يعكف النجم السوري جمال سليمان، الآن، علي قراءة مذكرات الزعيم المصري جمال عبد الناصر. ينبش في تاريخ الرجل، يتابع التسجيلات المصورة وما كتب عنه. ولا يكتفي سليمان بالجانب الرسمي من شخصية عبد الناصر، في بحثه هذا، وإنما يسعي لمقاربة الجانب الشخصي له، وفي هذا الوقت أيضاً، يخضع سليمان لبروفات 'مكياج' بهدف الوصول إلي أقرب شكل للرئيس الراحل. من يعرف جمال سليمان، يعرف أن تلك التحضيرات السابقة لا تتم وفق المعتاد في دراسة الممثل للشخصية التي يؤديها، ولا هي محاولة لحفظ الرئيس الراحل للسعي إلي تقليده، لكن في نبش أرشيف الرئيس، ما قد يسلم جمال سليمان مفاتيح الشخصية لتقديم مقترح درامي عنها، يخصّ جمال سليمان وحده، كفنان وكمثقف، لا كمشخصاتي. والفارق بين الحالتين، هو مساحة حضور الروح، التي لا تكتب، ولا يوفرها المكياج، ولا تأتي بالتقليد.لعل إحالة القارئ إلي أداء جمال سليمان في اثنين من أدواره من شأنها أن تعطينا مفاتيح لفهم أسلوب سليمان في تجسيد شخصياته، ومن بينها بطبيعة الحال، شخصية الزعيم عبد الناصر في مسلسل 'التغريبة الفلسطينية'، استعار جمال سليمان ملابس جاره 'السمّان' الفلسطيني، كتفاصيل شكلانية لشخصية القائد 'أبو صالح'، لكنه في الحقيقة استلهم تاريخ الوجع الفلسطيني وأحلام الفلسطينيين وأمانيهم ليصوغ فيها روح 'أبو صالح'، وتفاصيله الإنسانية، فقدّم الشخصية بعفوية وبشحنة انفعالية عالية لا يلتقط فيها الرجل شكل الفلسطيني وروحه وحسب، وإنما يحمل لنا رائحته وأنفاسه وكثيراً من التفاصيل الذي من الصعب لأمهر ممثل أن يدركها. جمال سليمان كان يعيش 'أبو صالح'، لا يؤدي شخصيته. في شخصيته 'خالد' في مسلسل 'ذاكرة الجسد'، أبدي سليمان قدرة فائقة علي فهم طبيعة شخصية 'خالد'، وما حالة التعب التي تظهر في عينيه أو معالم وجهه إلا دليل علي أن جمال سليمان فهم أن هزيمة العاشق 'خالد' كانت من الداخل أكثر مما هي العيش في ظل هزيمة معركة وسقوط منظومة القيم عند عدد من رفاقه الثوار. هنا يظهر جمال سليمان الفنان المثقف، الذي لا يكتفي بتشخيص مضمون الورق، وإنما يتجاوز ذلك إلي تحليله وفهمه. 'أبو صالح' الفلسطيني، و'خالد' الجزائري، شخصيتان روائيتان بأبعاد وطنية، مع التأكيد علي أن لهما معادل موضوعي علي الأرض، وربما لا يصحّ مقارنة تجسيدهما، مع تجسيد شخصية عامة وحقيقية، وبلاشك أن جمال سليمان الأقدر علي فهم الفارق بين تجسيد شخصية مفترضة وشخصية حقيقية عامة. لكننا هناك نسوق أمثلة عن طريقة تعامل جمال من شخصياته التمثيلية، وبالتالي نشيع جواً من الأمل بأننا لن نكون أمام نسخة مشوهة عن ناصر، ولا نسخة منقحة له، ولا نسخة طبق الأصل الحرفي منه، ولا نسخة درامية متخيلة أيضاً. سنكون أمام مقترح لجمال سليمان، عن ناصر، كما نحبه ونحسه. وهنا سيسقط وهم الفارق بين الدرامي والواقعي. ولكن سيسقط معهما وهم المقدس الذي غالباً ما يترافق ونظرة البعض للشخصيات العامة التي يحبونها حين يتناولها مسلسل درامي، هذا المقدس لن يقتصر علي شخصية جمال عبد الناصر، وإنما للأسف سيتجاوزه الي الممثلين الذين سبق وأدوا شخصية عبد الناصر من قبل، وإلا ما معني أن يستعجل البعض، ويصرّ علي مقارنة مفترضة بين أداء جمال سليمان للشخصية 'ولم يصورها بعد' وأداء الراحل أحمد زكي لها في فيلم 'ناصر 56'، بل ويحسم النتيجة لصالح زكي؟! الحكم علي أداء جمال سليمان لشخصية جمال عبد الناصر، يبقي رهن العرض، وقتها ربما يصحّ أيّ حكم يصدر بحقه، وقبلها لاشيء يبدو مقبولاً، إلا الأمل بمتابعة دراما بحجم الحب الذي نكنه للرئيس عبد الناصر، والمتعة في الأداء التي اعتدناها من جمال سليمان.