لم الأسرة.. لم الأسرة/ مدريد بتفتح في دراعها/ والقدس تشكي بأوجاعها/ ومين بقي وياكوا باعها/ ومين كمان لم الأجرة'. وقتها أيضًا.. كنا نهتف ل'أحمد ياسين' و'حركة حماس'، ونغني: 'يا حماس علمينا البندقية/ يا حماس يا بنت الشعب الأبية/ يا حماس علميهم ألف مرة/ بيع الأرض ما يصنع للعز دولة'. المهم.. خنوع الأنظمة العربية، وضع 'حماس' في صدارة المشهد واستمرت سنوات طويلة، تمثل المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، كانت عملياتها الفدائية تجسد مقولة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر 'ما أُخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة'، في وقت سيطرت فيه عبارات المهادنة و'العيش المشترك' و'قبول الآخر'، و'الخيار الاستراتيجي' وغيرها. ورغم تبني إيران وسوريا خطابًا عدائيًا لإسرائيل، وتقديم بعض المساعدات لحركات المقاومة أو استضافة رموزها وتخصيص مرتبات شهرية لأعضائها، ظلت 'حماس' رمز النضال، لم ينازعها مجد المقاومة إلا 'حزب الله' في بعض المناسبات. بالنسبة لي.. ظلت 'حماس' أيقونة المقاومة، حتي انقلبت علي السلطة الفلسطينية في 2007.. والمشكلة لم تكن فقط في الانقلاب، الذي قسم الشعب الفلسطيني ودخل بالقضية إلي نفق مظلم، لكن أيضا في ممارسات ميليشيات 'حماس' بعد الانفراد بالسلطة في القطاع، ومشاهد رمي الفلسطينيين المنتمين لحركة فتح من فوق أسطح المنازل في غزة وتكسير عظامهم وسحلهم والتمثيل بجثثهم، لا تفارقني حتي اليوم.. خصوصًا وأني قابلت بعض الجرحي والمصابين جراء ذلك واستمعت لهم أثناء تلقيهم العلاج في 'مستشفي الهلال' و'معهد ناصر' بالقاهرة.. وسمعت منهم ما لم أكن أتوقعه. بالفعل كانت مشاهد مفزعة.. سألت نفسي وقتها: هل هناك علاقة بين انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من غزة في 2005 وبين الانقلاب في 2007؟!!.. واتسعت دائرة السؤال: هل هناك علاقة بين الصفقة الأمريكية مع الإخوان في العراق 'حكومة بول بريمر'.. وبين انقلاب 'حماس الإخوانية' علي السلطة الفلسطينية وعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية أم لا؟!!. في فبراير 2005 قررت الحكومة الإسرائيلية وبأغلبية كبيرة الانسحاب من غزة.. قبلها في 2004 تخلص الكيان الصهيوني من القيادات الفلسطينية التاريخية.. أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وياسر عرفات، لتبدأ القضية الفلسطينية مرحلة خطيرة.. يسيطر عليها الاقتتال الداخلي، لتتوجه أسلحة فصائل المقاومة إلي بعضها البعض. فبعد انسحاب إسرائيل من غزة، دخلت 'حماس' معترك السياسة وتخلت عن السلاح، ورغم رفضها المشاركة في الانتخابات الرئاسية، خاضت الانتخابات البلدية، ثم خاضت الانتخابات التشريعية الفلسطينية للمرة الأولي في عام 2006، وفازت ب'76' مقعدًا مقابل '43' مقعدًا لحركة فتح.. وهو ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإقالة رئيس الوزراء أحمد قريع وتكليف 'حماس' بتشكيل الحكومة. منذ ذلك الوقت لم يعد الاحتلال الصهيوني هو قضية 'حماس' الرئيسية، اختفت 'إسرائيل' من المشهد، وكما خرجت 'منظمة التحرير الفلسطينية' من دائرة المقاومة خرجت 'حماس'، وبرز الصراع بين 'السلطة' و'الحكومة'، وتحول الأمر إلي مواجهات في الشوارع بين المنتمين ل'فتح' والمحسوبين علي 'حماس'. حرب راح ضحيتها العشرات بل المئات من الفلسطينيين، طرفاها 'كتائب شهداء الأقصي' و'كتائب عز الدين القسام'، حتي اتخذت 'حماس' قرارها في منتصف يونية 2007 بالانقلاب علي السلطة الوطنية والانفصال بقطاع غزة.. رأينا بعد ذلك التقارب 'الحمساوي' 'القطري'!! وعندما تظهر قطر يجب أن نفتش عن الكيان الصهيوني وبدأنا نسمع من جديد عن 'غزة الكبري'، وتسوية القضية الفلسطينية علي حساب مصر، أو ما يُعرف بدولة 'غزة الكبري' التي تتمدد إلي الأراضي المصرية باتجاه سيناء. وبعد 25 يناير أصبحت الصورة واضحة.. التصقت 'حماس' أكثر وأكثر بقطر والمخطط الأمريكي بالمنطقة، ومحاولاتها لم تتوقف للنيل من الجيش المصري، وهل ننسي اتفاق 'حماس' و'إسرائيل' الذي تم تحت رعاية مرسي ووقعت فيه 'حركة المقاومة الإسلامية!!' علي وقف 'العنف المتبادل!' بين الطرفين، وتعهدت بتضييق الخناق علي حركات المقاومة؟!!. أجدني هنا مضطرًا للتذكير بخطاب مرسي الذي خاطب فيه شيمون بيريز وبدأه ب'عزيزي وصديقي العظيم' وختمه بقوله: 'لي الشرف بأن أعرب لفخامتكم عما أتمناه لشخصكم من السعادة، ولبلادكم من الرغد'.. وهي اللغة المستكينة التي قال عنها بيريز في حواره مع 'نيويورك تايمز' الأمريكية، إنها كانت مفاجأة لم يصادف مثلها من قبل!!. وقتها.. قال الإخوان إن الخطاب صدر بعيدًا عن مرسي ودون علمه وبالخطأ.. فجاءت تصريحات عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة أو الحزب الحاكم، مستشار رئيس الجمهورية، عضو مجلس الشوري، بل زعيم الأغلبية بالمجلس أثناء هذه التصريحات لتفضح موقف الجماعة من قضية 'الصراع العربي الصهيوني'. فقد طالب العريان بعودة اليهود إلي مصر زاعمًا أنهم تعرضوا للهجرة القسرية والاضطهاد علي يد نظام عبد الناصر!!.. وهو كذب فاضح وخائب. نفس التصريحات وفي نفس التوقيت أطلقها نتنياهو قائلا: 'إن الحديث عن قضية اللاجئين لا يتوقف عند اللاجئين الفلسطينيين ولكن هناك أيضًا اللاجئون اليهود الذين تم طردهم من الدول العربية'. وهي التصريحات التي كان لها صداها في المفاوضات الأخيرة وفق خطة جون كيري وزير الخارجية الأمريكي للتسوية، بعد أن فرضت حكومة الكيان الصهيوني ملف ما أسمته ب'اللاجئين اليهود' الذين غادروا منازلهم في الدول العربية، وطرحت إسرائيل تعويضهم ب300 مليار دولار، وهو ما يشير إلي أن المفاوض الصهيوني يساوم علي حق عودة الفلسطينيين، بمعني تنازل الصهاينة عن حق العودة في مقابل تنازل الفلسطينيين عن حق العودة. اليوم.. يضحك الصهاينة من داخلهم، بعد أن تحولت 'حماس' إلي خنجر مسموم يحاول النيل من الجيش المصري.. بعد أن أصبح عدد الشهداء من الجيش والشرطة المصرية في أشهر قليلة يفوق عدد قتلي جنود الاحتلال الإسرائيلي في السنوات العشر الماضية. المثير أن هناك من لم يفهم دروس التاريخ جيدًا، فمصر التي تحطمت علي عتباتها أعتي الإمبراطوريات لن تتوقف عند مؤامرات حركة أو جماعة أو دويلة أو أسر حاكمة أو أردوغان مخبول.. أو عروض صبيانية ترفع إشارات 'رابعة' أو 'لافتات الإخوان'. ستبقي مصر عمود الخيمة العربية وحجر العثرة في وجه المحتل الصهيوني، وأي محتل غاصب.. وستبقي القضية الفلسطينية قضية مصر الرئيسية، لن نفرط فيها كما لم نفرط في دماء شهدائنا الذين راحوا في طريق الدفاع عنها وعن القضايا المصرية والعربية.