'99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا واللي شايف غير كده يخبط دماغه في الحيط'!!. عبارة قالها 'السادات'، وسار علي نهجها 'مبارك'، وترجمها نظامه في سياسات مازلنا نعيش تبعاتها حتي يومنا هذا. بمقتضاها فرطوا في مشروعنا القومي وثوابتنا الوطنية، لتعود بنا عجلة التاريخ إلي أيام 'المندوب السامي' و'قصر الدوبارة'. تضاءل علي إثرها دور مصر الإقليمي في إفريقيا وآسيا لتحل محلها دولة الكيان الصهيوني، فأصبح طموحنا الحفاظ علي سيناء وحلايب وشلاتين داخل حدودنا، ومنتهي الآمال أن تبقي رحلة نهر النيل كما كانت عليه من قبل!!. سلمونا وسلموا مقدراتنا، ماضينا وحاضرنا، إلي الرأسمالية الأمريكية المتوحشة التي دهستنا، فتحول الوطن إلي 'شركة تجارية' والمواطن إلي مجرد 'عميل'. تحول المصريون نتيجة الدوران في الفلك الأمريكي، وتنفيذ رغبات صندوق النقد والبنك الدوليين الخصخصة وغيرها إلي مرضي بالسرطان والكبد والقلب والسكر والضغط، سعادتهم في 'كارت شحن' و'حبة فياجرا' و'قرص ترامادول'، طموحهم 'هجرة غير شرعية' أو 'عقد عمل' بالخارج.. مندوب مبيعات أو خادمة في البيوت. لكن الشعب المصري الذي أنهكوه علي مدي 40 عاما، نفض غبار السنين وعبَّر عن عراقته وحضارته، بأكبر تجمع بشري واحتجاج سياسي شهده تاريخ العالم. لقد كتبت بعد ثورة 30 يونية في أكثر من مناسبة وقلت: إن معركتنا الحقيقية هي معركة الاستقلال الوطني، والخروج من براثن التبعية الأمريكية.. وأكدت أننا خرجنا بعد ثورة 25 يناير من حظيرة البيت الأبيض من 'باب مبارك'، وعدنا إليها عبر 'بوابة الإخوان'!!!. وأكدت أن مصر التي كانت بمثابة حجر الزاوية في 'مشروع الشرق الأوسط الجديد' مع وصول الإخوان إلي الحكم.. وكانت بوابة الدخول الرحبة التي عبرت من خلالها أمريكا إلي الوطن العربي بعد اتفاقية 'كامب ديفيد'، ستكون هي بوابة الخروج الكبير ل'واشنطن' من المنطقة.. بعد أن أدرك المصريون أن معركتهم الحقيقية يجب أن تكون في مواجهة الولاياتالمتحدة. فخرجت الملايين إلي الشوارع تحرق العلم الأمريكي وصور 'أوباما'، وترفع صور 'بوتين'، في إشارة لأهمية التقارب المصري الروسي وضرورة عودة التوازن إلي العلاقات المصرية الأمريكية. خرج المصريون يرفعون صور الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ولسان حالهم يردد كلماته: 'نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا'. واليوم أشعر أن الثورة قد نجحت 25 يناير و30 يونية ودماءنا التي سالت، وعيشتنا التي ضاقت وأمننا الذي تهدد، وأرواح شهدائنا التي فاضت إلي السماء لم تضع هباء، بعد أن حققت مصر شوطًا مهمًا في معركة استقلالها الوطني. المسألة أعمق من استقبال مهيب حظي به الوفد المصري في روسيا راجعوا تفاصيل زيارة المعزول لتعرفوا الفرق والقضية أكبر من صفقة سلاح أبرمتها القاهرة مع موسكو تجاوزت قيمتها وفق صحيفة 'فيدوموستي' الروسية ال 3 مليارات دولار. بالطبع.. الصفقة ضخمة، تضم مقاتلات من طراز ميج 29، ومروحيات مي35 وأنظمة دفاع جوي من عدة طرازات، وصواريخ مضادة للدبابات 'الإبرامز' الأمريكية و'الميركاڤا' الإسرائيلية، ومنظومات صاروخية ساحلية مضادة للسفن، ومختلف أنواع الذخائر والأسلحة الخفيفة.. بالإضافة إلي تحديث المعدات العسكرية المصرية القديمة، وإجراء مناورات تكتيكية مشتركة، وتبادل البعثات العسكرية بين البلدين. لكن الأهم من السلاح، هو امتلاك الإرادة وحرية القرار.. فمصر لم تعد تحت رحمة واشنطن أو رهن إشارة من يسكن في البيت الأبيض. والقراءة المنصفة للتقارب المصري الروسي تؤكد أن القاهرة استعادت هيبتها ودورها المحوري في المنطقة، وهو ما بدا واضحًا في البيان المصري الروسي المشترك الذي أكد ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية قابلة للتطبيق والدوام. البيان لم يتوقف عند 'جبر الخواطر' الذي سيطر لفترة طويلة علي معظم البيانات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، فقد أعرب الجانبان في البيان المشترك عن الشعور بالقلق العميق إزاء الأنشطة الاستيطانية غير المشروعة التي تقوم بها إسرائيل داخل الأراضي المحتلة بما فيها القدسالشرقية. ولم يمر يومان حتي دعت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر وقوي الحراك الثوري منظمة الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية إلي تبني عقد 'ملتقي القاهرة للسلام في سوريا' برعاية مصرية.. وقالت: إن وصول 'جنيف 2' إلي طريق مسدود دفعنا لطرح هذه المبادرة واختيار القاهرة لما لها من حضور ووزن سياسي عربيًا وإقليميًا، فمصر أول وأكبر دولة مؤسسات في العالم العربي. الآن.. تذكّر الجيش السوري الحر وثوار سوريا أهمية الدور المصري. نحن إذن أمام معادلة جديدة تستعيد مصر من خلالها تأثيرها الإقليمي والعالمي، وهو ما يفسر حالة الهياج التي أصابت بهلول اسطنبول وأخرجته عن شعوره.. ولِم لا؟، فأحلامه الوردية بالسيطرة علي الوطن العربي واستعادة أمجاد أجداده الأغاوات تحولت إلي كابوس مفزع. أردوغان المتهم هو وأعضاء حزبه ووزراء في حكومته ونجله بالضلوع في أكبر قضايا فساد تشهدها تركيا، ترك كل ذلك، وراح يهذي بكلمات فارغة ويقول: إن بلاده لن تعترف بالمشير عبد الفتاح السيسي أو أي شخص يصبح رئيسًا لمصر، حتي لو كان ذلك عبر الانتخابات!!. المثير لم يكن في تصريحات أردوغان الذي فقد توازنه و'ثباته الانفعالي!!'، وأصبحت حالته العقلية مرهونة بمدي تطور الطب النفسي في تركيا.. لكن المضحك كان في تصريحات واشنطن، التي قالت علي لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية 'ماري هارف': 'نحن لا ندعم مرشحًا، ولا أعتقد أن الولاياتالمتحدةوروسيا من حقهما أن يقررا من سيحكم مصر.. القرار يعود للشعب'. الإدارة الأمريكية التي لم تر في 'قلة أدب' أردوغان أي تجاوز للأعراف الدولية أو تدخل في الشأن المصري، استفزتها كلمات بوتين التي قال فيها للمشير السيسي: 'أعرف أنكم اتخذتم قرار الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر.. تولي مهمة من أجل الشعب المصري قرار مسئول جدًا.. أتمني لكم باسمي واسم الشعب الروسي النجاح'. تخيلوا.. واشنطن تعتبر 'أتمني لك النجاح' تدخّلا في الشأن المصري!!، أما تصريح أردوغان بعدم اعتراف بلاده بمن سيأتي به الشعب المصري رئيسًا، 'عادي!!'. تصريح أمريكي يثير الضحك، ويكشف عن ارتباك كبير في البيت الأبيض، ويكشف أيضًا أن عقدة عبد الناصر مازالت تطارد واشنطن، وتصيبها ب'الهلوسة' كلما استشعرت عودة مصر للقيام بدورها الإقليمي. الارتباك لم يصب الإدارة الأمريكية ورئيس حكومة تركيا فقط، بل امتد للكيان الصهيوني، فلأول مرة منذ 30 يونية تصف الصحف الإسرائيلية الإطاحة بنظام الإخوان بالانقلاب العسكري.. فقد نشرت الصحف والمواقع الإسرائيلية تقارير إخبارية عن التقارب المصري الروسي، ومنها موقع جريدة 'هآرتس' القريبة من دوائر صنع القرار الصهيونية، والتي نشرت تقريرًا تناولت فيه الزيارة الأخيرة واختتمته بعبارة: 'هذه هي المرة الأولي التي يخرج فيها السيسي لمقابلات رسمية خارج البلاد منذ الانقلاب العسكري الذي تمت فيه الإطاحة بالرئيس محمد مرسي'. وهي العبارة التي لم نقرءها في الصحف الإسرائيلية من قبل لكنها تكررت في أكثر من تقرير خبري وأكثر من صحيفة وستتكرر كثيرًا بعد ذلك. يا سلام بعد أكثر من 7 أشهر علي ثورة يونية، وتحسس الكلمات والتصريحات، اكتشف الكيان الصهيوني فجأة أن عزل محمد مرسي انقلاب عسكري!!!. لقد أصبحت الصورة واضحة وضوح الشمس في تقديري والسؤال الذي حيَّر كثيرين وراح يتردد علي ألسنة الإخوان وصبيانهم والمتشككين ومن سار علي هواهم: 'هل تعود مصر إلي ما كانت عليه قبل ثورة يناير؟!!'، أجاب عليه النظام المصري الجديد إجابة نهائية لا لبس فيها. لن تعود مصر مرة أخري إلي حظيرة البيت الأبيض، وبالتالي لن تعود إلي الرأسمالية المتوحشة التي أرست قواعدها ودعمتها الإدارة الأمريكية عبر رجال أعمال مبارك وتجار الإخوان. والشعب المصري الذي استرد إرادته من قبضة واشنطن لن تصعب عليه الإطاحة بمحاسيبها والمنتفعين بسياساتها. وكل آتٍ قريب.