روح الفكاهة عنصر متأصل عند المصريين منذ القدم، فمنذ برزوا علي صفحة هذا الزمن وهم يضحكون ويسخرون ويتهكمون رغم صرامتهم وجديتهم، وقد عانت مصر في تاريخها حقبا من المحن والشدة التي تنطوي علي ظلم الحكام والمحتلين، و في نفس الوقت شهدت عهودًا من الرخاء فتفاعل هذا التناقض مع ما فطر عليه المصري من ذكاء وحضور بديهة ورفاهة حس فضحك وسخر لينفس عن نفسه وينتقد في نفس الوقت في معين الفكاهة ذاتها ما يقع عليه من جور وظلم ساعيا إلي تغيير وضعه وحالما نحو ما هو أفضل، ولهذا فإن لمصر باعًا قديمًا في الكوميديا بما لها من تاريخ ضاحك استطاعت الفكاهة بكل أشكالها أن تحفظ لمصر روحها الوثابة والشابة والنقية علي مر العصور. وقد عرفت مصر عبر تاريخها نماذج وقوالب مسرحية كان منها فن الأراجوز كأحد أهم أشكال الدراما الشعبية التي تعتمد علي العرائس والدمي التي وجد منها نماذج ضمن الآثار الفرعونية التي تؤصل لمصرية فن الأراجوز الذي ازدهر مع فن خيال الظل وصندوق الدنيا في العصر المملوكي وأصبح الأراجوز من أشهر فنون الفرجة علي الإطلاق ويعتبر فنا مصريا أصيلا في الآونة الأخيرة لقلة فنانيه وانحسار دوره لسطوة وسائل فنية أخري، وظل لسنوات طويلة يتنقل في شوارع القاهرة وفي المدن والقري والنجوع كأحد أهم أشكال الفرجة الشعبية ويعيش فنانوه بقروش زهيدة رغم قيمة ما يقدمونه، وكان في أحلك الظروف التي عصفت بمصر يقدم دوره التربوي والاجتماعي والفني والنفسي باقتدار من خلال موتيفات بسيطة ينسج عليها الفنان الشعبي بعض المواضيع التي يتم انتقاد بعض الأوضاع السلبية من خلالها عن طريق الدمي بشكل كوميدي ساخر وبأداء متميز، وكان الأراجوز بمثابة البطل الشعبي المصري الذي يتشابه ويجمع في صفات البطولة ومقوماتها إلي حد كبير مع أبطال السير والحكايات الشعبية لأنه كان بزيه وطربوشه الأحمر وعصاه الباطشة يثأر للمظلومين والمدحورين وينتقم من الشخصيات والنماذج السيئة في المجتمع وكان في كثير من نمره يسخر من أعداء الوطن بكل قوة وحسم وكان لأعماله صدي في المسرح المصري والأفلام السينمائية الكوميدية وكان مرتبطًا بمشكلات الشارع والحياة اليومية، ويأتي الضحك من خلال نمره الكثيرة لقهر العناصر الفاسدة ومحاربته للسلوكيات الشاذة والعادات الضارة وينتقم من الشخصيات التي لا تتسم بالرجولة والشهامة والمروءة والوطنية والاعتزاز التي هي من أهم صفات المصريين ويثأر للمجتمع منها لمحاربتها وهو ما كان يرضي جمهوره من كافة الأعمار ولهذا يعتبر هذا الفن لصيقًا بالوجدان الشعبي المصري. وأما ما نلحظه الآن في برنامج البرنامج الذي يقدمه باسم يوسف باعتبار أن ما يقدمه مشابه لنمر الأراجوز كما يري ويكتب البعض عن جهل أو تعمد فإن ذلك يعتبر مغايرًا للحقيقة وظلمًا جائرًا للأراجوز المصري الذي عرفناه لأن الفرق كبير بين هذا وذاك فرق بين الفن والسفه فرق بين الحق والباطل فرق بين الظلام والنور فرق بين القيمة والآفة فرق بين الأراجوز البطل و الأراجوز المخنث، فرق بين الوطني والعميل فرق بين أراجوز كان يشحذ الهمم و يمجد رموزه الوطنية وبين أراجوز مستعار يهين الوطن ورموزه ويعمل لصالح أعدائنا، إنه فرق بين أراجوز الرجولة والمواجهة وبين أراجوز لا يملك غير اللمز والغمز والهمز والمجون، فرق بين أراجوز كان يصفق له الناس وبين أراجوز ترفع في وجهه النعال، فرق بين أراجوز أضاع عمره في خدمة الوطن يبث القيم والمثل العليا وبين مدعٍ فاشل ترك عمله وراح يجهد ويضيع عمره فيما لا يفيد، فرق بين الأراجوز الذي كان يمجد مصر وجيشها وبين هذا الذي تخطي الحدود والحريات المتاحة عندما يشبه مصر بالمرأة اللعوب التي تخون زوجها مع العسكر، فروق كبيرة بين هذا وذاك ولا ندري إلي متي سيظل المسئولون بالدولة عاجزين علي أن يمحو هذا السخط والمسخ عنا لأن شعبنا يمكن أن يتحمل المحن والصعاب كما يتحملها في ثورته الآن ولكنه بكل أبنائه الأحرار لا يمكن أن يسكت أبدا عن أن تهان كرامته وكرامة رموزه الوطنية ويتمني عاجلا الثأر والقصاص من هذا البرنامج وشيطانه.